برغم وجود الدستور العراقي كعقد اجتماعي لادارة دفة البلاد وحل وحسم المشاكل والخلافات بين القوى السياسية العراقية والمكونات ، الا ان هذا الدستور الذي صوت عليه اكثر من 70% من ابناء الشعب العراقي بنعم ، لم يكن باستطاعته حل المشاكل والقضايا الجوهرية التي كانت وماتزال الاسباب الحقيقية وراء الدمار الذي لحق في العراق في الماضي والحاضر ودفع الشعب العراقي بجميع مكوناته ثمنا باهظا بالارواح والاموال، نتيجة هيمنة عقلية اما متخلفة او عنصرية تسعى للانفراد بالسلطة والسيطرة على مقدرات البلاد وتهميش الاخرين وابعادهم خارج دائرة مفهوم الوطن والمواطنة.
نتيجة لوجود تلك العقليات المتصدئة المبنية على الثقافة المتخلفة التي تعتاش على التناحر والتقاتل والازمات بقي الدستور العراقي حبراً على ورق لتجميل وتزيين وجه منظومة الحكم في العراق وبقي جوهر العقل العنصري المشحون بالحقد والكراهية كما هو ، ما ادى الى تدمير ماتبقى من البنى التحتية والامكانيات الاقتصادية والطاقات البشرية من النظام المباد لديمومة الحياة في العراق ، ولذلك لم يكن باستطاعة النظام الجديد في العراق برغم اختلافه الايديلوجي والفكري مع النظام المباد بوضع حلول جذرية وحقيقية للقضايا الجوهرية.
القضية الكوردية في العراق ، هي من القضايا التي راوحت مكانها منذ التغيير في 2003 وذلك بسبب سياسة التسويف والمماطلة التي اتبعتها حكومة المالكي في تنفيذ المادة 140 من الدستور الذي وضع حلا مناسبا للمناطق الكوردستانية خارج الاقليم وبالاخص كركوك و عدم المصادقة على قانون النفط والغاز من قبل البرلمان الاتحادي الذي ينظم كيفية التعامل مع ثروات النفط والغاز بين الاقاليم والمركز، والاهم عدم تحرر العقلية العنصرية الشوفينية من القيود الفكرية الضالة التي اصابتها ازاء حل القضية الكوردية.
كل هذا تسبب بانحسار الشراكة الكوردية مع بغداد والوصول الى حالة من اليأس بعدم جدوى استمرار اسهام الكورد في العملية السياسية ، ما اضطر القيادة الكوردية الى البحث عن حل آخر يمكنه معالجة الاوضاع الاقتصادية0 وذلك بتصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي للحصول على ايرادات لتأمين حياة مواطنيها الذين قطعت رواتبهم وقوتهم من قبل الحكومة المركزية ، فضلا على التخطيط لاستفتاء على حق تقرير المصير لوضع حد للمشاكل والخلافات والازمات مع بغداد.
خلال الاجتماعات الاخيرة بين الحزبين الرئيسين وبعض القوى السياسية الكوردستانية الاخرى تم الاتفاق بشكل واضح وصريح على اجراء الاستفتاء خلال العام الجاري ، ولكن لحد الان لم تستكمل تفاصيل العملية وتشعباتها ، على سبيل المثال ينبغي ان تشمل العملية جميع ابناء الشعب الكوردي في اقليم كوردستان بمن فيهم ابناء المناطق المشمولة بالمادة 140 والمغتربين من ابناء الجالية الكوردية في جميع انحاء العالم وكذلك الكورد القاطنين في بغداد ومناطق الوسط والجنوب من العراق ، ولكن مايخشاه الكورد الفيليون بالذات في مناطق بغداد ومحافظات الوسط والجنوب ان يتم تهميشهم وعدم اشراكهم في عملية الاستفتاء ولحد الان ليست هناك آلية واضحة لاجراء مسوحات سكانية للشعب الكوردي في العراق ، في الوقت الذي لم يتبق سوى اشهر قليلة لموعد الاستفتاء ، الكورد الفيليون بأنتظار جواب على مايدور في مخيلتهم ، هل هم مشمولون بالاستفتاء او انهم سيستثنون من هذا الاستحقاق الوطني والقومي الذي طالما قدموا تضحيات جساماً من اجله؟