23 ديسمبر، 2024 2:07 م

هل يعلن الاكراد دولتهم المستقلة في آذار المقبل ؟

هل يعلن الاكراد دولتهم المستقلة في آذار المقبل ؟

تتداول في وسائل الاعلام توقعات عن قيام القادة الاكراد بإعلان نواة الدولة الكردية المستقلة في كردستان العراق. ولعل مايثير الاستغراب هو إن الاوساط السياسية تستبعد ذلك تماماً. وتنفي أية نية لدى البارزاني وغيره في اعلان استقلال دولتهم في القريب المنظور. وبين مايتداول اعلامياً وتكذيبه سياسياً نحاول هنا قدر المستطاع الوصول إلى الحقيقة.
قبل عامين أو اكثر بشهور وصف الزعيم الكردي جلال الطالباني قيام الدولة الكردية المستقلة بأنه: ((حلم الشعراء)) ! بمعنى إن الأمر لايعدو كونه آمالاً أو أحلاماً لدى بعض السياسيين الاكراد لكن هذه الاحلام ليس واقعية في الوقت الحاضر على الأقل!
وقبل أقل من ثمانية أعوام سألت عضو مجلس الحكم الذي استحلفني أن لا أذكر اسمه قبل بوحه لي بما جرى في (منتجع صلاح الدين) عام 2004 . قال هذا السياسي، انه وعدد يعادل نصف اعضاء مجلس الحكم السابق قد غادروا بغداد إلى كردستان لاقناع عضو مجلس الحكم آنذاك مسعود البارزاني بسحب مقترحه الذي عطل اقرار قانون ادارة الدولة المؤقت، والذي كانت (حكومة بريمر) تعمل على اقراره قبل تسليمها (السلطة الى العراقيين). وكان مضمون مقترح البارزاني والذي أصر على إدخاله ضمن مواد القانون هو (لايعد أي قرار سياسي أو اقتصادي نافذا إلا بعد موافقة ممثل الاكراد عليه) إي أن قرار لايعمل به من دون موافقة المسؤول الكردي، وكان مأخذ اعضاء مجلس الحكم الآخرين بأن مثل هكذا مادة في القانون تعيق إدارة الحكومة وتشلها تماماً، خصوصاً وإن لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب وكلاء من الاكراد، وهؤلاء الوكلاء يحق لهم استعمال الفيتو ضد أي قرار لايرونه ينسجم مع توجهاتهم !
وقال عضو مجلس الحكم، وهو بالمناسبة كان ومايزال من أصدقاء الاكراد ويتبنى حتى طروحاتهم الانفصالية ، بأنه وأعضاء مجلس الحكم بعد وصولهم الى اربيل واجتماعهم لساعات بالبارزاني قد اخفقوا في إقناعه بسحب مقترحه، مما اضطرهم إلى طرح فكرة عليه، وصفها عضو مجلس الحكم السابق، بإنها كانت مفاجأة له، والفكرة هذه هي انهم قالوا لبارزاني بأنكم ، ومنذ سنوات، وفي اثناء حكم صدام، كنتم تطالبون بحق تقرير المصير، فلماذا لاتستفيدوا من الوقت الذي هو في صالحكم الآن، وتعلنوا قيام الدولة الكردية المستقلة، التي سنعترف بها فور اعلانها ونستعمل علاقاتنا لاقناع دول الجوار(تركيا، ايران وسورية ) للقبول بهذه الدولة الفتية، واضاف : بعد أن سمع البارزاني هذا الطرح غضب غضباً شديداً وقال لنا: ان هذا فخ ، نصبه صدام لنا قبلكم ولم نقع فيه، وهو أراد من وراء اعلاننا الاستقلال عن العراق أن يجتاح الاتراك والايرانيون كردستان واحتلالها وتدمير قوتنا العسكرية، وبعد سنة أو سنتين يطالب صدام مجلس الأمن بسحب القوات الأجنبية، وبالتأكيد سيستجيب المجلس لطلبه، وتعود إليه كردستان من دون قتال، وأضاف بارزاني: انتم أيضاً تريدون لنا هذا المصير بطرحكم هذه الفكرة.
