ـ قال علي بن أبي طالب” قصم ظهري عالمُ متهتك، وجاهل متنسك؛ فالجاهل يغش الناس، والعالم يغريهم بتهتك”. ( إحياء علوم الدين للغزالي).
تصور نفسك وأنت تقرأ الصحيفة اليومية التي أعتدت قراءتها، وذهبت فضولا الى حقل وظائف شاغرة، ووجدت فيها وظيفة (وزير) شاغر دون تحديد الإختصاص المطلوب، ويطلب منك تقديم الطلب عبر الأنترنيت!
كيف ستكون ردة فعلك تجاه هذه المسألة الغريبة؟
ستتأكد باديء ذي بدء من تأريخ اليوم، لعله الأول من نيسان، حيث من المعتاد أن يسمع الناس كذبة كبيرة يستمتعون بها ويتحدثون بها طويلا كطرفة سنوية، وهي مناسبة عالمية لا تقتصر على قوم ودولة ما. وأن تأكدت بأنه ليس شهر نيسان ستعتقد ان المسألة أما مزحة من الصحيفة أم هناك سهوا من قبل محرر عمود الوظائف، إذ من المألوف ان تجد وظيفة بدرجة مهندس او عامل أو حرفي فهو أمر طبيعي، أما وظيفة وزير شاغرة، فهذا أمر لم يحدث في تأريخ الوزارات في العالم كله وليس العراق فحسب.
وربما تقرأ في عمود طلبات الزواج ” شاب مسلم يبلغ من العمر (30) سنة، رشيق القوام، خريج كلية العلوم، عاطل حاليا، لكنه قدم طلبا عبر الأنترنيت لإشغال منصب وزير في حكومة عادل عبد المهدي، يرغب بالزواج من فتاة مسلمة لا تتجاوز (20) سنة تقدس الحياة الزوجية، خريجة كلية على ان لا تكون مرشحة لمنصب وزير عبر الانترنيت في حكومة عبد المهدي لتقليل المنافسة”.
في أوربا عندما يعلن في الصحف عن وظيفة شاغرة، يقوم العديد من المواطنين بتقديم طلباتهم عبر الأنترنيت، وتذهب جميع أو معظم الطلبات على الفور الى سلة المهملات، وقلما تجد جوابا من جهة التوظيف حول طلبك اللهم إلا ما ندر، عندما سألنا جهة التظيف أجابوا من الأفضل ان تحمل سيرتك الذاتية وتقدمها بنفسك، لأن جهة التوظيف سيما في القطاع الخاص لا تكتفي بما هو مكتوب، فالشكل والملبس واللياقة وطريقة الكلام وطبيعة التصرف لا يمكن معرفتها من خلال السيرة الذاتية التي تتضمن عادة الإيجابيات فقط، ومن يعيش في الغرب يعرف هذا الأمر جيد، وهذا غالبا ما يجري قبل المقابلة.
سوف نناقش مسألة فتح باب الوزارات أما العراقيين عامة من قبل رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي، وهو فرنسي الجنسية، كان من كوادر حزب البعث ومن عناصر الحرس القومي الفاعلين، وله مواقف غير مشرفة خلال عمله، ومن ثم إنتقل الى الحزب الشيوعي (الماوي)، وصار من كوادر الحزب، من ثم إنتقل الى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وسافر الى ايران وتعاون مع محمد باقر الحكيم ضد حزب البعث، ومع الغزو جاء الى العراق تاركا عائلته في فرنسا ليتقاسم الكعكة، وكانت مخصصاته كما أعلن بنفسه (11) مليون دولار سنويا علاوة على راتبه ومميزات المنصب.
غالبا ما يدعي البعض أن عادل عبد المهدي مرشح المرجعية وان لم تعلن، لكن الأخبار المتسربة عن هذا الترشيح لم تنكره المرجعية مما يعني فعلا إنها من رشحته، كما ان ترشيح الصدر لعبد المهدي لا يمكن ان يتم بمعزل عن موافقة المرجعية التي لا يخلو الصدر من الإشادة بها دائما والرجوع الى أمرها في كل شاردة وواردة.
لكن السؤال المهم: هل المراجع عراقيون ويحق لهم ان يقرروا مصير العراق؟ وهل المرجعية تمثل جميع العراقيين بمعنى إنها تمثل أهل السنة والأكراد عموما والمسيحيين والصائية والأيزيدية وغيرهم؟
وبشكل أكثر حصرا هل المرجعية تمثل شيعة العراق كلهم؟
الجواب: بالتأكيد كلا! هناك من الشيعة من يقلد الخامنئي والصخري واليعقوبي والحائري وسعيد الحكيم وغيرهم، ومن الشيعة علمانيين ولا علاقة لهم بالمرجعية لا عن قريب ولا عن بعيد.
وهنا تُطرح الأسئلة الآتية:
لماذا يذهب العراقيون الى صناديق الإقتراع طالما ان المرجعية ترشح رئيس مجلس الوزراء؟ وأين الدستور من كل هذا الالاعيب المكشوفة؟
اين الديمقراطية في العملية الإنتخابية وكيف تبخرت الكتلة الأكبر من المشهد السياسي؟ هل كانت الإنتخابات مزحة أم ضحك على الذقون؟ أليس هذا إلتفاف على الدستور الذي يدعي الجميع إحترامه والإلتزام بنصوصه والتوقيتات الدستورية؟
الم تقل المرجعية المجرب لا يجرب. هل برهم صالح والحلبوسي وعادل عبد المهدي لم يجربوا؟ إذن كيف ترشح المرجعية او على أقل تقدير تدعم من يخالف قاعدتها في المجرب لا يجرب؟ هل هو تنصل عن الوفاء بإلتزامها، أم أن ما يجري في دهاليز النجف غير ما هو معلن.
