من مجموع المواقف الأربعة: الإيمان، الإلحاد، الدين، اللادينية، لنستخلص ثلاثية، لا بد من تحديد العلاقات فيما بين بعضها البعض؛ هذه الثلاثية هي:
1. الإيمان الديني Religionism [= الدين أو الدينية].
2. الإيمان اللاديني Areligionism [= الإيمان العقلي أو الإيمان الفلسفي = الإلهية اللادينية].
3. الإلحاد Atheism [= اللاإيمان = اللاإلهية].
ونطرح سؤال مدى التلازم بين كل من الإيمان والدينية من جهة، وبين اللادينية والإلحاد من جهة أخرى. الدين يقول بضرورة التلازم بين الإيمان والدين، والعقل يقول بعدم الضرورة، وعدم الامتناع، أي بإمكان الملازمة وبإمكان التفكيك بينهما. فالعقل المجرد يلتزم بألّا تلازم بين الإيمان والدينية، كما ولا تلازم بين اللادينية والإلحاد. ويطرح بالتالي الإيمان اللاديني باعتباره الخيار الثالث من وجهة نظر العقل، مع إبقائه على الإمكان العقلي للتلازم في حال ثبت صدق هذا أو ذاك الدين، لأن العقل يقول بإمكان صدق الدين، وبالتالي يبقي الباب مفتوحا للبحث والوصول إلى نتيجة الإثبات أو النفي أو اللاأدرية. والإثبات يعني التصديق والإيمان، والنفي يعني عدم التصديق وعدم الإيمان، واللاأدرية تعني اللاحسم. وقد يرى بعض العقليين المحايدين دينيا أن الخيار الثالث هو الأكثر انسجاما مع كل من عقل وفطرة الإنسان، وهو الأكثر قدرة على الإجابة على الأسئلة التي يرى هذا البعض أنها بقيت بلا جواب شاف من قبل كل من مدرستي الدين Religionism والإلحاد Atheism. وهؤلاء يقودهم هذا اللون من التفكير إلى اعتماد عقيدة (التفكيك بين الإيمان والدين)، إما كخطوة موازية لعقيدة الإيمان الظني، إذا ما كان تصديقهم للدين بنسبة 60 إلى 90%، وإما كخطوة متقدمة عليها إذا كان تصديقهم للدين بنسبة 10 إلى 40%. ويفترض أن تكون هناك مساحة مشتركة بين الدينيين العقليين التأويليين، وبين المؤمنين الظنيين، والمؤمنين اللاأدريين، والمؤمنين اللادينيين، ومن غير الصحيح قطع الجسور بالتكفير من هذه الجهة أو التخريف من تلك الجهة، فعلى الدينيين العقليين أن يدركوا أن ليس كل مؤمن غير ديني كافرا، وكما على المؤمنين غير الدينيين أن يدركوا أن ليس كل الدينيين خرافيين أو ظلاميين. وهنا تأتي العلمانية الفلسفية والاجتماعية كمكملة للعلمانية السياسية، لتجمع العلمانيين الدينيين والعلمانيين اللادينيين على المساحة المشتركة، وهذا لا يعني إقصاء الدينيين اليقينيين أو الملحدين، فالديني المنفتح القابل بالآخر القريب والبعيد على ضوء أخلاقية التسامح التي هي من أسس الدين في جانبه الأخلاقي والإنساني والعقلاني، هو جزء من المعايشة الفكرية والسياسية والإنسانية، وكذلك الملحد لا يكون مُقصىً، لأنه ما زال يعتمد العلمانية العقلانية المعتدلة ويتقبل من الآخر إيمانه بما لم يصل هو إلى قناعة به، وما زال يتحرك على أساس المثل الإنسانية، فهو قريب من الله بمقدار تجسيده من المثل الإنسانية، كما بينت سابقا في مقالتي (الملحدون الإلهيون والمرتدون المتدينون). فبحثي هذا لا علاقة له بقناعاتي الشخصية، بقدر ما هو معني بتأسيس قاعدة فلسفية للتعايش الإنساني والتعايش الوطني، وبالتالي بالسلام كقاعدة يقوم عليها هذا التعايش المنطلق من أساسي العقلانية (التي هي أعم من العقلية الفلسفية) والإنسانية أو ما اصطلحت عليه بـ(العقلاننسانية) وتلفظ بكسر أول النونين، حيث تكون الكسرة بديلا أو تخفيفا لياء النسبة لكلمة (عقلاني) من جهة، ومن جهة أخرى إشارة إلى ألف أو همزة الابتداء المكسورة لكلمة (إنسان/إنساني).