معلمي الأول، شقيقي الأكبر محمد مسعود، نزيل سجون : البصرة وبغداد ونكرة السلمان هو الذي حدثني عنهم: يحيى ق. وعد الله النجار، ملازم البحرية صلاح، ألفريد سمعان، غني القريشي، عوّاد الدودان، جنجون حسين، همام المراني، جاسم المطير، عبد القادر العيداني، جمعة اللامي، هاشم الطعان، مكرّم الطالباني، فاضل ثامر، مظفر النواب و.. فخري كريم.
(*)
المناضل فخري كريم، يكتب مذكراته الشخصية من خلال هذه الكوكبة المتلألئة ،طريقته السردية أهدتني مفتاحا من خلال نصف قولٍ شعري لعروة الصعاليك(أوزعُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ).. فخري كريم : في هذه الوجوه يرى نفسه وتاريخه، فهذه الوجوه الندية كورد الفجر : هي المرايا التي يشوف فيها ملامح ذلك الزمن الصعب والمواقف النبيلة لتلك الوجوه التي شمسها لا تغيب ولا تغفو. وكلامي هذا ليس مجاملة لرجل التقيتهمرة ً واحدة في مهرجان المدى في البصرة .. توجهتُ صوبه بكل شوق واعتزاز حييتُ صافحته ومضيتُ.. كلامي مقتبس ُ من شذرات بوحه الشخصي في قوله ِ (بات صدري يضيق كلما التفت ُ حولي أبحثُ عن بارقة أمل ٍ وسط الخرائب التي يعيد تدويرها على مدى عقدين مَن لا يصلحون للتدوير، من رموز الطبقة المتنفذة في خرابتنا التي باتت شُبه دولة، أو لا دولة أو مستنقع للنفايات السياسية المسمومة/ 419) هنا الكلام يدور ضمن المستوى الموضوعي ثم ينتقل إلى الحميم الذاتي ليغترف جرعات استقواء من رصيد ذاكرته : (أستذكرُ لأستمد بعضا من أمل، محمد الخضري ذبيح البعث لحظة الاحتفال ببيان 11 آذار المخادع، والعشرات من الذين تعالوا على المشانق. وأتذكر نماذج أخرى ظلت تحيا على الأمل، دون أن يفارقها حتى في لحظة الوداع إلى الأبدية.. هادي العلوي المجبول على الكفاية والنزاهة حد الإدقاع. غانم حمدون الممسوس بالطهارة والزهد دون أدعاء البطولة. عبد الرزاق الصافي المثقف المتعبد المترفع عن نزعة المكابرة والترفع عن الواجب، بذريعة (المكانة) لسلطة الثقافة. فائق بطي الارستقراطي الذي عاف طقوسها وامتيازاتها وعاش كادحاً متقشفاً منزهاً…) لا تعليق لي على مقوسات سرد فخري كريم .. إلا أن أخاطبه شعريا: (ذهب َ الذين أحبهم وبقيتَ مثل السيف فردا)… يبدو(ملامح زمن) معلقة رثاء لأنظمة السلوك الجمعي منها يتضوع المعنى بالبنفسج الخضل، ونسيج السرد صقيل مثل زجاج، من خلاله يعترف/ يستعيد.. فخري كريم : (حين كنتُ أكتب ُ عن الزمن الجميل الموءود الذي توسّدت أحلامنا ثناياه، كانت تراودني في كل مرّة رغبة ُ استرجاع بعض ٍ من بقايا ضفافهِ لعلي أعثر على حطام من مورثه/ 307)..انتبهوا الحطام بين يديّ نسّاج كتاب(ملامح زمن) يتحول تعويذة، يستعملها للموازنة، كقارب نجاة يصير ذلك الحطام يتشبث به ويضمه إلى ما تبقى من حطام دنيانا.. نحن إذن أمام صانع/ صائغ أمهر بين يديّ النسّاج فخري من ذلك الزمن، ومن هذا الخيط الذي كلما مسكه ينسلت منه ولا يرى أمام عينيه سوى أرواح آلاف بل ملايين نحرتهم الحروب وفرامات دجلة وبأجسادهم تم تبييض السجون وحين نسأل فخري كريم ماهي سمات ذلك الزمن الجميل الذي لا تتوقف عن ترتيله أمامنا؟ يكتفي الرجل أعني يختزله بمفردة واحدة ..(البطولة) ثم يعزفها نسقا ثلاثيا
