22 ديسمبر، 2024 8:12 م

هل يمكن التفكيك بين الإيمان والدين؟ 2/5

هل يمكن التفكيك بين الإيمان والدين؟ 2/5

وقبل مواصلة الموضوع، أقدم بتقديم ثان مهم للموضوع، ألا هو بيان الأحكام الثلاثة على المقولات المختلفة، أي الضرورات (الواجبات)، والممكنات، والممتنعات (المحالات)، ومن أجل ألا نكرر تعداد هذه الأحكام الثلاثة تجاه كل مقولة، سننعتها بالأحكام الثلاثة. فأقول إن الأحكام الثلاثة تتغير بتغير القاعدة التي تستند عليها، أو الميدان الذي تتحرك فيه وتختص به. فعندما نتحدث عن أحكام العقل، غير ما نتحدث عن أحكام الدين، أو أحكام أي ميدان من ميادين الفكر والحياة والعلوم. فضرورات الدين تكون بالنسبة للعقل من ممكناته، إذا كان الدين صادقا، أما إذا كانت من ممتنعاته، فالدين بالضرورة كاذب. كما إن هناك التقسيم الذي طرحه المفكر الإسلامي محمد باقر الصدر (الممكنات العقلية، والعلمية، والعملية) والذي قَسمتُ بدوري العلمية منها إلى نظرية وتطبيقية، فالنظرية منها أوسع من التطبيقية، وقسمتُ العملية إلى عامة وخاصة، والعامة أوسع من الخاصة، وأستغني عن تفصيل ذلك هنا. الذي أريد أن أقوله أن هناك ضرورات عقلية، وهي ضيقة، وضرورات ميدانية أو تخصصية، وفي بحثنا هنا تهمنا الضرورات الدينية. وهذه تتسع وتضيق، فهناك الضرورات الدينية العامة، كالإيمان بعالم الغيب (الميتافيزيقا) إلى جانب عالم الشهادة (عالم الطبيعة)، وهناك ضرورات الأديان الإبراهيمية أو التوحيدية، وأهمها الإيمان بالله الخالق لكل شيء وحصر الألوهية فيه، والإيمان بالحياة ما بعد هذه الحياة والجزاء، والإيمان بالنبوات والرسالات والأنبياء والرسل، ولعل من ضرورات هذه الأديان البعد الروحي (علاقة الإنسان بربه)، والبعد الأخلاقي (علاقة الإنسان بالإنسان). وهناك ضرورات دين محدد، كضرورات المسيحية التي منها الثالوث وبنوة المسيح لله، أو ضرورات الإسلام، كالإيمان بنبوة محمد وختم النبوات بها، أو الضرورات في الأحكام كوجوب الصلاة وغيرها، وهكذا هناك محرمات عامة لكل الأديان، وأهمها حرمة القتل والسرقة والكذب والخيانة والغش والظلم والزنا وإلى غير ذلك، بينما المحرمات الضرورية الخاصة بالإسلام مثلا، فهي حرمة أكل لحم الخنزير وشرب الخمر وغيرهما. وهكذا هناك ضرورات أضيق من ضرورات الإسلام، هي ضرورات مذهب من مذاهب الإسلام، كضرورات المذهب الشيعي، التي منها الإمامة الاثناعشرية، وما يرتبط بها من عصمة وشفاعة تشمل الرسول والأئمة الاثني عشر والزهراء، والمهدي والغيبة والانتظار، واتساع مفهوم السنة كمصدر ثان للتشريع، لتشمل سنة المعصومين بما هو أعم من سنة الرسول. والضرورات تارة تدور في إطار العقائد، وتارة في إطار الأحكام. وبالتالي ومن خلال التمييز بين أحكام العقل الثلاثة وأحكام الدين، نعرف أن ضرورات الدين أوسع من ضرورات العقل، وبعكسه ممكنات العقل أوسع من ممكنات الدين. وعندما نتكلم عن الضرورات بما هي أعم من الضرورات في مقابل الممتنعات، فنعني الضرورات الإيجابية والضرورات السلبية، أي الممتنعات، وبالتالي فممتنعات الدين أوسع من ممتنعات العقل. وبالنسبة للدين في جانبه التطبيقي (الأحكام الشرعية)، فضروراته هي الواجبات أو الفروض: (الواجب)، وممكناته هي مباحاته: (الحلال)، وممتنعاته هي محرماته: (الحرام).