بإغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده بالقرب من طهران يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020،تكون العلاقة الإيرانية –الأمريكية ومعها إسرائيل قد بلغت أشد حالات التوتر والتعقيد وقد تنذر بمواجهة محدودة أو شاملة ،خصوصًا أن الحادث قد استهدف رئيس قسم الأبحاث والتكنلوجيا في وزارة الدفاع الإيرانية..
واقع الحال يقول ليس هناك من خيارات كثيرة أمام طهران للرد على إغتيال العالم النووي محسن فخري زاده في طهران..ولكن المؤكد أن القيادة الإيرانية(رغم رشدها وعقلانيتها الكبيرة،وأنها تنظر ستراتيجيًا أكثر من النظر في التكتيكات الآنية كما خبرناها سابقًا) لن تسكت هذه المَرة لأسباب كثيرة يقف في مقدمتها:
أولاً: أن الأمر يتعلق بأن الأمر جرح كرامتها الوطنية في عقر دارها فإغتيال عالم نووي بمستوى محسن زاده يُعد ضربة كبيرة لحائطها الأمني والمعتمد إعتمادًا كبيرًا على حرسها الثوري والباسيج وقوات الأمن الأخرى من شرطة وجيش وقوات حفظ للنظام والذي يتباهى به النظام كثيرًا أمام شعبه والعالم،ممايجعل النظام في موقف الضعيف خصوصًا أن الشعب لم ينسْ العمليات التي نفذت قبل أعوام والتي استهدفت علماء نووين أخرين.
ثانيًا: ان الإغتيال أعقب إعلان إسرائيل على لسان رئيس وزارئها بنيامين نتنياهو في 30 أبريل /نيسان 2018،عن تمكن جهاز المخابرات الإسرائيلي(الموساد) من نقل عشرات اللآف من اوثائق النووية،وماشكله ذلك من ضربة أخرى لمصداقية أجهزة الأمن الإيرانية التي فشلت في أكتشاف الوسيلة التي تمكنت بها إيران من إختراق السور الأمني لإيران.
ثالثًا: قتل الولايات المتحدة في 3 يناير / كانون الثاني 2020،لقائد قوة القدس قاسم سليماني بغارة أمريكية على موكب سليماني داخل مطار بغداد،وماأعقبه من تهديدات برد عنيف،لم يظهر منه سوى رشقات من الصواريخ على قاعدتي حرير الأمريكية في أربيل وقاعدة عين الأسد الجوية في الأنبار،واللتان لم تؤديا سوى إلى إصابة (60) جنديًا أمريكيا بإرتجاج في المخ.
رابعًا: قتل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في وسط طهران أبو محمد المصري مع أبنته في 7 أغسطس/أب 2020،والذي كان يتخفى تحت مسمى شخص لبناني،وهو ماوضع إيران على المحك وفي شبه تسائل عن دورها في دعم التنظيمات الإرهابية.
خامساً: تعرض قسم أجهزة الطرد المركزي في منشآة ناطنز النووية الإيرانية يوم 2 يوليو / تموز 2020 إلى تفجير غامض أدى إلى خروج القسم عن العمل،وقد هددت إيران حينها،أنها سترد بقوة على الجهة المنفذة للهجوم إذّ أكتشفت أن وراءه جهات خارجية.
سادسًا: تعرض القواعد والمقرات الإيرانية وميليشياتها في العراق وسوريا لعمليات قصف وتفجيرات لم تخرج بمجملها عن إطار التنسيق الإسرائيلي – الأمريكي المشترك والذي بلغ حسب أخر إحصائية أعلنت عنها إسرائيل يوم 27 نوفمبر /تشرين 2 /2020 (36) هجومًا خلال العام 2020.
سابعًا: معرفة إيران أن الرئيس المنتهية ولايته قد يحاول توجيه ضربة لإيران من أجل تقيد قدرة الرئيس المنتخب جو بادين في العودة للإتفاق النووي وتخفيف العقوبات المفروضة على طهران،وقد أرسل لهذا الغرض مبعوث الإدارة الأمريكية أليوت أبرامز في جولة بدول المنطقة ومنها إسرائيل،ثم تبعه وزير الخارجية مايك بومبيو والذي أعلن عن استعداد ادارته للذهاب إلى أقصى حد للحد من طموحات إيران النووية وبرامجها الصاروخية.
ثامنًا: أن إيران تعاني من شدة العقوبات المفروضة عليها والتي اوصلت صادراتها النفطية إلى حدود لم تصل إليها من قبل،فقد انخفضت صادراتها إلى حدود ال(250) ألف برميل يوميًا وهو لايتناسب وحجم الصادرات الإيرانية التي قاربت الـ(2.5)مليون برميل يوميًا قبل عودة العقوبات 2018،فضلاً عن عجز الميزانية الإيرانية التي باتت غير قادرة على تسديد الرواتب ومتطلبات المعيشة لعشرات الملايين والموظفيين والعمال والفئات الاجتماعية الأخرى،والتي تعاني بالفعل من شدة العقوبات وصرامتها،مع تفشي شديد لجائحة كورونا في البلاد.