نخلص من تصريح الطالباني الذي وصف استقلال كردستان بأنه (حلم شعراء) ومن حديث البارزاني لاعضاء مجلس الحكم الذي عبر عن مخاوفه في الوقوع في الفخ الصدامي.. ونخلص من ذلك إلى أن الزعماء الاكراد غير جديين في طروحاتهم وشعاراتهم بضرورة قيام الدولة الكردية (النواة) في كردستان العراق .
اضف الى ذلك، فان قيام هذه الدولة محكوم عليها بالاعدام من يوم الاول، فالاتراك والايرانيون لن يتركوا زعماءها يهنئوا يوماً واحداً بأستقلالهم. لأنهم إن قبلوا بذلك فإن وحدة أراضي البلدين ستتعرض إلى التمزيق، وما يحدث في العراق الآن من نزاعات عرقية وطائفية . ستنتقل عدواه الى هناك .
ثم إن أمريكا نفسها، وهي الأم الرؤم للاكراد لن تفرط بالدولة التركية، ولن تنحاز إلى الاكراد ودولتهم الجديدة في حال دخلت في نزاع عسكري أو أجتاحتها القوات التركية، وحتى الايرانية .
وأيضاً هناك مشكلة وهي ان الدولة الكردية المستقلة، محاطة باعداء في جهاتها الأربع، فإيران من الشرق وتركيا من الشمال وسورية من الغرب والعراق العربي من الجنوب، فمن اين لها بمواجهة هؤلاء الاعداء؟ ثم من أين تستطيع أن تصدر نفطها؟ وعن أي طريق تستورد حاجات شعبها، وفي أي أجواء تطير طائراتها التجارية ؟
قد يقول قائل، وهو كردي متحمس، ألم يقنع الخائفين على الدولة الكردية الجديدة بأن اسرائيل محاطة باعداء من عدة جهات؟ والجواب المفحم على ذلك هو أن اسرائيل مفتوحة على العالم من ضفة البحر الابيض المتوسط الشرقية، فهي تتصل مع الدول الأخرى وتتبادل معها تجارياً عن طريق البحر، وهذا غير متوفر للدولة الكردية المفترضة. ثم إن اسرائيل غير كردستان، والتزام أمريكا بإسرائيل لن يتكرر مع أي دولة أخرى، لأن اسرائيل اكبر مشروع استثماري أمريكي في العالم، ولولاها –أي اسرائيل- لما سيطرت أمريكا على نفط العرب، فبإسرائيل تخيفهم وتستنزف ثرواتهم، فهل تملك دولة الأكراد مثل هذه المزية الستراتيجية ؟!
من كل هذا ننتهي إلى أن الاكراد، أقصد الزعماء السياسيين، غير مقتنعين بإقامة دولتهم (النواة) في كردستان العراق. وهم الآن، وفي وضعهم الحالي، يفضلون البقاء ضمن دولة العراق لأسباب ذكرناها، يردفها سبب آخر ،هو إن السياسيين العرب، يتخبطون دائماً وغير قادرين على توحيد صفوفهم، فإن الزعماء الاكراد استغلوا ذلك أسوأ استغلال، وفرضوا رايهم على الحكومات المتتابعة بعد سقوط نظام صدام، وهم –الاكراد- من يحكم بغداد فعلياً، وقد استنزفوا ثروات هذا البلد بمعظمها، وفرضوا حقيقة هي أن أياً من كبار المسؤولين العرب لايستطيع أن يرفض طلباً لهم، ومن مهازل القدر إن رحيل القوات الامريكية عن العراق، قد خلفها سيطرة القادة الاكراد على عقول السياسيين العراقيين العرب، وبذلك صادروا إرادتهم وهيمنوا على القرار السياسي في بلد لايشكلون فيه اكثر من 13بالمئة .. وبعد ، ماذا سيربحون لو اعلنوا استقلالهم؟ أظن إن الوضع الحالي سيغنيهم عن الاستقلال ، لأنهم باتوا يحكمون العراق بكامله، وهذا الحال أفضل لهم مما لو استقلوا ، وعندها يواجهون مشاكل لاطاقة لهم بمواجهتها ! .