(*)
فخري كريم يصيّر الموضوع ذاتاً، في( ملامح زمن) أعني يلملم مرايا للموضوعي الذي هو الزمن من خلال الذاتي المتجسد في الوجوه المنيرة في وجه الغلاف وقفاه. إذن وحدة قياس الزمن هي الوجوه التي فعلّت الزمن ونقلته من الراكد إلى الواكد. والموسوعي راصد ملامح الزمن،يخبرنا مِن خلال لقطات كاميراته وهو يحدثنا عن المناضل عبد الرزاق الصافي حين يقول (كان يمكن أن أعرف كل تفاصيل نشأته وصباه ودراسته، لكن ذلك لم يكن مهما بالنسبة لي، في ذلك الزمن) إذن فخرييتجنب الوثائق ويتلمس طريقه للوصول من خلال المياه الجوفية (كل ما كان مهماً، التعرف على ما تكشفه الدواخل العميقة، والسريرة، والطاقة العاطفية الإنسانية، وقدرتها على أن تكون واحة تتفجر فيها ينابيع الفرح، لتسعد الآخرين).. ثم يلتقط فخرى جزئيات جميلة لدى الصافي، من هذه الجزئيات يطرز فخري أجمل صورة سردية: (وجدت ُ مشتركات أخرى، غير العمل الحزبي والإعلامي، وغير الانجذاب إلى مسارات ٍ حياتية ٍ، بدت لي حميمية، ترتقي بالعلاقة إلى صداقة ٍ تتجذر، تجعلنا أكثر التصاقاً وحرصا ً على تضييق المسافة بين مشاغل العمل وهموم السياسة والصحافة والحياة الخاصة، بحيث لم نكن نفترق إلا أوقات النوم. ) والكلام التالي هو الأجمل من ناحية نوعية المشتركات اللذيذة بين فخري كريم وعبد الرزاق الصافي : (والمشتركات تلك، تمثلت في شغفنا بالرمان والبرتقال وأكل (الركي)..) وعلى هذه المشتركات يعقب فخري(وهذا الشغف اليومي أفادنا كثيراً في تلك المرحلة المكفهرة، الحبلى بالشكوك والخيبة والإحساس بالملاحقة من الأجهزة الأمنية البعثية، ورصد كل تحركاتنا، ومحاولة التقاط ما نتداوله في الاجتماعات واللقاءات الخاصة) في مثل هذه الحلكة السياسية، كانت أسلحتهما الصافي وفخري كريم هي (الرمان والبرتقال، يتنقلان بنا بما يُشبه العادة إلى التمشي على ضفاف دجلة وفي يد الواحد منا، كيس يحمل البرتقال، والآخر قشوره) هنا نكتشف أن الأستاذ فخري كريم يجيد رسم الكاريكتير السردي
(*)
هناء أدور : البنت الجميلة في محلتنا (إبريهه).. في 2018 كانت ضيفتنا العزيزة في بيتنا، وهي صديقة المناضلة شقيقتي منى مسعود وقبل ذلك التقينا كثيراً وتحدثنا أنا وهناء عن روايات علي الشوك، ومن خلالها عرفتُ بعض الشخوص الحقيقين في رواياته. في السطر الأول هو يستذكر (هناء أدور)..الأستاذ فخري كريم، من حيرته يشع هذا السؤال( كيف يمكن أن أتجاوز كوكبة من العراقيات يجمعن بين الرقة والحساسية الإنسانية، واختزلهنّ بواحدة، رغم كونها قافية قصيدة لم تكتمل بعد…؟) لكن فخري كريم يجعل هناء أدور في المنزلة بين المنزلتين من خلال ثريا مقالته (بين زمنيّ غائب الجميل والرثاثة التالفة : صوت… هناء أدور) الصوت هنا إشهار حرية المرأة العراقية، وهذا الصوت جعل الشاعر الأموي الفحل مستفزاً صارخاً (إذا صاحت الدجاجة صيّاح الديك أذبحوها)!! إذا هذا الصياح يجسد سطوح شخصية المرأة، الذي يربك فحول السياسة والثقافة والمجتمع. فنحن(أبناء كهوف الجاهلية، والذكورة المطبوعة باستبداد السلطة الأقوى).. لكن فخري كريم شاهد عدل على الدور العظيم للمرأة العراقية