همسات ليلية ​(أستاذ حائر بين الواقع والحلم )

همسات ليلية ​(أستاذ حائر بين الواقع والحلم )

حدثني زميل لي؛ عن ما قام به في ليلة ربيعية، بالقول :

     بعد عودتي الى بيت أهلي في إحدى الليالي الربيعية، وبحدودالساعة العاشرة مساءاً، حيث كنت متعباً مرهقاً ومريضاً ( دوخة رأس) بسبب زخم العمل خلال ذلك اليوم، تفاجأت بجدول المراقبة الامتحانية المعد من أحد أساتذتي في الكلية ضمن بريد رسائل هاتفي المحمول المبلغ لي ضمن مجموعة أو ما يسمى ( كروب )،والمعد لليوم التالي ( تضايقت نوعاً ماكوني أعمل استاذاً في إحدى الكليات الأهلية التي أعتز بها، وأقدر من يعمل فيها منأساتذة وطلبة وموظفين، فتعاطيت حبوباً مسكنة لتهدئة ألام رأسي، وهي حبوب (برستول) المشاعة لدينا طبعاً لا غيرها، ربما تذهب أفكاركم لغير ذلك المهدئ (لا والله لا أتعاطى، فأنا مؤمن ومصلي وأخاف الله كثيراً) .

     وبعد دقائق من الاستلقاء على سرير نومي، وجدت نفسي منتعشاً ومرتاحاً نوعا ما، فقلت لنفسي: لماذا لا أبدأ بمهاجمة أستاذي الذي كلفني بواجب المراقبة الإضافي من باب المزاح والمجاملة لأعرف ردة فعله، فكتبت تعليقاً في مجموعة كليتي بسبب (الضوجة والوحدة) فيه نوعاً من العتب لأستاذي ممن أقدره لأفضفض عما في داخلي، شكوته الى الحضور في الكروب، بسبب التكليفات والواجبات الكثيرة الملقاة على عاتقي في كليات الجامعة المختلفة سواءً في التدريس، أو ما بين الورش والنشاطات اللاصفية والواجبات الأخرى كما في التكليفات: ( روح تعال أصعد انزل، وهكذا الأوامر الديكتاتورية ، ولا أجيب أنا سوىبكلمات نعم يا باشا ، تأمر يا بيه). لكنني رضيت بما يأمرني به، ولكن في قلبي، أردد قوله تعالى: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا) صدق الله العظيم.

     يضاف الى ذلك، عملي الخاص بعد دوام الكلية، بصفتي محام ولدي مكتب ووكلاء مكلف بإنجاز أعمالهم مع زملائي في المكتب، كون راتبي الذي أتقاضاه في كليتي لا يكفيني لبضعة أيام أماممصاريفي المختلفة من خدمات سيارتي وتعبئة هاتفي المحمولبالرصيد اليومي…..الخ، وغسل وكوي ملابسي كل يوم لكي أظهر بالمظهر اللائق، وخاصة أمام حسناوات المجتمع، وكذلك مصاريف دعوات أصدقائي وصديقا…..! ، وفوق هذا كله، فأنا غير متزوج ، يعني عايش على التوصيل ( الدلفري)، وأخدم نفسيبنفسي، طبقاً لمقولة ( أخدم نفسك بنفسك).

        لقد فكرت في تعليقي؛ بأنه سيواجه بالرد العنيف من قبل أستاذي، لكنني، انتظرت ساعة وأخرى، وساعات، وحتى صباحاليوم الثاني، ولم أجد رداً على تعليقي، تيقنت بعدها في قرارات نفسي، أن الاستاذ الحكيم والمعاتب من قبلي؛ أكبر من أن يرد على تعليقي، حتى ولو بتغريده أو كلمة واحدة، لقد تفهمني أنا المجنون ليلاُ والعاقل نهاراً، فقدر حالي وظرفي ووحدتي، والتزم الصمترغم ثقافته التي يحملها، لقد عرفت في تحليلي لشخصيته،  كيف يرد على من يشكو له ليلاً ؟ ففي سكوته ، كان الرد؛ لقد دفعني التفكير بهذا السكوت ألف ألف مرة ، لكي أمسح منشوري طوعاًواحتراماً وهكذا هي أخلاقي .

        فعذراً ؛ مما كتبت في كروب كليتي لأحد زملائي الأعزاء علي قلبي، لبعض كلمات العتب حول زخم العمل المكلف به، ولم أقصد بكلامي شيئاً آخر، عدا عتب الأخ لأخيه والإبن لأبيه.

