نعرف أنك أول رئيس للوزراء من جذور بغدادية منذ أكثر من نصف قرن، ونعرف أنك لم تختر طاقمك الحكومي باستقلالية بسبب طبيعة التوافقات، ونعرف أيضا أن هواك ليس ايرانيا و تجتهد لتغيير القناعات، ونعرف أيضا أنك لم تخرج من رحم ثقافة الاقصاء و التهميش بحكم تراكم اجتماعي مؤثر، ونعرف أيضا عدد الجبهات المفتوحة ضد محاولاتكم الخروج من عنق زجاجة الاحتقان على مختلف الصعد، و التي تنحت في الصخر لايقاف عجلة النضوج العراقي، لكن نعرف أيضا أنك تأخرت في تنفيذ الكثير من الوعود ما زعزع قناعة العراقيين بحدوث تغيير يُهدئ النفوس و الخواطر، ونحن هنا لا نسير عكس اتجاه الريح في التغاضي عن خطورة الأوضاع الأمنية، لكننا نتحدث عن خيط ثقة مقطوع مع أبناء العشائر ، وهي قضية خطيرة بحاجة الى معالجات بحجم أهميتها بعد سنوات عجاف من التثقيف الطائفي الذي أفقد الدولة العراقية عناصر التوازن.
السيد رئيس الوزراء .. لقد عشت في عالم الديمقراطية ليس مراقبا عن بعد بل من خلال التعمق في تفاصيله ثقافة وعلما و تواصل اجتماعي، فاسمح لنا بمصارحتك ببعض الأمور العراقية لا المصالح الشخصية التي حولها البعض الى خندق متقدم لابعادك عن التواصل المباشر مع الشعب، نقول ان حزبا لا يستوعب العراقيين بمختلف انتماءاتهم لن يكون قادرا على انضاج مشروع حكم قابل للحياة و التطور، بعيدا عن نصائح الذين يجتهدون بتقنية اليورانيوم و ” خلطة الدولمة”، فلماذا لا نؤسس لثقافة الاستقلالية عن الاحزاب عند تسلم المهمة الوطنية!! مقترح ليكن العبادي صاحب السبق فيه، عبر اسقاط كل العلامات الدخلية على ألقاب المسؤولين و أسماء المؤسسات الحكومية.
نعرف أن السلطة لا تبقي و لاتذر عندما يتسلل المصلحيون الى مفاصلها الحيوية، فيتحول صانع القرار الى القائد الأوحد و الرجل الاستثنائي ، ما يتطلب تغييرات جذرية و الاعتبار بتجربة الأمس القريب، فليس هناك من عنصر كفاءة أهم من الفوز برضا الشعب بعد الله، و لأنك شاهد على مرحلة خطيرة نرجو لسيادة رئيس الوزراء عدم خسارة الشعب من أجل الحزب أو الطائفة، فالعراق ينهض بكل أبنائه و ليس العكس.
السيد رئيس الوزراء..نعرف أنك مجبر على تحمل أذى القريب قبل الغريب بحكم موروث السلطة، لكن هذا لا يبرر السكوت على الضرر خاصة وأن الشعب أئتمنك على مستقبله بعد الله، ما يتطلب محاور عمل مركزية تبدأ بمحاربة الفاسدين بلا هوادة ومنع الشحن الطائفي من أي جهة و تفعيل التوازن في علاقات العراق الخارجية عبر كفاءات مهنية بعيدا عن عقدة النظام السابق، فصدقني يا رئيس الوزراء أن كثيرين جدا يهمهم العراق قبل الحزب، وقيادات عسكرية مرموقة قادرة على ادارة المعركة ضد داعش بخبرة متراكمة أشد فاعلية من ايران أو أمريكا بحكم الولاء و صدق الأنتماء و الخوف على العراق.
السيد رئيس الوزراء.. أثبتت التجربة أن الشراكة الحقيقية و المصالحة الفعلية هي طوق النجاة، فالتدخلات الخارجية تؤسس لفتن كثيرة و شديدة الأذى، و معركة تكريت ليست ذكرى بعيدة ، فعندما تقاطع النفوذ الايراني مع مصلحة التحالف الدولي تغيرت اتجاهات الريح، وهي مناسبة لاعادة قراءة التحالفات بما يجنب العراق البقاء في دائرة العاصفة، وهي معركتك الأهم بوصفها نقطة الارتكاز البديلة ، فبدون العودة الى عراقيتنا و متطلبات التباهي بها سيبقى الغريب اقرب من
أبن الدار، في مفارقة فرضها عدم نضوج تجربة الحكم في العراق بسبب تفكيك مؤسسات الدولة و فرض قناعات جديدة ليس أخطرها وصف شعب العراق بالمكونات.. ولنا لقاء أخر في حلقة جديدة.