وبشهادته (كائناتنا الجميلة المعطاءة ، اللواتي تستظل بهن حياتنا، وتحتمي بتضحياتهن خياراتنا: أماً تحنو، أختاً تتململ، وحبيبة ترنو وتتأمل، وزوجة تداري إخفاقاتنا وتمسّد جراحاتنا..) ولا يجانبه الصواب، حين يشخص الفضاء الخاص بالمناضلة هناء أدور، حين يقول (هناء أدور، بقيت تتحرك في تلك المسافة، تحت الضوء الفاصل بين المعاش والمغيّب، فأكتسب حق الاختيار دون أن تدري أنها تكون في مرمى الهدف. وفخري كريم لا يتخلى عن السرد المرح، حين يصف لقاءً حزبيا (وقفت تحت المظلة أنتظر، مضى الوقت دون أن أشاهد سوى شابة في غاية الأناقة والزينة والجمال، وهي تحمل الجريدة، وبعد فترة انتظار غادرت المكان! لم أتقدم بالسؤال، معتقداً أنها ليست من أنتظر، وهي على تلك الهيئة!) بعد مرور أسبوع يذهب لنفس المكان وبتوقيت نفسه (التقطت الإشارة، واستلمت الوديعة المطلوبة، وكانت وفق المواصفات التي تعرفت عليها (للمناضلات) : شابة قصيرة القامة، بحذاء واطئ، وشعر رجالي قصير، بلا زينة وبهرجة نسائية وكانت هي هناء أدور!) ثم ينتقل السرد إلى النسق الثالث، من هذه الحكاية القصيرةحين يسأل فخري كريم هناء أدور هذا السؤال: (لماذا تخلفت ِ عن موعد الأسبوع الماضي؟) سيكون الجواب صدمة ً لفخري كريم حين تجيبه هناء أدور:( إن زميلة أخرى كانت مكلفة، وحضرت، لكنك أنت مَن تأخر، كمايبدو) وحين يصف فخري كريم الجميلة الانيقة التي كانت تقف وبيدها الجريدة تجيبه هناء : نعم هي كانت مندوبتنا! ) يخبرنا فخري(قلت مع نفسي يا لقلة حيلتي، وخيبتي!).. هنا المناضل ربما فقد امرأة جاءت من أجل النضال والحب ، فهي تمردت على نسق المناضلات آنذاك، فقد تزينت وتأنقت وتجملت وبسبب هذا المختلف الجمالي.. خسر فخري كريم، مناضلة أرادته حبيبا، وهو الشاب الكردي الجميل. وفي الوقت نفسه ربح رفيقة مناضلة دؤوبة تسهم في كافة ميادين العمل الثوري وطوال سنوات بقائها في دمشق، كانت منكبة على نشاط لا ينقطع، لا تتعف عن عمل أو مهمة ولا تستنكف عن القيام بمهام الشغيلة في رزم الكتب والمجلات، ونقلها إلى البريد. أما نزيهة الدليمي فهي (لم تكن وحدها، كلية اليقين بما اعتنقت، فقد كان هذا سوية مجايليها ممن تفتحوا على الأمل، دون أن يتقبلوا بأي شكل كان تدنيسه بشكوك رثة لا تصمد أمام الإيمان المطلق.) ثم ينتقل مؤلف(ملامح زمن) من الشخص إلى نص الحياة العراقية المتوهجة آنذاك : (لم نكن يومذاك نحن جيل الأمل والخيبات نميّز بين توق الإنسان إلى الحرية والسعادة، باعتباره حقيقة مطلقة، والطابع النسبي لحركة التقدم نحو الانعتاق الكامل من كل عبودية، فردية كانت أو مجتمعية طبقية. لقد أصبحت هذه(الحقيقة المطلقة) في وعينا المنغلق، وهما يلغي إرادتنا، وينفي الشك والجدل في فكرنا ويأسرنا في وحدانية مغلقة على ما نحن فيه من اغتراب عما يدور، وما ينبغي عليه من دراية وحراك..).. ما بين القوسين وجيز خطاب : يعترف بقصر النظر، ويمارس نقدا ذاتيا لتلك الحقبة المتوهجة، حيث الوعي الثوري الجمعي لا يرى سوى توهجه الذي يتشكل منه البعد الواحد للرؤية. والسبب أن عالم الأمل كان يتآكل من الداخل، ويتهاوى بفعل سذاجة الإيمان المطلق، المنتبذ عن حيوية الحياة، والعاجز عن رؤية الجديد المتناقض جوهريا وهكذا في لحظة غدر تاريخي مريب بدأب الزمن ينسل ويخفت لهيبه، شيئا فشيئاً … ثم ينطفئ وهنا يستدرك المناضل فخري كريم قائلاً (لكنه، و يا للعيب، لم ينطفئ بفعل الصدفة المحضة، بل كان في أساس انطفائه خراب الوعي..) في هذه الحيرة الثورية ما الذي بمقدور أول وزيرة في الوطن العربي أن تفعل؟ وهي في طليعة الرائدات للحركة النسوية العراقية، وماذا تبقى من الوهج الثوري في امرأة ، جاءت إلى الدنيا 1923 وقبل ولادتها في 1920 وجهت اللجنة التنفيذية للكومنترن دعوتها إلى شعوب الشرق لحضور مؤتمر باكو الخاص بشعوب الشرق وبنداء أممي(يا عمال العالم وأيتها الشعوب المضطهدة أتحدوا) وغطت بعض الصحف العراقية منها صحيفة الاستقلال/ ع12/ تشرين الثاني 1920 هذا المؤتمر.. في بغداد كانت هناك ناشطة أمريكية يسارية، تدعى مسس كير، تحث الطالبات على تبني الفكر اليساري من خلال الصحف المحلية والتوجه إلى مكتبة دونون مكنزي التي تحتوي كتبا عن الاشتراكية، وقبل ولادة نزيهة الدليمي بسنة تشكلت في 1922 أول حلقة ماركسية، وقد تألقت الحلقات الماركسية بقيادة حسين الرحال، وكانت (جماعة الرحال) تضم شقيقته أمينة الرحال،وزوجته سعدية، وفاضل محمد البياتي، والأديب محمود أحمد السيد، وجعفر أبو التمن، وزكي خيري، ومصطفى علي، وعوني بكر صدقي..ومحمد سليم فتاح، وعبدالله جدوع.. ويخبرنا فخري كريم عن نزيهة الدليمي (أختزل العالم في عام ولادتها، والأعوام التالية، الزمن والمسافات، وأخترق ميادين في سائر العلوم، في سنوات تكون نزيهة وهي تحبو، كان العراق يزدهر ويزهو بعظمائه.. شعراء أفذاذ الرصافي والزهاوي والصافي والجواهري، ورهط لا عدّ له من المبدعين، كتاباً وفنانين وقادة رأي) بتوقيت سنة ولادة نزيهة الدليمي جاء إلى الدنيا الرجل الذي سيقترن اسمه مع (بيان آب) الرفيق سلام الناصري الذي سينتقل من بغداد ويستقر في محلة (أبو الحسن) في البصرة، أما سلام عادل فقد سكن في محلة مجاورة هي (السيمر) وكان سلام عادل حاضرا في اضراب عمال النفط..
(*)
بعد سقوط الدكتاتور، بقدم صدق يبحث عنه أبو نبيل ويخبرنا عن زهد المناضل الأصيل سلام الناصري الذي رفض السيارة التي يريد يهديها له الرئيس مام جلال، وكذلك تردد في قبول مبلغ مالي، لكن حين يلح عليه بالسفر إلى بيروت للعلاج يمتثل.. ولما يعود من رحلة العلاج ،هنا المفاجأة الشيوعية العظمى، تذهب كريمة سلام الناصري إلى مؤسسة المدى وتسلّم الدكتورة غادة العاملي مظروفا يحتوي على مال ٍ وقائمة بالمصروفات، قالت إنه تبقى من مبلغ العلاج والسفر، وعندما قيل لها أن تبقيه لمتابعة العلاج، رفضت ميلاد سلام الناصري بإصرار الاحتفاظ بالمبلغ،( وخلّفت وراءها غادة وهي تبكي وتردد السؤال عليّ: هل جماعتكم هكذا فعلا…؟!).. بالفعل هكذا هي صفوة الصفوة لا تتغير ملامحها. لكن ما يشغل بال المناضل والصحفي والمثقف كيف يتم تجديد الفاعلية الصحفية في عراق ما بعد 2003، هنا تبتسم المناضلة سلوى زكو، وهيتلتقط قلقا ينتاب فخري كريم، وتخبره بأنهم عثروا على (كفاءة) لا تقل مهارة ودراية عن النماذج الإخراجية التي عادت بها أبو نبيل من