وعدتكم ..
ان اكتب عن انبل واشرف انتفاضة شهدها العراق والعالم .. انتفاضة وطنية عراقية خالصة .. ايقظت من باذنه صمم ، وعلى بصره غشاوة .. وفي عقله بلادة .
وهذه هي العاهات .. التي تميزت بها الطبقة الفاسدة ، ومن يحميها من ميلشيات ، ومافيات .. و من احزاب وكتل ، وقوائم ، وتيارات ، وتجمعات .. وما تحمله من شعارات ومهاترات .. وجدناها في بداية الانتفاضة .. وقد ضعفت ، و تراجعت ، وارتخت ، بفعل بطولة واصرار المحتجين الاحرار .. فانتهت عناوين الطائفية ، والغيت المناطقية ، وعطلت التبعية / واجبر عاطل عبد المهدي على تقديم استقالته ، وجيء بالكاظمي ، وتم التصويت على قانون جديد للانتخابات ، والاهم من هذا وذاك .. استطاع الثوار كسر حاجز الخوف ، ونزلوا الى الشوارع ، بصدور عارية ، وهيمنوا على الشوارع والساحات التي كانت لحد قريب حكرا على غيرهم ، ونجحوا على جعل قضيتهم ، حالة وطنية .. تبناها الشرفاء في ارجاء العراق والعالم.. وكانت وما زالت قضية رأي عام بامتياز .
ولما كانت .. هذه الانتفاضة المباركة على هذا النحو من الشجاعة الوطنية ، والجرأة القوية ، والعزيمة المتناهية .. لماذا تراجع شعار التغيير الشامل .. وكيف تم اختراق الانتفاضة واحتوائها .. وتشتيتها .. والاخطر من هذا .. السعي بقوة ونذالة وخسة .. لاجهاضها ..؟
دعوني… امشي وسط ساحة التحرير .. لاقرأ عليكم صفحات حزينة من يومياتها … وانا ابصر بعين حزينة .. ايقونة الانتفاضة وقلعة الثوار ( المطعم التركي ) وجدته حزينا صموتا ، مجردا من جميع شواهده المدنية .. لا فتية ينتشرون في طوابقه الشاهقة ، وهم يلوحون بالاعلام العراقية .. ولا يافطات تتدلى على جدرانه العالية ، والتي نقشت عليها مفردات العدالة والتغيير .. لقد غابت صور الشهدا ء ، وحل على ذويهم البلاء .. لا اصوات ناطقة ، ولا مشاعر صامتة .. ولا اثر لتلك الحناجر .. وهي تصدح بالحق ، وتطالب بالتنوير .. لقد تم اغلاق بناية المطعم التركي بالشمع الاخضر ، وحل عليها يومها الاغبر .
واتجول حزينا .. ذات اليمين وذات الشمال .. ابحث عن شيء يفرحني ، عن شعار ، عن صورة عن ( تك تك ) في داخلها شباب منتفضون ، عن اثر .. كنت ارصده قبل عام فقط ، فلم اجد سوى مجموعات متناثرة ، ومتحمسة ، تهتف للانتفاضة والعراق ، و لا ادري لماذا شعرت .. كانهم كانوا من القادمين لمعركة خاسرة .
ياله من عام حزين ، تغير فيه كل شيء، وذبل فيه الحصاد ، وصرنا فرحين بتعديلات قانون الانتخابات ، ونسينا ان التغيير الكامل كان هو .. شعار الاحتجاجات .
المحزن اكثر .. ان الساحة تحولت الى علوة ، والى مطاعم شعبية .. فلافل وسندويشات ولفات وعصائر .. واراگيل ودخان ، وشر مستطير .. حجب الرؤية عن مستقبل التحرير .
امرأة عجوز .. كانت تحمل صورة ولدها وربما حفيدها الشهيد .. كانت تحلم بمرور السيد الكاظمي .. ليبني لها بيتا في المنطقة الخضراء التي .. اغلقت امام من لا يحمل ( باج الحاج ) .
قبل سنة فقط .. كانت التظاهرة تتواصل و تمتد .. من ساحة التحرير الى السنك ، الى ساحتي الطيران والنصر .. واليوم لم تستطع الساحة اشغال نفسها .
كانت الحماسة في اوجها .. والاحتجاجات في عنفوانها ،و اليوم تراجعت ، وخفتت الاصوات في عز الظهيرة ، و تقلصت الشعارات وهي كبيرة .
في ذكرى الانتفاضة .. اتصلت بي نخبة من الفضائيات ، ولبيت الطلب لثلاث منها / الشرقية والجزيرة والحدث العربية .. وخلاصة ما قلت /
ان السيد مصطفى الكاظمي .. لم يمتلك بعد آدوات التغيير .. لان جيشه مبتلى بعناصر الدمج غير المحترفة ، واجهزته الامنية مخترقة ، وهو اليوم غير قادر على ادارة البلاد ، وحماية العباد .
وتحدثت عن ضرورة اعادة تنظيم صفوف الشباب المنتفض ، وطرد العناصر الهزيلة التي اخترقتهم .. و مراجعة نمطية التظاهرت.. وجدوى الاحتجاجات .. وان يغادروا ساحة التحرير .. ويرفعوا ما بقي من خيمهم ، التي ضاعت بين خيم الاحزاب والميلشيات .. وعدم اللجوء الى ساحات واماكن مستقرة .. فكل ما هو ثابت يمكن اختراقه ، وكل ما هو متحرك يصعب استغلاله .. وان لا يركنوا الى وعود الكاظمي .. فالرجل يريد اعادة صياغة سوح الاحتجاجات بالشكل الذي تخدمه .. اما تعاطفه المستمر ، فلم يكن حقيقيا ، وصار شكليا وفق القوانين ، ولو كان صادقا لكشف عن قتلة المتظاهرين .
ان شوارع ، وساحات ، وخيرات العراق ستعود يوما لكم انتم شباب الانتفاضة .. طالما ان ارادة التغيير راسخة في عقولكم.. والعزيمة ساكنة في قلوبكم .