الجيش العراقي الحالي غير موحد وقراراته مشتتة يقف مع النظام السياسي ولا يستطيع القيام بانقلاب عسكري
جنود عراقيون ينفذون أوامر الحكومة في مواجهة المحتجين بذخيرة حية
مع دخول الحراك الشعبي العراقي شهره الثاني، لا توجد مؤشرات في الأفق تدل على حل أو محاولة جادة لحل للأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد. وفي وقت بلغت الأزمة، إثر الاحتجاجات الشعبية ذروتها، باتت البلاد أمام طريق مسدود مع تمسّك قادة الأحزاب والتيارات بمكاسبهم المالية والسياسية ورفضهم لأي تنازل، بحسب خبراء ومسؤولين.
وعلى ضوء تمسك النخبة الحاكمة بموقفها وعدم تحركها نحو حل واقعي يرضي الشارع ويعيد المياه إلى مجاريها، جاء خرق قراصنة لموقع جهاز مكافحة الإرهاب مؤخرا وما تبعه من حديث عن وجود تحرك لصالح المحتجين، وبروز فكرة الانقلاب العسكري وكأنها الحل لإنهاء الأوضاع الحالية ووضع البلاد على سكة جديدة تؤدي إلى تغيير جذري يحلم به المواطن العادي.
فكرة تحرك العسكر ليست ببعيدة عن الحراك الشعبي الحالي، فبدايات الاحتجاجات جاءت على خلفية حدث عسكري تمثل في تغيير قائد جهاز مكافحة الإرهاب المعروف بمواقفه أثناء معارك تحرير الموصل من قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي واستبداله بشخص آخر في عملية تشبه المؤامرة، كما يقول بعض المطلعين على تفاصيل الأمور.
نعم، الغالبية الغالبة من العراقيين يعتبرون انقلاب عسكري يحدث الآن في العراق كيوم عيد.
لأن العراق محكوم من ملشيات عسكرية متعددة تمسك بكل شئ، و افسدت كل شئ، فأي انقلاب عسكري يعتبر تحول كبير جداً لبناء دولة حقيقية.
ولكن هل يمكن أن يحدث انقلاب في العراق؟ ومن المرجح أن يقود حركة من هذا القبيل؟ وهل يمكن أن يكتب النجاح للمحاولة الانقلابية؟
أن فكرة الانقلاب لم تغادر أذهان العراقيين الذين عانوا كثيرا من سوء إدارة الحكومات ما بعد 2003، حيث يحلمون أن تظهر قوة عسكرية لتغيير الواقع، على الأقل لأن الواقع السياسي لا يمكن تغييره عن طريق الانتخابات أو عن طريق التظاهرات وذلك نظرا لحجم الفساد المستشري”.
و أن هناك همسا كثيرا في أروقة العسكريين عن هذه المحاولات، لكنها تبقى مجرد أفكار نظرية، ترجمتها إلى الواقع على الأرض صعبة و”نحن نعلم أنه بعد 2003 هناك وجود أمريكي، من خلال الجيش الأمريكي، لا يمكن تجاهله ولا يمكن لأي قوى أن تعمل إلا خلال القواعد المتفق عليها في البلاد. ثانيا هناك واقع آخر ترسخ بعد عام 2011 ويتمثل في الانسحاب الأمريكي وبرز تأثير إقليمي على الواقع العراقي. لهذا لا يمكن لأي انقلاب أن ينجح ما لم يكن يحظى بدعم إقليمي ودولي حتى يترسخ الانقلاب”.
أن فكرة الانقلاب العسكري غير قابلة للتحقيق وأن البلاد قد تمر بحرب أهلية طاحنة جراء انقلاب عسكري
و يستبعد فكرة الانقلاب العسكري في العراق
“لكننا نعلم أن في العراق هناك أكثر من مؤسسة عسكرية و “على سبيل المثال هناك مصادر متعددة للجيش، فهناك مثلا قوات البيشمركة الكردية في إقليم كردستان العراق وكذلك قوات الحشد الشعبي. وبالإضافة إلى وجود عشائر مسلحة، فإن هناك قوى عسكرية تتمتع باستقلالية القرار العسكري. ولهذه الأسباب تكون فكرة الانقلاب العسكري على ضوء تعدد مصادر قوة الجيش غير واردة وصعبة التحقيق وخطيرة أيضا”،.
ولكن يمكن تحقيق أهداف محددة عبر تحرك عسكري “شبيه بفكرة الانقلاب”، “مثلا تغيير الحكومة من خلال تحرك قوة عسكرية كبيرة داخل العاصمة بغداد، ولكن لا يمكن لقوة عسكرية أن تتحرك لتفرض سيطرتها على كل العراق”. وعموما يمكن القول، ان كل القرارات العسكرية والسياسية في العر اق مشتتة لا يمكن جمعها في قبضة واحدة أو وضعها تحت إمرة شخص واحد أو مؤسسة واحدة بعد عام 2003.
ورغم مساع أمريكية لإحداث تغير في إيران سواء أكان عبر إسقاط النظام القائم أو عبر إضعافه إلى أقصى درجة ممكنة، إلا أن جهود الولايات المتحدة في العراق لا تذهب بعيدا لتأييد انقلاب عسكري ينهي النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين ويزيح الأحزاب والجماعات السياسية المتحالفة مع طهران. والسبب يعودإلى أن النظام السياسي القائم في العراق هو من صنع الولايات المتحدة الأمريكية والنخب الحاكمة في العراق تحظى بدعم أمريكي.
ربما تكون الولايات المتحدة ضد هذه القضية أو تلك، لكنها لن تكون مع انقلاب عسكري يقضي على ما قامت هي ببنائه خلال السنوات التي تلت غزو العراق وإسقاط نظام الديكتاتور صدام حسين. ويعلل الخبير العراقي الموقف الأمريكي بأنه يدخل في حسابات جيوسياسية للولايات المتحدة في المنطقة عموما إلى جانب أن واشنطن غير مستعدة حاليا للاهتمام بالشأن العراقي من أجل “سواد عيون بعض الجماعات العراقية”،.
ولا يمكن لأي قوة أن تخطو مثل هذه الخطوة دون أن يحسب حساب الخصم الذي سوف يعارض الحركة العسكرية الانقلابية، فهناك المليشيات المسلحة التي وأن خضعت للمؤسسة العسكرية، إلا أنها وفي حالة الانقلاب ستتحرك بأوامر سياسية من القوى الداعمة لها في الداخل والخارج لمواجهة الانقلابين.
أضف إلى ذلك،وجود قوة عسكرية داخل مؤسسة الجش مستفيدة من الوضع الحالي ولا مصلحة لها في تغييره، سواء كان لأسباب سياسية أو لأسباب تتعلق بالفساد والمصالح المادية المربحة لها. مثل هذه القوى ستقف بكل قوة ضد أي محاولة انقلابية تغيير ميزان القوى الحالي في البلاد.
على هذا الأساس يكون طريق الانقلاب العسكري لتغيير الأوضاع في العراق محفوفا بمخاطر كبيرة، وأبرز تلك المخاطر، هو انزلاق البلاد إلى حرب أهلية مدمرة، أكثر شراسة من الحرب الطائفية التي شهدتها البلاد في عام 2006.