على حين غرة برز نجم شديد الإضاءة في أفق الدبلوماسية الكردية ، ألا وهو نجم قباد طالباني نجل الراحل العظيم فخامة الرئيس جلال طالباني زعيم الدبلوماسية الكردية على مدار خمسين عاما من تاريخ الحركة الوطنية في العراق .
فكما الوالد الذي حمل على عاتقه مهمة الدفاع عن حقوق شعبه في عراق مضطرب الأحوال غالبا ، وخاض بحنكته الدبلوماسية العريقة جميع أنواع التحديات التي واجهت العلاقة الأخوية بين شعبه الكردي وبقية المكونات العراقية ، فأصبح بحق صمام أمان العراق جامعا مختلف القوى السياسية على موائده العامرة ، يسير نجله قباد على نفس النهج الذي إختطه الوالد من خلال إصراره على إستكمال دوره بالسعي الجاد للبحث عن حلول مرضية لمشكلة المشاكل العراقية وهي العلاقة بين المكونين الرئيسيين في العراق ، ورأب الصدع في تلك العلاقة التي تأثرت للأسف ببعض الخطوات غير المحسوبة للقيادة الكردية في السنوات الأخيرة في مقدمتها مسألة الإستفتاء على إنفصال إقليم كردستان عن الدولة العراقية وما تبعها من تحركات عسكرية في المناطق المتنازع عليها .
لم أكن في البداية مرتاحا للمهمة التي عزم كاك قباد أن يتصدى لها ، فعلى رغم الكم الهائل من التحديات والعقبات التي تواجه سبل إستعادة العلاقة الطبيعية بين الطرفين ، أرى بأن ما تم هدمه من علاقة إقليم كردستان ببغداد من قبل حكام كردستان ، لايمكن بأي حال من الأحوال أن ينصلح بين ليلة وضحاها . ولا أخفي أنني توجست خيفة من أن تفشل جهود كاكة قباد بفعل فاعلين ممن يستفيدون في التصيد بالماء العكر ولا يرغبون بعودة العلاقات الطبيعية بين أربيل وبغداد بسبب مصالحهم الشخصية . وكنت على قناعة ومازلت بأن هناك أطرافا تتضارب مصالحهم مع الجهود التي يبذلها السيد طالباني ، أضف الى ذلك عدم وجود رغبة حقيقية لدى بعض الأطراف بنجاح جهود المصالحة والتطبيع ، أو على الأقل إعطاء هذه الفرصة للسيد طالباني بالنجاح في مسعاه لأسباب إنتخابية ، ولكن الذي أدهشني هو ما لمسته من الرجل من إصرار عجيب على إستكمال المهمة مهما كانت النتائج ، وهذا ما أثار لدي إعجابا لا أستطيع إخفائه .
فالرجل لا يكد من طرق أبواب جميع الأطراف المعنية بالأزمة ، بل أنه لا يتحرج حتى من مقابلة أصغر مسؤول في مراكز القرار الى أعلى المراتب فيها من أجل تقريب وجهات النظر واصلا الليل بالنهار من أجل الوصول الى حلول ممكنة لهذه الأزمة المستفحلة ، فكاك قباد يحمل على عاتقه مسؤولية شعب بأكمله ، شعب يئن من الجوع ، وشباب عاطلين ينتظرون فرصة عمل ، وأطفال ينتظرون إستدامة دفع رواتب آبائهم ليتسنى لهم الحصول على قوتهم اليومي ، إذن هي مسؤولية جسيمة تلك التي يحملها نائب رئيس حكومة إقليم كردستان .
وعلى الرغم من أن عملية التفاوض طالت كثيرا ولم تظهر لحد الآن نتائج مبشرة بقرب إنفراج الأزمة ، إلا أن ذلك لم ينل من عزيمته في تحقيق نتائج إيجابية في المحادثات المطولة التي جرت لحد الآن .
قد تكون هناك أسباب كثيرة تحول دون التوصل الى نتائج مرضية للمحادثات الحالية ، سواء من جانب المركز الذي يسعى بجدية الى إضعاف دور حكومة الإقليم ، أو من جانب طرف آخر في كردستان لايريد أن يمنح هذا الإنتصار للسيد قباد طالباني ، لكن مع ذلك يبقى قباد طالباني قد أوفى بمسؤوليته وحاول بإخلاص إنهاء معاناة شعبه ، ويكفيه أنه حاول القيام بأداء دور في درء خطر أزمة حقيقية وخانقة تكاد تعصف بكل المكاسب الدستورية التي حققها الشعب الكردي عبر تضحيات جسيمة في تاريخه النضالي .