العراق, ومن خلال موقعه التاريخي والجغرافي, كان ولا زال مفصل مهم وعلى كل الأصعدة: السياسية, الاقتصادية- ما يحويه هذا البلد من خيرات- وكذلك الدينية, وما يملكه من عمق ديني وفكري.
والشيء الذي لم يتم التركيز عليه في هذه التوصيفات؛ هو احتوائه على ثروة بشرية تتميز بذكاء عالي, وقابلية على التأقلم مع الظروف, وتوظيفها بشكل يحقق لها التطور.
وكلنا يعلم أن الثروة البشرية لأي بلد من البلدان, ترتكز وبشكل أساس على ما تملكه من فئة الشباب, وما يمكن لهذا البلد أيضا من تقديمه لهذه الفئة, من حوافز وإمكانات, يستطيع الشاب أن ينهض من خلالها, كأحد عوامل التطور.
وعلى الرغم مما يملكه العراق من ميزانية, توصف كل عام بالانفجارية؛ إلا أننا ومع الأسف, نشهد أن القائمين على السلطة في هذا البلد, قد أداروا ظهورهم بشكل كامل عن هذه الفئة, والتي تمثل البترول البشري, الذي يمكن من خلالهم النهوض بأي بلد.
نحن لا نعاني في هذا البلد من قلة العقول الكفوءة, التي تستطيع أن تعدل مسارات العمل الإداري فيه؛ ولكن مشكلتنا هو أن هذا البلد ابتلي دوما, بأناس يحكمونه من منطلق, أنهم المالكون دوما لمفاتيح الحلول السحرية؛ او على الأقل يحاولون دائما تصدير أنفسهم بأنهم, ماداموا متربعين على كرسي السلطة, فإن الحلول يجب ان تصدر منهم دوما, لأنهم (الأعلم) بالمصلحة العامة!
مبادرة رائعة , تضع العراق في أولى خطوات سلوك الرقي والتطور؛ المنحة المالية للطلبة, والتي كانت كمشروع أو أفكار, تم تنضيجها من قبل تيار شهيد المحراب, عِبرَ قيادته الحكيمة المتمثلة بالحكيم الشاب.
هذا الرجل يريد دوما أن يبين أن رجل السياسة, حتى وإن كان خارج السلطة, حتى وإن كان يملك عدد مقاعد قليلة في البرلمان, حتى وإن كان لا يملك ممثلين له من الوزراء؛ يستطيع أن يخدم بلده ومن موقعه. مبادرة السيد الحكيم بتخصيص رواتب للفئة الشابة من طلبة المدارس والكليات, إنما جاءت كخطوة تمهد عقلية الشاب ومنذ طفولته, لتتقبل فكرة حب الوطن, أراد الحكيم من خلالها أن يبين أن التربية السياسية الصحيحة للمواطن يجب أن تبدأ منذ الصغر.
هذا ما نفتقده وبكل صراحة في بلدنا؛ نفتقر للتربية السياسية الصحيحة, التي تربي في أجيالنا حبا للوطن, يوازي حب العشيرة أو المحافظة, أو الأهل والأقربون. منحة الطلبة ورواتبهم, ستخلق نوعا من العرى الوثيقة, التي ستكون كعامل جذب وثقة, ما بين الدولة وأجهزتها التعليمية, وما بين العائلة العراقية؛ التي تعودت وعلى مدى التأريخ في العراق, أن تكون على تقاطع, مع كل ما يمت للروح الوطنية من صلة؛ والسبب معروف, والمشكلة مشخصة؛ إنها السلطة المتسلطة على كل شيء.
نعم, ما أراده العراقيين دوما وما افتقدوا له, هو شخصية سياسية تحمل في أدبياتها مشروع بناء الوطن, وقبله بناء المواطن..
قد تكون نتاجات الحكيم عمار هي مجرد مبادرات, حبر على ورق, كما يحلو للبعض أن يسميها؛ ولكنها حبر تحول الى مادة حارقة (تيزاب), نزلت في عيون السلطويين من سراق العراق الجدد؛ وجعلتهم في مواجهة مباشرة مع شعوبهم, بعد أن تكاثرت هذه المبادرات من سماحته, وتحولت إلى هزة وجدانية قوية, في وجدان المنظومة الحقوقية التي جمدها المواطن العراقي. ننتظر من كلا الطرفين, زيادة المبادرات والتفاعل معها, وهؤلاء الطرفان: عمار الحكيم, كنموذج للسياسي الشريف, الذي ينظر الى حقوق أبناء بلده. والمواطن العراقي, كنموذج للفرد المغيب من كل المنظومة الحقوقية التي يمتلكها.