الشعر الحقيقي يأكل صاحبه , فيأخذ من صحة الشاعر , خصوصا عندما يحترق في مواقد مشاعر وأحاسيس كل قصيدة يكتبها , كما حصل لأبي تمام الذي مات مبكرا.
وكان نزار قباني يقول ما معناه , إن كتابة الشعر تصيب القلب بالمرض.
والشعراء الذين تتأجج مشاعرهم , ويطبخون عباراتهم فوق جمرات عواطفهم وإنفعالاتهم , قد يُصابون بأمراض لها علاقة بالقلب , لإرهاقهم لطاقاته وقدراته حتى يتداعى فيخونهم.
فصحة الشاعر ربما تتناسب عكسيا مع طاقاته التعبيرية الشعرية , فالكتابة بمداد المشاعر والعواطف لها ثمن كبير , يدفعه الشاعر من صحته الجسمية والنفسية والعقلية.
فبعض الشعراء الذين أعرفهم ماتوا مبكرا , وقاتِلهم شعرُهم , المشحون بأعاصير عاطفية , وزوابع إنفعالية مسبوكة في كلمات!!
كان لي زميل صديق يكتب الشعر بمداد روحه , ويضخه بعواطف حارقة , وكان يسمي الحالة الإنفعالية التي تنتابه بمخاض القصيدة , لكنه مات مبكرا , إذ أصابه السكر وطغى عليه بمضاعفاته.
ويبدو أن الشعر المتحرر من البحور أكثر قتلا من الشعر المنظوم وفقا للعروض , ذلك أن الشعر المسمى حرا , بحاجة إلى طاقة أكبر لضم العبارات والكلمات في منظومة مطبوخة بالعواطف والمشاعر والأحاسيس , وذات سباكة مبتكرة الإيقاع.
الشعر المنظوم واضح المعالم , وإن قلّت فيه المشاعر والأحاسيس , فهو يمضي على سكة معلومة , تتداخل فيها المعاني والأفكار والمشاعر بنسب متفاوتة , وكل قصيدة تتباين فيها المحاور التعبيرية , وبعضها يكون جافا , والآخر نديا , ولا يوجد شاعر يكتب شعرا في كل قصيدة , وربما بعد عدة قصائد , يكتب قصيدة ذات شاعرية واضحة , وهذا جلي في دواوين الشعراء المعروفين , فليس كل ما فيها شعر , بل بعض القصائد التي تمثل الشعر!!
ويبدو أن النظم يسود دواوين الشعراء الذين عمّروا , وما أصابتهم الأمراض الوخيمة , أما الذين يحاولون كتابة الشعر في كل قصيدة فأن أعمارهم قصيرة!!
فهل أن الشعراء الحقيقيون يموتون مبكرا؟!!