الإنتخابات بحاجة إلى بشرٍ واعٍ يمتلك رؤية وطنية وقدرة على تقييم الأمور وتقدير السلوك , ووعي الأجندات الإنتخابية بعلمية وعقلانية وإدراك لما يضره وينفعه.
وفي مجتمعات “هزي تمر يا نخلة” , من المغالطة الكلام عن “إنتخابات” , بل يمكن القول “إنتحابات” من النحيب والبكاء واللطم , و “إنتهابات” من النهب والسرقات , و “إنتهاكات” من الإنتهاك للحقوق والحرمات , وسحق رأس القانون بأقدام الفاسدين والمتكتلين في تحالفات إنتهكية فادحة , و “إرتعابات” من الرعب الذي إنطلقت شرارته في ساحة الطيران.
فقل سأنتحب , أو سأنسحب , ولا فرق ما بين الحالتين , لأن الإنتحاب هو الذي سيسود , ما دام البشر بلا إرادة واعية وقدرة مؤثرة في التغيير وصناعة الحاضر والمستقبل , لأنه مرهون بالمخاوف ومأسور بالحاجات الأساسية ومكبل بالحرمان من الكهرباء وأبسط حقوق البشر.
وآليات الإنتحاب المعمول بها منذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم واضحة ومعروفة ومكشوفة , ولديها أساطينها وماكئتها الإعلامية , ولهذا فأنها لن تقدم شيئا جديدا وإنما سترسخ ما هو قائم وعائم , وستمنحه جواز فساد وإمعان بذات الآليات التدميرية للبلد.
والسبب العجيب أن الإنتخابات لا تتم بالتصويت على الأسماء والمشاريع والأجندات الوطنية وإنما على كتل وأحزاب وفئات , وهذا سلوك خطير لا يمكن وصفه بالسلوك الإنتخابي , ذلك أن المطلوب أن يتم التصويت على شخص بإسمه وتأريخه وما يريد تقديمه للناس , لكي يكون محكوما بوعوده ومنطلقاته الإنتخابية التي إن لم ينفذها فأنه سيسقط حتما ويتعرى أمام الناخبين.
أما الذهاب إلى صناديق الإقتراع للتصويت على كتل وفئات ومسميات أخرى , فهذا يعني أن الممارسة لا يمكن وصفها بالإنتخاب وإنما بالإنتحاب والإنتهاب , لأن الناخب لا يعرف لمن يصوت , فلا يوجد مَن يقدم مشروعا ولا مَن يشارك في رؤية أو هدف مرسوم , وإنما هي هرولة خلف “شعيط ومعيط…” ولا يُعرف ما سيأتي به الخيط!!
فهل لدينا القدرة على خوض إنتخابات مشرّفة معاصرة تستند على الكفاءة والمشروع الوطني , الذي يقدمه المرشح الواضح بتأريخه وما أنجزه في مسيرته , لكي تتحقق الشفافية ويخرج الوطن من حفرة التكتلات والفئويات والتفاعلات التخريبية السلبية , العاصفة في أرجائه الخالية من أي مشروع إنمائي وعمراني؟!!!
تُرى هل سننتخب أم سننتحب؟!!