الساسة المحترمون في معظم دول العالم المتحضر يولون إهتماماً بالغاً لما يطرحه الكُتاب بمختلف توجهاتهم وإهتماماتهم من مقالات تتناول مختلف القضايا والأحداث وخصوصاً ما يتعلق بالجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية للبلاد . فالعديد من المقالات ، مهما كانت ، تساعد السياسي والمسؤول للتعرف والإنتباه الى بعض المعلومات والظواهر المهمة التي قد تكون غائبة عنه وتساعده في تدارك المشكلات قبل أن تستفحل ويصعب معالجتها . لذلك يولي معظم السياسيين إهتماماً واسعاً وحقيقياً لما يُطرح في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمقروئة وغيرها ويأتي في مقدمة الوسائل المقالات التحليلية في الصحف الورقية والإلكترونية . وعلى الرغم من إن بعض المقالات قد لا ترقى الى مستوى الكتابة الهادفة ، وبعضها قد تكون بمستوى هابط جداً ، إلا إن قرائتها قد تدل أو تشير في مضمونها الى خلل أو مشكلة معينة يجدر الإنتباه اليها . كذلك من المهم الإشارة الى إن المقالات الناقدة للوضع السياسي عموماً ، وحتى المسيئة منها في التعبير أحياناً ، لا تعني المساس أو الإنتقاص من شخص المسؤول بذاته وإنما المقصود هو أدائه . فلا بأس أن يقال بأن السياسي الفلاني ” مجرم في حق شعبه ” ، وهو تعبير قاسي ولكنه لا يعني بأن ذلك المسؤول مجرم أعدم وقتل أعداد من الشعب وإنما إنجازاته ومواقفه وقراراته لم تكن في صالح المجتمع والوطن فهي بمثابة الجرم بحق الشعب . وعليه جميع السياسيين في الدول المتحضرة يأخذون كل ما يُكتَب عنهم أو عن الوضع العام ، مهما كان قاسياً ، أو حتى إفتراءً ، بهدوء ورحابة صدر وجدية ولهم كامل الحرية للرد والدفاع عن وجهات نظرهم وبشكل متحضر .
وعند المقارنة بالواقع العراقي نجد إن الأمور مختلفة ومعكوسة تماماً . فمن جانب يَدّعي الساسة العراقيون بأنهم يمثلون النظام الديموقراطي ، أي النظام الذي يؤمن بحرية الرأي ، في حين إنهم حوَلوا أنفسهم الى خطوط حمراء ومقدسين وتيجان رؤوس وحماة أعراض وقائد الضرورة والمرجع المعصوم وغيرها من المصطلحات التي لا يوجد لها مثيل في العالم إلا العراق . لذلك وفق المفهوم العراقي ومعايير ساسته ” ألأذكياء ” فإن أي كاتب لا يمكن أن يبدي رأيه سلباً في الشأن العراقي أو ينتقده لأن ذلك يعني مساس بالشخوص التي تدير كافة شؤون البلد وهم نفس الشخوص المعصومين وفوق الخطوط الحمراء . فإذا تجرأ شخص ووصف أحد قيادات العراق المؤثرين فعلاً في إدارة البلد بأنه شخص أمي وجاهل في الشؤون السياسية ومعمم يقود مجاميع بشرية أكثر جهلاً منه ويتلاعب بمقدرات العراق ، وهو الواقع ، فإن ذلك سيؤدي الى إثارة وتأجيج مشاعر المعمم والمجاميع التي تسرح خلفه والتوجه بمظاهرات وإحتجاجات ” مليونية ” للإقتصاص من هذا الكاتب قبل أن يفهموا لماذا هم وقائدهم متخلفون وجعلوا العراق في أقصى درجات التخلف والإنحدار لأنهم هم وبالبقية من أمثالهم من يديرون شؤون العراق . والأكثر من ذلك إذا إنتقد أحد المواطنين ذلك القائد أو المعمم ” المتخلف ” فإن مصيره الملاحقة والإهانة والقتل . وهناك أمثلة عديدة منها ما يتعلق برموز وقيادات الحرس الثوري العراقي المسمى ” الحشد الشعبي ” حيث يمثل إنتقادهم جريمة فهم من حرروا العراق من داعش وهم من حموا أعراض النساء وبكارة الفتيات العراقيات وهم بمثابة ” المعصومين ” فكيف يجوز إنتقادهم حتى ولو عاثوا في الأرض فساداً وسرقوا موارد البلد وإستولوا على خيراته وحتى لو تجاوزوا على القانون والدستور ، المهم إنهم حرس ثوري عراقي فوق الخطوط الحمراء . يضاف الى ذلك ما سيحصل في ” العراق الديموقراطي الحر ” إذا تجاوز أحدهم على المرجعية الدينية ومعمميها وطالب بأن ينحصر دورهم في الجانب الديني فقط دون الولوج بالأمور السياسية لأنهم ففقهاء بالأمور الدينية ولكنهم جهلاء ومتخلفين في المجالات الأخرى غير الدين . كذلك الويل والويل لمن ينتقد الممارسات المتخلفة والغيبية التي زرعها المعممون في نفوس وعقول المجتمع الجاهل وسَخّروا طاقات المجتمع والدولة أيضاً لممارسات غيبية وتخديرية للعقول تجاوزت حدود المعقول في الوقت الذي حققت المجتمعات المتحضرة والواعية في العالم كل هذه التطورات التكنولوجية والنوعية والرفاهية في حياة شعوبهم والبشرية عموماً . العالم المتقدم يكتشف أسرار الفضاء وأسرار الحياة والعراق ينتظر ظهور ” شخصية إفتراضية ” رُسِّخت في عقول هؤلاء الجهلة ليحكم العالم ، وليُثبت خطأ النظريات والحقائق العلمية في العالم من خلال إدعاء المعممين بأن الأرض لا تدور حول نفسها وهي مركز الكون ، وكذلك إن الأرنب من الحشرات ، وكذلك بأن ” المعصوم الفلاني ” تحدث مع الأسد ومع الذئب وحل مشاكلهما وأنجبت اللبوة وعشيقة الذئب صغارها بعد أن تعَسَرت الولادة عندهما لولا تدَخُل ذلك المعصوم ، أو التبرك بلعاب السيد وأمثلة عديدة لا تحصى ولا تُعد .
فأمام كل هذه المشاكل والظواهر السلبية ( كأمثلة بسيطة جداً ) التي تعصف بالعراق والتي تناولها وكتب عنها مئات المخلصين من الكتاب لتوعية السياسيين الذين يُديرون شؤون العراق وجلب إنتباههم الى بواطن التخلف والتراجع إلا إن هؤلاء السياسيون أثبتوا غبائهم وتخلفهم بحيث لم يطلعوا على معظم ما يكتب ، وإن إطلعوا فهم لم يفهموا أو يستوعبوا مضامينها وأعتبروها مؤامرات تستهدف التشويه والتسقيط وهذا كل ما يفهمونه في عالم السياسة . الخلاصة إن العراق في ظل السياسيين الجهلة الذين يُديرون شؤونه لا يستحق الكتابة عنه . هذه المقالة أعتبرها تكملة للمقالتين السابقتين ” كجزء ثالث ” بعنوان ” لماذا لا يمكن للعراق أن يتقدم ويتطور ويتحضر منذ عام ٢٠٠٣ . ولو إنني لست عراقياً لكني أشعر بالرثاء للعراق صاحب الحضارات في ظل حكم هذه الزمرة التي لا تنتمي للعراق مطلقاً .