المختصون في الشأن السياسي، يدركون عمق الخلاف الإيراني الأمريكي، والذي
بدأ منذ سقوط الشاه عام 1979، وما أشعل لهيب الصراع في تلك المرحلة، قيام
بعض رجالات الثورة الإسلامية الإيرانية، بإقتحام السفارة الإمريكية في
طهران، ومن وقتها دخلت علاقات البلدين في نفق مظلم، ورغم حدة الصراع لم
يصل إلى المواجهة العسكرية، وبعد عام 2003، وبعد سقوط نظام صدام، وسيطرة
الولايات المتحدة على العراق، دون الرجوع الى الجمعية العمومية للأمم
المتحدة، إستشعرت إيران خطورة التوسع الأمريكي في المنطقة، والذي ابتدأ
منذ عام 1991، نتيجة الغزو الصدامي للكويت، والذي أستغل أستغلال فاحش من
الجانب الأمريكي، فبسببه إنتشرت القواعد الأمريكية في كل دول الخليج
والمنطقة.
إذن الصراع الإيراني_الأمريكي في المنطقة، بدأ بهزيمة أمريكية بسقوط
الشاه، ثم عادت أمريكا للإنتشار، بحجة غزو صدام للكويت، ثم سيطرة ونفوذ،
بعد عام 2003، وكانت الغاية الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط ، التوسع
والإستقرار ضمن هذه الرقعة الجغرافية من العالم، مرة لأهميتها
الإسترتيجية والجيو سياسية والإقتصادية، ومرة من أجل ضمان بزوغ فجر الشرق
الأوسط الجديد، والذي يعني إندماج الدولة الصهيونية، مع المحيط العربي
والإسلامي، وكسر محور المقاومة الإسلامية، والذي تقوده إيران، ومرحلة
التوسع هذه لم تنجح لحد ألان، بسبب الممانعة الإيرانية وأذرعها في
المنطقة، وضمن هذه المرحلة برزت حروب الوكالة، حيث يقف وراء تلك الحروب
النديين الأمريكي الإيراني، وحيث الحروب أستنزفت المنطقية بشريا”
وإقتصاديا”.
يبدو أن الجانب الأمريكي أدرك قوة الجانب الإيراني، وحتى لا يقع
الأمريكان في مطب الرأي العام، وأعتراضهم على السياسة الخارجية
الأمريكية، ذات التوجه العسكري، تغيرت الإستراتيجة الأمريكية بعد قدوم
ترامب، وأصبحت ذات توجه إقتصادي الأدوات، حيث أستخدم الإقتصاد وفق هذا
التوجه، أداة لتحجيم المناوئين للسياسات والإستراتيجيات الأمريكية،
كالحصار الأقتصادي الذي فرض على كوبا وفنزويلا وكوريا الشمالي، وأخرها
على إيران، والذي وصف بالحصار الأقتصادي الخانق، وبنفس الوقت غاية تلك
الأسترتيجية، أضعاف الأنظمة التي تتقاطع مع التوجهات الأمريكية، وأخرى
يكون الإقتصاد غاية من أجل تحقيق مكاسب أقتصادية، كما حصل مع عموم دول
الخليج العربي، وكوريا الجنوبية واليابان ودول أخرى، وهو دفع ضريبة
التسلط الأمريكي أو ما يسمى بالحماية الأمريكية.
الجديد في موضوع الحصار الأقتصادي الأمريكي على إيران، ونتيجة أنصياع
عموم دول العالم للقطبية الأحادية الأمريكية، أخذ صفة الألزام وكأنه صادر
من مجلس الأمن الدولي، وحتى القرارات الدولية تحوي أستثناءات، وكما أعتقد
في م 50، التي تجيز للدول التي تتضررمن تطبيق العقوبات الدولية، أن
تستثنى من التطبيق، كما حصل مع الأردن وتركيا، عندما أدخل العراق ضمن
البند السابع، وفرض عليه حصار أقتصادي، نتيجة الغزو الصدامي للكويت،
ويبقى العراق ومعضلة الحصار، ولكن هذه المرة يراد منه وجوب تطبيق
العقوبات الأمريكية على إيران، وهو تطور خطير في العلاقات الدولية،
وتحديدا” موضوعة القانون الدولي، ورغم فردية الحصار الأمريكي، رزخت كثير
من الدول لهذا المنعطف الأمريكي الخطير.
العراق في هذه الجعجعة، يراد إقحامه قصرا”، في موضوعة الحصار الأمريكي
على إيران، والأمريكان قبل غيرهم، يدركون صعوبة وضع العراق، والصعوبة
تأتي من عدة نواحي، فمنها(الصعوبات) الجوار الجغرافي، فأنه يجعل من
الصعوبة تطبيق العقوبات حتى في القرارات الدولية، فالحدود المشتركة بين
البلدين والتي تمتد لقرابة 1300 كم ، تحوي عشرات المنافذ الحدودية غير
النظامية، أي لا تخضع لسلطة الحكومة العراقية، لذا فمن الصعب السيطرة على
التبادل التجاري، خصوصا على مستوى القطاع الخاص، والذي يشكل 80% من مجموع
التبادل، على أن أغلبية التبادل لا يمرعبر غطاء مصرفي بل(تسليم مباشر)،
ثم رخص البضاعة الإيرانية، تكون جاذبة للتاجر العراقي لتحمل مغامرات
إعباء طرق التهريب.
أما التبادل الإقتصادي الرسمي بين العراق وإيران، فالأهم فيه هو إستيراد
الكهرباء ويصل تقريبا” 1000 ميكا واط، وكذلك الغاز المسال الذي يستخدم
لتشغيل كثير من المحطات الكهربائية، ولا يمكن للعراق الإستغناء عنهما
لعدم توفر البدائل على الأقل للمستوى القريب، أمام هذه المعضلات، يكون من
الصعب المستصعب للحكومة العراقية تطبيق قرار العقوبات الأمريكية، الغريب
أن تشترط الخارجية الأمريكية على إيران، نزع أسلحة المجموعات المسلحة
الشيعية العراقية، سببا” لفك الحصار، وهذا خرق للسيادة العراقية، والتي
مرغت بالتراب بسبب سياسي الصدفة، وكأن العراق مستعمرة إيرانية، ولو فرضنا
ذلك جدلا”، لماذا تلزم أمريكا حكومة منقوصة السيادة(بحسب تصريح الخارجية
الأمريكية) تنفيذ تلك العقوبات؟، أخيرا” نتمنى أن تستفيق الدبلوماسية
العراقية، أمام هذه المغالطات الأمريكية، وتخرج العراق من هذه الأزمة
المصطنعة.