هل المرجعية فعلا تعارض عقيدة ولاية الفقيه؟ الواقع يقول خلاف ذلك. فهي ترفضها قولا وتمارسها فعلا، فلا يوجد شأن سياسي او إقتصادي دون أن تتدخل فيه المرجعية. بل تحولت المرجعية من دينية الى دنيوية، وصار براني السيستاني أهم من قاعة البرلمان.
ثم ما هو برنامج الحكومة القادمة لكي تدعم المرجعية عادل عبد المهدي؟ هل يجوز ان يدعم اي رئيس وزراء دون التعرف على برنامجه الحكومي؟ أم هو ضرب بالتخت؟
وزراء الأنترنيت
هناك الكثير من علامات الإستفهام بشأن فتح ابواب الوزارات أمام من يجد في نفسه الكفاءة لإشغالها منها:
هل يجوز إختيار وزراء عبر الأنترنيت؟ لنركل الدستور جانبا كما يفعل السياسيون ونقول: هذا الأمر لم يحصل في اية دولة في العالم. إذ كيف يعمل رئيس مجلس الوزراء مع مرشحين لوزارته دون التعرف عليهم، هل قرص أو ورقة (CV) كافية لتولي الوزارة. ومن الذي سيدعم وزراء الأنترنيت في البرلمان عند التصويت عليهم، لو صدقنا ان العملية ليست دعاية إعلامية تافهة؟
لو افترضا ان (100000) ألف قدموا لشغل الورازات عبر الأنترنيت خلال ثلاثة أيام كما هو محدد، علن إعتبار انه تقدم (36006) متقدم لإشغال الوزارات يوم الثلاثاء فقط المصادف 9/10/2018 وكانت نسبة النساء 15% من مجموع المتقدمين.
من سيقابلهم هذا الحشد الهائل؟ ومن الذي سيقرر صلاحية المتقدمين من حيث الخبرة والكفاءة؟ وكيفية التحقق من الشهادة العلمية سواء كانت صادرة من داخل العراق أو خارجه؟ وما هي المدة التي تستلزمها؟
ثم هل تكفي المدة المتبيقة حوالي 20 يوما لتقديم عبد المهدي حقيبته الوزارية لإختيار المرشحين عبر الأنترنيت.
هل ستُعرض أسماء المرشحين على هيئة العدالة والمساءلة كما يفترض؟ وكم هي المدة التي ستستغرقها الهيئة لتقديم النتائج النهائية؟
كيف يمكن تمييز المرشحين من الأحزاب عن المستقلين؟ ربما الأحزاب سترشح من اعضائها عبر الأنترنين دون الإعلان على ولائهم الحزبي. هذا الأمر يصدق على التيار الصدري الذي رفض المشاركة في الوزارة القادمة وتنازل عنها لعيون عبد المهدي.
ربما هي طريقة ذكية للغاية لإختيار مرشحين من التيار الصدري دون الإعلان على إنتسابهم للتيار الصدري. فإن نجح عبد المهدي في عمله سيكون ذلك نصرا للصدر على إعتبار انه من رشح عبد المهدي وأعطاه الحرية في إختيار كابينته الوزارية. وان فشل عبد المهدي سيتحجج الصدر بالقول ليس عندي وزراء في الحكومة وعليه فلا اتحمل هذا الإخفاق.
من جهة أخرى إذا كان الصدر يتبنى برنامجا اصلاحيا كما يدعي، فكيف سيُنفذ هذا البرنامج الإصلاحي؟ اليس من الأجدى ان ينفذ الوزراء الصدريون برنامجه الاصلاحي بدلا من ان يوكلوه لغيرهم من الوزراء المستقلين؟
وكيف سيضمن الصدر ان الوزراء المستقلين سينفذون برنامجه الاصلاحي؟
وهل يمكن تحديد صلاحية المرشح للوزارة عبر الأنترنيت لشغل الوزارة؟
الجواب: بالطبع كلا! ربما يكون وزراء الأنترنيت أصحاب شهادات عليا مثل الوزراء الحاليين في حكومة العبادي، لكنهم لا يصلحوا لتبوأ إدارة حظيرة خنازير وليس مناصب وزارية فحسب. الوزير كما يفترض، يجب ان يكون تكنوقراطيا في وزارته خبير في إختصاص الوزارة من جهة، وسياسيا في مجلس الوزراء من جهة أخرى لأنه سيساهم في وضع إستراتيجية البلد، ولا ينفع الفصل بين هاتين الصفتين، فكل منهما يكمل الأخرى.
يبدو ان مسرحية وزراء الإنترنيت قد كشفت في لقاء مع حيدر الملا النائب السابق وعضو تحالف الإصلاح، فقد ذكر ان عبد المهدي حدد عدد الوزارات وهي (22) وزارة، موزعة كتاتالي:
3 حقائب لوزراء كرد
3 وزراء يحددهم عبد المهدي بنفسه.
8 حقائب وزارية لتحالف البناء.
8 حقائب لتحالف الإصلاح.
لذا سيكون مصير أضابير مرشحي وزارات الأنترنيت كمصير أضابير تعيينات العبادي لمتظاهري البصرة، مكب النفايات هو العامل الفاعل الرئيس في هذه التعيينات. وهذه أول عقدة في أزمة الثقة بين رئيس الوزراء القادم والشعب العراقي، والأيام القادمة شواهد.