دولة رئيس الوزراء المحترم
-الكفاءات العراقية لم تغادر العراق بطرا وانما غادرته بعد ان اكتوت بنار الحصار الظالم الذي تعرض له شعب العراق وبعد ان تعرضت هذه الشريحة المهمة الى اساليب متنوعة من الذل والاهانة ومسخ الانسانية فلم يكن امامها من سبيل سوى البحث عن اية وسيلة لمغادرة العراق املا في حياة جديدة تؤمن لابنائها عيشا طبيعيا . وكانت الاردن وليبيا واليمن المحطات الاولى وبعدها الهجرة لمختلف دول العالم عبر مخاطر وتضحيات جمة .
– ولم يخطر ببال الكفاءات العراقية ان العهد الجديد سيضع العراقيل تلو العراقيل امامها للعودة الى الوطن والمساهمة في بناءه وكان اولها فذلكة لم تمارسها اية دولة من دول العالم ابتكرتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وفي عهد وزيرها الدكتور عبد ذياب العجيلي والمتمثلة بعدم السماح للاساتذة الجامعيين بالعودة الى جامعاتهم اذا بلغوا من العمر ( 63 ) عاما . ويبدو ان الوزير ادرك خطورة هذا القرار الذي يغلق الباب نهائيا امام الكفاءات العراقية في مختلف انحاء العالم للعودة الى وطنها فارسل حسبما اخبرني هو شخصيا في مكتبه بالوزارة عام 2009 انه قدم لمجلس الوزراء مشروع قانون تعديل العمر الى ( 70 ) او ( 75 ) عام وتم ارسال المشروع الى مجلس النواب السابق الذي لم يحرك ساكنا نحوه منشغلا بزيادة رواتب اعضاءه وبسابقة خطيرة لم يتبعها اي بلد من بلدان العالم حتى المتخلفة منها بوضع تقاعد لهم بالملايين وهذا هدر للمال العام لا تقره ذمم ولا ضمائر حية اما مشروع التعديل العمري فقد رحل الى مجلس النواب الحالي ومعنى ذلك ان المجلس السابق اكل من اعمارنا وحياتنا اربع سنوات من يتحمل مسئوليتها يا دولة رئيس الوزراء المحترم .
– كتبت عشرات المقالات حول هذا الموضوع سواء في المواقع الالكترونية او في غيرها في وقت تسلم فيه حزب الدعوة مسئولية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فاستبشرنا خيرا الا ان هذا الخير انقلب شرا لنجد ثقافة جديدة تعتبر هذا المعدل العمري لا فائدة منه وانبرى صوت جديد يدافع عن الوزير الجديد في كل صغيرة وكبيرة تخص التعليم العالي في العراق هو صوت المدعو ( صاحب ابراهيم ) يروج علنا بعد كثرة الانتقادات التي وجهت للوزارة حول هذا الموضوع ومواضيع اخرى مؤكدا بان عقول الكفاءات العراقية في الخارج وفي هذا المعدل العمري قد اصبحت ( متحجرة ) متناسيا ان اغلب المسئولين الحاليين في الدولة العراقية قد تجاوزت اعمارهم ذلك وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية .
– تبنت لجنة التعليم العالي والبحث العلمي في مجلس النواب الحالي والتي يرأسها د / العجيلي مشروع التعديل الاول لقانون الخدمة الجامعية واكدت على ان يكون المعل العمري بين ( 70 ) الى ( 75 ) عام وتمت القراءة الاولى والثانية ثم قدم الى اللجنتين المالية والقانونية لاثراءه واصبح جاهزا للتصويت عليه في اليوم الذي تمت فيه استضافة السيد وزير المالية ليتفجر الخلاف مع القائمة العراقية فانسحب اعضائها من جلسات المجلس ومنهم رئيس اللجنة الدكتور العجيلي وهو الشخص الوحيد الملم بالمشاكل والمظالم التي تعرض لها اصحاب الكفاءات لانه حسب اعتقادي لا اجد في بقية اعضاء اللجنة من يمتلك الخبرة الكافية في شئون التعليم العالي والبحث العلمي .