القاهرة. يخبرنا أبو نبيل(لم تدم دهشتي كثيراً، إذ أعقبت ذلك بالتعبير عن أسفها لأن المصممة التي أشارت إليها باعتبارها(لقية فنية) ستترك العمل بدءاًمن الغد لأنها في طريقها لإنجاز أطروحتها الجامعية حول(التصميم الصحفي) هنا يتفوق أبو نبيل من خلال امتلاكه لغواية منطق الديالكتيك ولسانه الحلو وهو يخاطب غادة العاملي ( سلوى أعادت لي الأمل بإمكانية إطلاق جريدة متميزة من حيث الشكل قبل المضمون، وأنت تريدين وأد الأمل قبل أن يولد أملاً بجريدة يستحقها العراق، ولك أن تختاري بين الانكباب على أطروحة جامدة تفتقر إلى تجربة معاشة أم تشكيل ملامح وليد بكر يتكامل ويسمو بنبض حياة متدفقة، يحتفي به العراق الجديد…) ينهي كلامه فخري كريم متسائلا (لماذا لم تتردد؟ ولماذا التقطت الفكرة وأصبحت جزءاً متدفقاً من المدى؟ قد يكون الجواب في هذا الكتاب؟) برأي كقارئ تمنيت أن يكون هذا الفصل(أطروحة بحبر الحياة) بمثابة مقدمة ثانية لهذا الكتاب الموسوعي الشيّق
(*)
حينما لم يعثر عليّ في المؤتمر الثامن لحزبنا الشيوعي العراقي ، بحث عن شقيقتي منى مسعود وحملها تحياته وأشواقه لرؤيتي: أعني المناضل العريق الدكتور غانم حمدون الذي كنا نتواصل هو وأنا عبر الفايبر، فقد وصلته بعض مؤلفاتي إلى لندن ، بمبادرة من الصديق الحميم المناضل الدكتور عباس الفياض(أبو ظافر) واعطاه رقم موبايلي. في المؤتمر التاسع للحزب كنت أنا أبحث عن الدكتور غانم حمدون.. للأسف لم يحضر(أبو ثابت).. تواصلنا يكون بعد العاشرة ليلاً هو الذي يتصل.. كانت حواراتنا عن الحزب والثقافة، وكانت لدي خطة عمل بصيغة كتاب حواري، اسلمه أسئلة ويجيب عليها، كان ذلك بعد أن سلمني مراسلاته الجميلة مع المفكر هادي العلوي… في أحدى الليالي انتظرتُ مكالمته.. قلقت عليه، قبل اسبوع كان قد اخبرني أنه تعرض لأزمة صحية.. في اليوم التالي في موقع الحزب صار الرفيق غانم حمدون في ذمة الخلود.. وحين اشتريتُ (ملامح زمن) بدأت من الفهرس فقرأت وأنا في (المكتبة العلمية) بالبصرة هذا الفصل(خمسة أصوات بين زمني غائب طعمة فرمان الجميل والموتى الأحياء … صوت غانم حمدون) وأنا أقرأ كلمات الأستاذ فخري كريم، تناهى له صوت غانم حمدون المرح العالي النبرة. ذات مساءً سألني عن رأي في قصص ذو نون أيوب، فأجبته أنني أميل لقصص عبد الحق وروايته (مجنونان) . تعالت ضحكته وهو يخبرني : مقداد… ذو نون أيوب خالي أخو أمي. .
(*)
هذه صورٌ من ألبوم فخري كريم، تجسد ملامح المناضل غانم حمدون
إنسانيته لا تتكامل، إلاّ إذا اندمج في الكينونة الجمعية، وكرامته لن تصان إلا إذا صارت جزءاً من كرامة الجميع وحريته لن تتفتح، إلا إذا جسدت إرادة الآخرين..)
هذه الصور، الكينونة المتجاوزة لذاتها دائما. وهذه الصور تنقض تشويها ت بعضهم الذي يلتقط شيئا من الضوء الذي يكتنزه هذا الغانم الذي اغنانا بحضورهِ النضالي ومنحنا دروسنا،في كيف تكون الصلاة في حضرة زهرة الرمان.. وهناك مسافة واضحة المعالم بين المناضل الكبير غانم حمدون وبين الشاعر والمترجم الكبير سعدي يوسف، هي (الانكسار في زمن الانطفاء)
وما بين القوسين اقترضته من الأستاذ فخري كريم في مقالته عن سعدي يوسف..