      وفي صباح اليوم الثاني؛  ذهبت لمن عاتبته ليلاً، ليقابلني،بضحكة وإبتسامة من رجل في الستينيات من العمر، ويدعوني الى (قهوة الحموي) في مكتبه الصباحي، ومسحت منشوري غير المقصود من موقع كروب كليتي حباً وإحتراماً .

    وقال لي يا أبا الحسين: هل تعاطيت شيئاً ليلة أمس، تتخللهاضحكة بريئة بصوت خافت ؟ فأجبته : كان تعليقي للمزحة والمجاملة،تطبيقاً للمثل الشعبي (من حبك لا شاك) لأرى ردة فعلك، لكنك التزمت الصمت، وهو أفضل الإجابة عند الحكماء.

   ثم أردف القول ضاحكاً كونه يحبني ويقدرني وابن مدينتي –حتى أنت يا بروتس ؟ كما عرفناها في مسرحية وليم شكسبير:يوليوس قيصر. والحمد لله، عادت المياه الى مجاريها مع أحبائي واصدقائي.

      لذلك، في بعض الأحيان؛ يصاب بعض الشباب بالسهو والنسيان، وتنعكس آثارهما السلبية على تصرفاتهما الشخصية،وكأنهم مصابون بمرض الزهايمر؛ حتى ولو كانا شباباً، وهذا له أسباب عدة، منها، وأهمها، وبالنسبة لي شخصياً: كونني لم أجد اليد الحنونة التي توفر لي أوقاتاً للهدوء والسكينة والطمأنينة في مجرى حياتي، لأن قطار عمري يسير بسرعة…! ، وانا أبحث منذ سنين عن ( ليلى) .

ولكن (ليس كل ليلى إلا ليلى التي هي في بالي وكما وصفها الشاعر إمريء القيس في قصيدته المعروفة:            ( تعلق قلبي)التي تغنى بها العشرات من مطربي الفن الرفيع:

لَهَا مُقلَةٌ لَو أَنَّهَا نَظَرَت               إِلى رَاهِبٍ قَد صَامَ لِلّهِ وابتَهَل

   لَأَصبَحَ مَفتُوناً مُعَنَّى بِحُبِّهَ               كأَن لَم يَصُم لِلّهِ يَوماً ولَم يُصَل

حجازية العينين مكية الحشا                عراقية الأطراف رومية الكفل

تهامية الأبدان عبسية اللمى             خزاعية الأسنان درية القبل

     ولستكمل ليلتي قبل النوم، فتجدني، وأنا أرقد في سرير فراشي، مشتت الأفكار في قراراتي، أيهما أختار من حفيدات سيدتنا حوراء(ع) لتشاركني ما تبقى في حياتي، وأنا أقترب من الأربعين عاماً ؟ بين التقدمية أوالرجعية، بين السافرة أوالمحجبة،بين السمراء أو والبيضاء، بين الموظفة أو وربة البيت، أو بينالبغدادية أو من ربوع مدننا الأخرى، وأهمها…! متقلب بين الفقيرة أو متوسطة الحال، أم صاحبة (التاهو) والتي تغريني كل يوم كلما أراها، ولكن!، كونني اتعامل من أمثالها بحكم عملي اليومي.

  وللأسف لم أقرر ما لمستقبلي افوض أمري الى الله علماً اننيليس صاحب القرار الأوحد في حياتي، فالأهل شركاء فيه، وأهمهم والدتي (حفظها الله ورعاها)، ولكنني مومناً بالقسمة والنصيب وفقاً لأقوالنا الشعبية في حالة( فاتك القطار) كيف تتصرف؟ ولكنني سوف استقل بالطائرة وأترك القطار ومن فيه.

       وأخيراً ؛ يبقى قلبي أبيضاً ناصعاً مثل وجهي، كما أكرمني الله سبحانه تعالى به ، رغم إنني رجلاً، ولكن الله جميلاً ويحب الجمال، وأقول الحمد لله على كل شيء ، والله لا أحمل الضغينةلغيري، رغم انني لم اجد ملجأً أو غاراً اخلو فيه مع ليلى المجهولة …! وهكذا أختم همساتي الليلية.

ولكن لاأنسى أبداً مقولته عند مغادرتي مكتبه التي ذكرتها في مطلع مقالتي للكاتب وليم شكسيبر؛

حتى انت يابروتس ؟ لإن لها ألف معنى !

  واختم أمسيتي بقوله تعالى (ربنا لا تؤخذنا إن أخطانا أو نسينا). صدق الله العظيم.     

أحدث المقالات

أحدث المقالات