قد يكون الناس جميعهم عرضة لهذا التوصيف، وليس العراقيون لوحدهم، والناس في كل الدنيا يتنافسون، ويتحاربون، ويقسو بعضهم على البعض، ويتمنون فناء المجموعات التي تنافسهم وتواجههم في الميدان العسكري، أو السياسي، وحين يحتدم الصراع من أجل النفوذ والموارد والأراضي، وفي ميدان الفكر والسياسة والأدب يعتمل الحقد في النفوس ويشتد ويتحول الى سهام مشبعة بالسموم تخترق القلوب والصدور، ولامنجى منها إلا بالحظ العظيم.
عشت لسنوات قبل أن أفهم لعبة الصحافة والثقافة في العراق، وكنت أنتظر المودة من جميع الصحفيين والمثقفين، ولم ألتفت الى طبيعة الثقافة التي تسود عند غيري من المثقفين والصحفيين، فهم من مذاهب ومدارس مختلفة، ولكل واحد منهم مزاج مختلف عن غيره يريد له أن يكون سبيل من عداه لايحيدون عنه، وكنت أظن أن كل كلمة طيبة وكل تحية ألقيها تمثل جواز مرور وطريق سالكة الى قلوب هولاء حتى إستشعرت منهم الحقد والغيرة والحسد والبغضاء.
وكانت كل كلمة أقولها، وكل مقال عند البعض، وكل ظهور على التلفاز تمثل جميعها مساحة للبعض ليستخدمها بحسب التفسير والتأويل في رمي الشتائم والسباب حتى من قبل بعض النسوان اللاتي يعملن في الصحافة، فهناك إنتماءات حزبية قذرة وثقافات أكثر قذارة مرتبطة بفهم ديني متعصب، وهناك نوع من الإنتماء لمذاهب فكرية مادية يرى معتنقوها إنني بعيد عنهم وأمثل حالة شاذة، وأتباع هذه النظرة عادة مايكونون مثل بعض الحيوانات التي تعيش في جزر منعزلة.
كنت من يومين أنظر التلفزيون، وتابعت تقريرا عن جزيرة وسط المحيط قريبة من سواحل البرازيل، ولاتسمح السلطات بإرتيادها من الناس، وتمنع السكن فيها مطلقا، وحين بحثوا عن السبب وجدوا إنها جزيرة خطرة على الحياة البشرية، ففيها تعيش أصناف من الحيوانات، وتنمو فيها أشجار باسقة، وتسقط فيها أمطار غزيرة، لكن الأخطر هو وجود نوع من الأفاعي شديدة السمية ويتوقع أن يكون عدد الثعابين فيها أربعة آلاف ثعبان تستطيع الصمود لعدة أشهر بلاطعام، لكنها تتربص بالعصافير والطيور العابرة للجزيرة، وفرصة العيش بالنسبة للبشر تكاد تكون معدومة.
ياإلهي، معظم المثقفين في العراقيين يعيشون في هذه الجزيرة، وتحتوي أجسادهم على نسبة عالية من السموم.