19 ديسمبر، 2024 1:04 ص

هل يصنع المجتمع جلاديه؟!!

هل يصنع المجتمع جلاديه؟!!

رغبة جَلد الذات والقسوة عليها , ربما تدفع المجتمع لصناعة جلاديه , لكي يريح ضميره ويلقي باللائمة عليهم.

فالطاغية أو المستبد من صُنع المجتمع , لأن المشاعر والرغبات الجمعية اللاواعية تتفاعل فتلد مَن يمثلها ويترجمها في السلوك القمعي , الذي تعززه إرادة المجتمع المجلود به.

أي أن في أعماق المجتمع رغبات إنتحارية , ومشاعر تلذذية بالألم والظلم والقسوة والعذاب , حتى يصل إلى درجة الإرضاء أو الإشباع , فينهال على جلاده ويسيمه ذات العذاب الذي أذاقه للمجتمع.

وخلاصة ما ينتهي إليه الجلاد المصنوع بإرادة مجتمعه , أن يُقتل وتنصَبُ عليه أعلى درجات العدوانية والإنتقام والتشفي والحقد.

وكثيرا ما تنفلت المشاعر السلبية المكبوتة بسبب ما قام به المستبد , لتعيش بعد رحيله , وتمتد إلى ما يمت بصلة إليه , أو يحسب على أنه كذلك , دون مسوغات معقولة وأدلة واضحة , وهذا يعني أن المجتمع يدخل في دوامة السبي الذاتي , والتدمير الأكبر لوجوده وهويته ومعالم حياة المكان والزمان.

وأحيانا تستعر المشاعر بما يرتبط بها من السلوكيات, لتُدخِل البلاد في حلقة مفرغة من التداعيات المريرة المتفاقمة.

ومن الواضح أن هذه الرغبة السلبية اللاواعية , هي التي أدخلت المجتمع في سلسلة من الأنظمة الفردية المستبدة , التي أوردته القهر والجور والحروب والحرمان , وحتى في الزمن الذي توهم فيه بالديمقراطية , تمكن من صناعة المستبد الذي أذاقه مرارات الحياة وبؤسها , وأفقده الأمن والسلام , وأشاع الترويع والفساد والظلم والخسائر والهزائم , وبقي يريده ويطلب منه مزيدا من الويلات والعذابات.

وهذا يشير إلى إضطراب سلوكي خطير , وتفاعل تدميري مرير يسعى إليه المجتمع , وكأن فيه غريزة إنقراض وطاقات إندفاع نحو الموت الجماعي , اللازم لإزاحة عذابات الضمير القاسية , التي تفترسه بقسوة الوحوش.

ولهذا فلا يمكن لوم المستبد أو المتسلط , لأنه موجود بسبب ما حوله من المُعَززات والمسوغات والقِوى , الدافعة بعنفوان للسلوك الإستبدادي التفردي القمعي , المشحون بالأنانية وحب الذات المَرضي.

والمجتمعات التي تتمرغ بهذا السلوك , تفقد قدرات التحكم بمصيرها , وتكون تابعة للآخرين ومتأثرة بهم , وساعية نحو المَذلة والهوان.