(*)
في 8/ 8/ 2009 كنتُ من المساهمين في أمسية نقدية ضمن فعاليات مهرجان الجواهري، في المساء الأخير أخبرني عبر الموبايل الشاعر إبراهيم الخياط : أنت وكاظم الحجاج وموفق محمد، بعد الحفل الختامي للمهرجان تنتقلون إلى فندق السدير، للمشاركة في مهرجان رابطة الانصار الشيوعيين.. في ضحى اليوم الأول من مهرجان الانصار التقيت المناضلين كريم أحمدوالدكتور كاظم حبيب، وأبديت رأيّ المتواضع في مذكرات المناضل العريق كريم أحمد، ثم سألت كاظم حبيب : الرفيق بهاء الدين نوري يذكر انه حين تم احتجازه كنت انت الحارس عليه!! هنا تبسم المناضل كريم أحمد وكذلك كاظم حبيب الذي اخبرني : أنا عاتبه على هذا الكلام الذي لا أساس له من الصحة.. لحد هذه اللحظة أشعر ان كريم أحمد كان يتأرج من حضور فهدنا الخالد، وأن في عينيه الهادئين
وجوه كل الذين أناروا الطريق لنا وما زالت أنوارهم لا تغفو ولا تغيب. وفي الوقت نفسه وكما يقول فخري كريم عن نزيهة الدليمي
(كان صعبا على نزيهة الدليمي، وهي تشرف على الثمانينيات، أن تتحمل نكوصا، أو اعترافاً بأنطفاء الأمل ولو إلى حين.. في تلك اللحظات التي يختلط فيها اليأس بالأمل، أكرمتها الدنيا بأنطفاء ذاكرتها! صارت تتحس الأشياء والحركات والناس بعينيها وبعاطفتها الجياشة. فقدت ذاكرتها… ونسيت مرة واحدة وإلى الأبد ما يشي بالخراب وربما تناست عن عمد الفسحة التي تفصلها عن كل ما هو سابق للحظتها الراهنة، لتظل صافية الإحساس في أعماقها/ 52) ما يقارب هذه الصورة السردية المتكاملة بقلم فخري كريم سنجدها في منسوجته عن كريم أحمد (ربما خفف طول العمر وتقلبات الزمن الأغبر رؤية الأشباح التي تسدّ باب الأمل أمام العراقيين أينما اتجهوا بأنظارهم. لم يضعف إيمان أبي سليم المشهد السياسي الذي بلغت عفونته وترديه حدّ عودة رموز الخراب والفساد والتبعية دون حياء../ 411) تمارا الجلبي : اكتفي بكتابها(وصول ٌ متأخر لحفل شاي في قصر الأيل) وهو من ترجمة وتقديم الروائي علي بدر/ دار المدى/ قرأته في 20/ 6/ 2024 ولديّ مقالة مخطوطة عن كتابها..
(*)
علي الشوك أحببت كتاباته منذ 1978 ضمن الموسوعة الصغيرة/ ع29.. (الموسيقى الالكترونية) يومها كانت لديّ مكتبة خاصة بالموسيقى الكلاسيكية وبعد سنوات قرأت ُ كتابه الأجمل (الأطروحة الفنطازية) ثم (الدادائية بين الأمس واليوم) وتولهت برواياته والمكتوب عنه في (ملامح زمن) هو طبعة ثانية مزيدة والنسخة الأولى هي مقدمة بقلم فخري كريم لكتاب علي الشوك (الكتابة والحياة).. في هذا الكتاب الموسوعي الجميل والموجع لم أجد أستاذي وصديق الأستاذ فخري كريم : الأستاذ ثريا نص العراق محمود عبد الوهاب الذي طبعت له دار المدى (شعرية العمر) كما لم أجد شيئا عن العبقري التشكيلي صاحب نظرية الكم محمود عبد الوهاب وكذلك مهدي عيسى الصقر..
(*)
خطان متوازيان للزمن في كتاب الأستاذ فخري كريم/ المدى/ ط1/2024/ بغداد : تآكل الزمن / ملامح الزمن..
حاول ألدوس هيكسلي محاولة روائية مع حركية الزمن، فأطلق روايته(لكي يقف الزمن) التي قرأتها وأنا في مرحلة المتوسط .. ثم قرأتها وأنا في خطوط التماس وفي 2017 كانت قراءتي الثالثة وكلما مرة أزداد تعلقاً به الرواية التي يعتبر هكسلي من أجمل روايتهُ.. الآن لا أعرف عدد المرات التي سأقرأ
هذا الكتاب الموسوعي الشيّق الجميل(ملامح الزمن) حيث لا مسافة بين السارد ومراياه إلا وكان الورد الندي، وحدة القياس في كل الأحوال