رغبة جَلد الذات والقسوة عليها , ربما تدفع المجتمع لصناعة جلاديه , لكي يريح ضميره ويلقي باللائمة عليهم.
فالطاغية أو المستبد من صُنع المجتمع , لأن المشاعر والرغبات الجمعية اللاواعية تتفاعل فتلد مَن يمثلها ويترجمها في السلوك القمعي , الذي تعززه إرادة المجتمع المجلود به.
أي أن في أعماق المجتمع رغبات إنتحارية , ومشاعر تلذذية بالألم والظلم والقسوة والعذاب , حتى يصل إلى درجة الإرضاء أو الإشباع , فينهال على جلاده ويسيمه ذات العذاب الذي أذاقه للمجتمع.
وخلاصة ما ينتهي إليه الجلاد المصنوع بإرادة مجتمعه , أن يُقتل وتنصَبُ عليه أعلى درجات العدوانية والإنتقام والتشفي والحقد.
وكثيرا ما تنفلت المشاعر السلبية المكبوتة بسبب ما قام به المستبد , لتعيش بعد رحيله , وتمتد إلى ما يمت بصلة إليه , أو يحسب على أنه كذلك , دون مسوغات معقولة وأدلة واضحة , وهذا يعني أن المجتمع يدخل في دوامة السبي الذاتي , والتدمير الأكبر لوجوده وهويته ومعالم حياة المكان والزمان.
وأحيانا تستعر المشاعر بما يرتبط بها من السلوكيات , لتُدخِل البلاد في حلقة مفرغة من التداعيات المريرة المتفاقمة.
ومن الواضح أن هذه الرغبة السلبية اللاواعية , هي التي أدخلت المجتمع في سلسلة من الأنظمة الفردية المستبدة , التي أوردته القهر والجور والحروب والحرمان , وحتى في الزمن الذي توهم فيه بالديمقراطية , تمكن من صناعة المستبد الذي أذاقه مرارات الحياة وبؤسها , وأفقده الأمن والسلام , وأشاع الترويع والفساد والظلم والخسائر والهزائم , وبقي يريده ويطلب منه مزيدا من الويلات والعذابات.
وهذا يشير إلى إضطراب سلوكي خطير , وتفاعل تدميري مرير يسعى إليه المجتمع , وكأن فيه غريزة إنقراض وطاقات إندفاع نحو الموت الجماعي , اللازم لإزاحة عذابات الضمير القاسية , التي تفترسه بقسوة الوحوش.
ولهذا فلا يمكن لوم المستبد أو المتسلط , لأنه موجود بسبب ما حوله من المُعَززات والمسوغات والقِوى الدافعة بعنفوان للسلوك الإستبدادي التفردي القمعي , المشحون بالأنانية وحب الذات المَرضي.
والمجتمعات التي تتمرغ بهذا السلوك , تفقد قدرات التحكم بمصيرها , وتكون تابعة للآخرين ومتأثرة بهم , وساعية نحو المَذلة والهوان.