تاسعًا: مع العجز والفشل في الوفاء بإلتزامات إيران الداخلية والخارجية ومحاولات الهيمنة التي باتت مهددة بالفعل في ساحات مهمة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن،ومع قراءة إيرانية حقيقية إلى ان الرئيس الأمريكي القادم لن يكون قادرًا على رفع العقوبات بعد استلامه منصبه مباشرةٍ في بداية العام القادم،فأن إيران الثورة ومتطرفيها والراديكاليين من أجنحة الحكم المتشددة فيها، قد تضغط وتدفع القيادات العسكرية للرد،وإن كان بحدود معقولة ومقبولة في القياسات العسكرية ،وأن لايؤدي ذلك الرد إلى مقتل وإصابة جنود أو مدنيين أمريكيين في الساحات القريبة من إيران في العراق والخليج،فالإيرانيين واعييّن لجدية تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب،ووزير خارجيته مايك بومبيو الذي سبق وقال أن أي قتل لجندي أو مدني أمريكي سيؤدي لرد أمريكي صارم ضد النظام الإيراني.
عاشرًا: ربطًا بالنقطة السابقة،قد تقدم إيران إلى الهروب إلى أمام وترتكب عملاً تعتبره الولايات المتحدة وإسرائيل هجومًا عدوانيًا يتحق الردّ،وهذا مالايمكن لرئيس أمريكي خاسر في الإنتخابات ومُحبّ لإسرائيل ويعتقد أن الرئيس الذي سيجلس على كرسي البيت الأبيض من بعده،سيقوم بإعادة إيران إلى المجتمع الدولي..وهذا مايدفعه إلى ردّ عنيف ضد منشآت إيران النووية والصاروخية،وقد يشعل حربًا في المنطقة.
السناريوهات المتوقعة
السيناريو الأول :رغم الإعلان عن اجتماع طاريء لمجلس الأمن القومي الإيراني،وتسريب معلومات عن ضغوط كبيرة تمارس على القيادات العسكرية للقيام برد كبير على مقتل العالم النووي ،إلا أن إيران قد تلجأ من جديد إلى الصبر الاستراتيجي بإنتظار إستلام جو بايدن الرئاسة الأمريكية،ومن ثم فتح حوار معه يفضيّ إلى إتفاق وسلام جديد بين الطرفين،أو إنتظار الظروف لتنفيذ ضربة مماثلة شبيهة بالهجوم الذي قتل فيه العالم النووي الإيراني،من خلال استهداف شخصية إسرائيلية أو أمريكية،والإختباء في المنطقة الرمادية التي تجيدها إيران بإستخدام العناصر غير الإيرانية في هجماتها.
السيناريو الثاني: مهاجمة مقرات الأحزاب الكردية في مناطق إقليم كردستان في العراق وإيران،خصوصًا أن هكذا عملية لم تكن لتتم لولا وجود مساعدة داخلية ولوجستية من اشخاص يعرفون القتيل وتوقيتات تحركاته،والأحياء والشوارع التي جرى استهدافه فيها.
السيناريو الثالث: ان تعود إيران مجددًا لإستخدام الميليشيات العراقية واللبنانية والسورية واليمينة لتنفيذ ضربات تستهدف المصالح الأمريكية في المنطقة،وهو احتمال وارد ،طالما أن إيران سبق وان نفضّت يدها من أي عمل تقوم به هذه الميليشيات على خلفية جولة قام بها قائد قوة القدس الإيراني إسماعيل قاآني لسوريا والعراق،نقل أنه طلب من الميليشيات وحزب الله عدم استفزاز الولايات المتحدة الأمريكية لحين انتهاء ولاية الرئيس الحالي دونالد ترامب.
السيناريو الرابع : أن تقوم إيران بنفسها بهجوم يستهدف منشآت عسكرية ومدنية أمريكية وإسرائيلية في المنطقة،خصوًصًا أن هناك قواعد أمريكية مختلفة في الخليج والعراق،وأن حزب الله يمتلك القدرات العسكرية اللازمة لضرب إسرائيل في عمقها،وقد سربت شخصيات مقربة من النظام الإيراني أن القيادة العسكرية وبتوجيه من القيادة الإيرانية العليا لإستهداف (3) أهداف إقليمية كبرى وهدفيين دوليين لتأأديب مرتكبي الجريمة وموجهيها على حد زعمهم..وهنا تبرز لنا مجموعة كبيرة من الأهداف المقصودة بهذا التسريب منها،قواعد القوات الأمريكية في العراق وسوريا وأفغانستان،وقواعد القوات الأمريكية في الكويت والبحرين وقطر والإمارات،وقد يشمل الأمر إذا ماحاولت إيران إشعال المنطقة استهداف حاملة الطائرات والسفن الأمريكية في المنطقة،وهو أمر سيدفع إلى تحشيد المجتمع الدولي إلى الصفّ الأمريكي والإسرائيلي.
ختامًا يمكن القول أن المشهد معقد بدرجة كبيرة ولايمكن التكهن بردود الأفعال التي ستتحكم بالمشهد الإيراني الداخلي، وماسيتبعه من تطورات تنعكس على الوضع الإقليمي والدولي،ولكن المؤكد أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مستعدين للذهاب بعيدًا في سياستهما تجاه إيران في ظل تصميم أمريكي لردع إيران عن تصرفاتها المؤذية في المنطقة وبرامجها النووية والصاروخية والتي باتت تؤخذ وجاهة دولية بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن وجود آثار يورانيوم طبيعي من مصدر بشري في موقع لم تعلن عنه إيران للوكالة سابقًا،كما ركبت أجهزة طرد مركزي متطورة لم ينص عليها الإتفاق النووي.