كعادتي أذهب بعد انتهاء عملي مع صديقي المولع بفنون الطبخ والمطاعم الشرقية والغربية لتناول الغداء في اي مكان يقرره فهو GPS المطاعم بالنسبة لي وصادف وصولنا الى احد المطاعم في بغداد مع دخول فريق محلي لكرة القدم قرر ان يتناول غدائه في ذات المطعم ولشدة الزحام على الطاولات لم نجد مكاناً يأوينا فقررنا المغادرة الا ان صاحب المطعم تنبه لحيرتنا وقال لنا تفضلوا لصالة العوائل فهناك طاولات فارغة وكما تعلمون فدخول الشباب الى صالة العوائل يعد نصراً استراتيجياً كونهم محرومين من الدخول الى هذه البقعة الطاهرة في المطاعم والمولات والحدائق العامة ؟!
جلسنا بهدوء حتى لا نثير فضول وريبة من حولنا من (الكبلات ) ولن أصف لكم مشهد العيون وهي تحدق علينا بأستغراب وتتسائل كيف حصلا على تصريح بدخول هذا الحرم المقدس دون أن يكون بصحبتهم عنصر من الجنس اللطيف ،،؟
بعد هذا الفاصل الاستطلاعي اخترنا وجبة الغداء وذهب النادل ليأتي بها واثناء تجوال اعيننا في المكان الذي لن ندخله لولا الصدفة الجميلة لمَحتُ وجود كاميرات مراقبة في زوايا الصالة استغربت لهذا الأمر وتناقشت حولها مع صديقي الذي علل وجودها بالضرورات الأمنية لم تَشف فضولي إجابته وبعد الانتهاء من تناول الطعام ذهبنا لدفع الحساب ودار هذا الحوار بيني وبين صاحب المطعم
انا – حجي ممكن سؤال؟
مدير المطعم – اتفضل ابني ؟
أنا – أكدر اعرف سبب وجود ٣ كاميرات بصالة المطعم ؟
مدير المطعم – أبني هاي اكو هواي شباب (طالعين عن الطريق ) يجيبون صديقاتهم هنا واخاف يسوون شغلات مو زينة بهذا المطعم فنصبت هاي الكاميرات حتى أول ميشوفونهة يحترمون نفسهم وكلشي ميسوون
أنا – حجي بارك الله بيك هاي خوش فكرة ورائدة أكيد مستوردها من دولة مجاورة ..
زين حجي عندك كاميرات خارج المطعم تراقب الشارع خاف واحد ينصب عبوة او يفجرله سيارة او يسرق شي من المارة
مدير المطعم – لا ابني اني ما عندي كاميرات خارج المطعم لأن هذا مو شغلي اكشف العبوات الناسفة قابل اني جيمس بوند
أنا – عجيب عندك ٣ كاميرات تراقب الشباب والبنات وما عندك كاميرا وحدة تراقب الخطر اللي يجيك من برة
مدير المطعم – ابني اسمع زين بالمطعم كاميراتي تراقب وبرة المطعم الله يراقب !!
انتهى الحديث.
هذه العقلية المأزومة والمحكومة بالقدرية السلبية هي من جعلت داعش يقف الأن على الابواب فسيادة ثقافة التنصل وعدم تحمل المسؤولية واللامبالاة على حساب تلاشي ثقافة المسؤولية المشتركة وتحمل الفرد واجبه تجاه المجتمع جعلت من مثل هذا الرجل الطيب لا يبالي بأمنه وأمن زبائنه وعامة الناس بقدر ما يبالي بكونه عضواً في هيئة الأمر بالمعروف او وكيلاً لشرطة الأداب ..
ماهكذا تبنى البلدان يا سادة فحفظ الأمن هو واجب كل فرد فينا لا نستحق عليه شكراً ولا تعظيما كونه واجب تجبرنا عليه مصلحتنا العامة وليس منة نقدمها للمجتمع متى ما تحسن مزاجنا او نحيلها بعجز واستسلامية قدرية الى ثقافة (خليهة على الله وهي تصفى)
الله الذي قال اعملوا وسيروا وأسعوا وأبتغوا ، ببركة هذا الرجل وغيره اليوم نحن نركن جانباً ونطلب منه أن يسعى لنا بدلاً عنا ،
الأمن مسؤولية البشر لا مسؤولية الخالق فنحن عندما نطلب العون من الله عز وجل فأننا بدعائنا نطلب منه الهداية والتوفيق والسداد في قراراتنا وبث الامان في نفوسنا و لا نطلب ان ينزل لنا جيش من السماء يقاتل داعش في الانبار وكوباني او ينزل الله علينا بسرب من طير ابابيل يقصف تجمعاتهم في الرقة والموصل فهذه مسؤولياتنا فالبشر هم خلفاء الله في أرضه والمؤتمنين على امانته وإن القدير اشترط علينا تغيير انفسنا اولاً مقابل ان يُهدينا الى اتخاذ قرارات تمكننا من تغيير حالنا فمساعدة الله مشروطة بتغيير ذواتنا كما في قوله عز وجل (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )[الرعد:١١]
وان تغيير انفسنا يبدأ من مشاركة رجل الأمن بالمعلومات ومشاركة عامل النظافة بعدم رمي الاوساخ و احترام سيادة القانون و تبني ثقافة العيش المشترك ونبذ الخلافات والشقاقات وكافة المظاهر السلبية ..
بعد كل ما تقدم أخشى ان يكون في بلادي الكثير من هذا الرجل والقليل من المخلصين .