– هنا كانت المفاجأة الكبرى والتي لم تخطر ببال احد وهي ان التصويت تم على مشروع التعديل الاول لقانون الخدمة الجامعية خلافا لما تضمنته مسودة القانون المعدل ( 70 الى 75 عام ) بل تضمن شيئا جديدا يغلق الباب نهائيا بوجه الكفاءات العراقية في الخارج للعودة وذلك بجعل المعدل العمري الجديد ( 65 ) وان يكون الاختصاص نادرا وان يحضى بموافقة مجلس الكلية وهذه سابقة خطيرة لا مثيل لها ولم نتعود عليها في يوم من الايام وخلال العهود المختلفة التي مر بها العراق مما يؤكد القول ان هناك ثقافة مبطنة ظاهرها الاعلامي الدعوة الى عودة الكفاءات وباطنها وهو الحقيقي الحيلولة دون عودتهم باي شكل من الاشكال وهذا ليس غريبا لان اصحاب الشهادات المزورة والذين لا يمتلكون شهادات علمية والطارئون على الميدان الجامعي وبقية مؤسسات الدولة ممن تساندهم احزابهم او اقرباءهم ممن يحتلون مراكز مهمة في الدولة قد اصبحوا هم البديل عن العلماء والمفكرين العراقيين في الخارج الذين افنوا حياتهم وزهرة شبابهم في خدمة العراق كل في اختصاصه .
– لا غرابةان يعلن في نفس اليوم الذي تم فيه التصويت على القوانين الستة ومنها التعديل الاول لقانون الخدمة الجامعية احد نواب كتلة التغيير بان هذه القوانين باطلة وان الجلسة كانت باطلة لعدم اكتمال النصاب القانوني .
– سيحول مجلس النواب مشروع التعديل الاول لقانون الخدمة الجامعية الى مجلس الوزراء للمصادقة وهنا تاتي مسئولية دولة رئيس الوزراء في رفض المشروع جملة وتفصيلا واعادته الى مجلس النواب ثانية ليكون المعدل العمري بين ( 70 ) الى ( 75 ) عام لمن يرغب بالعودة الى الجامعات او مؤسسات الدولة الاخرى خاصة وان الدولة قد اكلت من اعمارهم اربع سنوات وهم لا ذنب لهم في تاخر صدور القانون واذا لم تكن الدولة راغبة باعادتهم فلهم الحق في الحصول على راتب تقاعدي اسوة باقرانهم الموجدين حاليا في الخدمة وهذا هو الحق والعدل والانصاف بعينه .
– معظم الكفاءات العراقية لها باع طويل في خدمة الدولة وبما يقرب من ثلاثين سنة او اكثر وكانت الدولة تستقطع من رواتبهم ما يسمى ( استقطاعات تقاعدية ) وهذا يعني ان تقاعدهم مستقطع مسبقا لهذا واكرر القول بان الدولة الان ان لم تكن راغبة بعودتهم فعليها ان تعطيهم التقاعد الذي يستحقونه اساسا اسوة باقرانهم المتواجدون حاليا في الجامعات وبقية مؤسسات الدولة وهذا حق مشروع وليس هناك من مقارنة على وجه الاطلاق بين تقاعد استاذ جامعي خدم الدولة لاكثر من ثلاثين عاما وبين تقاعد نواب قضى قسم منهم خدمة اقلها سنة واكثرها اربع سنوات وهذه سابقة خطيرة جدا ينفرد بها العراق لوحده لان عضوية البرلمان صفة تشريفية من قبل الشعب ووجوده في البرلمان هو لخدمة الشعب وليس لتحقيق مصالح خاصة .
– دولة رئيس الوزراء المحترم بامكان الانسان ان يمارس الظلم لكن عدالة السماء اقوى من اي شيئ والظلم اذا دام دمر وان تمرير هذا القانون بالصيغة الحالية التي اقرها مجلس النواب في جلسة مبتورة سيجعل بينكم وبين الكفاءات العراقية في الخارج جدارا كجدار برلين سيئ الصيت بينما المنطق والعدل يتطلب منكم احاطة هذه الفئة الاجتماعية بالرعاية والاهتمام وجعلها سندا قويا لكم ولكل المخلصين في بناء العراق الواحد الموحد الذي يحترم فيه الانسان والقانون وما ضاع حق وراءه مطالب .
[email protected]