من خلال النقاش القانوني الذي يتداوله اهل الاختصاص في القانون والذي أشارك فيه من اجل البحث عن المعرفة واكتنازها، وفي احدى المرات اتصل احد الباحثين ووجه لي سؤالاً عن الخصومة وكان على وفق الاتي (هل يجوز ان يكون المتوفى خصماً في الدعوى ويصدر حكم ضده؟) وانا وبدون تدقيق او تروي تسرعت وقلت له كلا وبشكل جازم وأرشدته إلى بعض المصادر ومنها كتاب المستشار أنور طلبة الموسوم (بطلان الأحكام وانعدامها، منشورات المكتب الجامعي الحديث في الإسكندرية ـ طبعة عام 2006) الذي يقول ان الخصومة لا تنعقد أصلاً إلا بين الأحياء ولا تنعقد اذا كان احدهم متوفى (ص608) كما يسترشد المستشار طلبه بقرارات لمحكمة النقض المصرية ويقول (اذا الدعوى أودعت لدى المحكمة بعد وفاة المدعى عليها فان الخصومة غير منعقدة لوفاتها وقرار الحكم الصادر معدوم حتماً) (ص610) كما يضيف بان الخصومة اذا كانت غير قابلة للتجزئة في حالة وجود قاصر او متوفى بين الخصوم يترتب عليه بطلان الحكم كاملاً (ص433) ، وما عزز إجابتي المتسرعة بالنفي، ما كتبه القاضي شهاب احمد ياسين عضو محكمة التمييز الاتحادية حالياً حيث يقول (ان خصومة المتوفى غير متحققة ومنعدمة لانتهاء شخصيته القانونية عند إقامة الدعوى والقرار الصادر فيها معدوم) وعلى وفق ما ورد في كتابه الموسوم (إعدام الأحكام ـ منشورات المكتبة القانونية ـ الطبعة الاولى عام 2010ـ ص31) ومن الجدير بالذكر ان هذا الكتاب كان فيه إهداء لي بخط يد القاضي شهاب احمد ياسين اعتز به جداً وانقله كما خطه بيده (إلى أخي الكبير وقدوتي ومعلمي، الغالي، عناية الأستاذ الفاضل سالم الموسوي مع بالغ حبي وتقديري) وتاريخ الإهداء 6/5/2010، كما أرشدت الباحث الذي سألني إلى عدة قرارات تمييزية ومنها قرار محكمة استئناف بغداد الرصافة بصفتها التميزية العدد 481/م/2012 في 19/4/2012 وجاء فيه الاتي (ولدى عطف النظر في موضوعه فقد وجد بان قرار الحكم كان قد صدر على شخص متوفي قبل إقامة الدعوى وبالتالي فانه يكون والحالة هذه حكما معدوما عليه قررت هذه الهيئة انعدام الوجود القانوني لقرار الحكم الصادر في الدعوى المرقمة أعلاه ذلك لان حالة الانعدام موجودة أصلاً فالحكم فيها يكون كاشفا لها وليس منشئاً إياها وإعادة الدعوى إلى محكمتها والحكم برد دعوى المدعية (المميز عليها) شكلا لإقامتها على شخص متوفي وعلى النحو المشروح في أعلاه)، لكن الزميل الباحث قد رد علي الجواب بان ما ذكرته غير صحيح، ويجوز ان تقام الدعوى ويصدر فيها حكم على متوفى وعندما استغربت من قوله هذا، ارسل لي صورة من قرار صادر عن الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية العدد 10/الهيئة العامة/2021 في 30/8/2021 حيث جاء فيه الاتي (وقد توصلت محكمة البداءة في حكمها المميز إلى نتيجة صحيحة ومتفقة مع أحكام القانون من الناحية الموضوعية وبالتالي فان ما ورد في عريضة الطعن التمييزي المقدمة من قبل المميزين باعتبار الحكم البدائي ومن ثم التمييزي معدومان لعدم أجراء التبليغات أو إقامتها على احد المدعى عليهم “وهو متوفى” لا يؤثر في نتيجة الحكم موضوعاً لان الحكم الصادر في الدعوى لا يتجزأ وغير قابل للانقسام وبهذا يكون الطعن انصب على حكم مكتسب درجة البتات)، لذلك وقفت عند هذا القرار لأنني لابد وان أعيد آلية تفكيري تجاه هذا المبدأ الذي اعتقدت انه اصبح من المسلمات، والذي استقر عليه القضاء العراقي منذ ان تأسس، فضلاً عن استقرار القضاء في اغلب الدول العربية المحيطة بالعراق ومنها القضاء المصري والأردني والإماراتي على هذا المبدأ، كما إنني تعلمت عند دراسة القانون أو أثناء العمل لفترة شارفت على الأربعين عام في المجال القانوني بان الحكم في الدعوى اذا كان غير قابل للقسمة، لابد من دخول كل الأطراف في الدعوى، بل ان المادة (84) من قانون المرافعات المدنية قررت انقطاع المرافعة اذا توفى احد الخصوم او فقدانه لأهلية التقاضي أثناء نظر الدعوى، كما ان القانون ذاته قد وعلى وفق المادة (174) من قانون المرافعات اعتبرت موت المحكوم له أو فقدانه لأهلية التقاضي بعد صدور الحكم سبباً لقطع مدد الطعون، ومن الأمثلة الشائعة دعوى إزالة الشيوع فاذا أقيمت على بعض الشركاء فان المحكمة تطلب من المدعي ان يكمل الخصومة بإدخال بقية الورثة خصوم أشخاص ثالثة لإكمال الخصومة فان رفض هذا الأمر واصر على عدم إكمال الخصومة فان المحكمة تقضي من تلقاء نفسها برد الدعوى، لان الحكم الذي سيصدر فيها لا يقبل التجزئة وبالنتيجة يجب ان يكون جميع الشركاء حاضرين في الدعوى أو على علم بها من اجل تقديم دفاعهم لان حق الدفاع مقدس وعلى وفق ما أقرته جميع الدساتير العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية، وكان للهيئة الموسعة لمحكمة التمييز الاتحادية قرار لاحق للقرار محل البحث حيث نقضت قرار محكمة البداءة لأنها لم تكمل الخصومة بإدخال بقية الورثة في الدعوى تتعلق بتركة متوفى وعلى وفق ما ورد في قرارها العدد 369/الهيئة الموسعة المدنية/2021 في 24/11/2021 ، واغتنم الفرصة لادعوا المختصين لبحث هذا الاتجاه الحديث من محكمة التمييز الاتحادية لان قرارتها تعد من السوابق القضائية المهمة التي يعتمد عليها القضاة والمحامون عند التصدي للدعاوى وكذلك الباحثون في البحث العلمي، ولهذا الاتجاه خصوصية كبرى لأنه صادر عن الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية التي تحظى بكامل الاحترام وانها ملزمة للجميع، وهي اعلى هيئة ولا تقبل قراراتها الطعن باي طريق حتى طلب التصحيح فانه لا يرد عليها وعلى وفق أحكام المادة (220/1) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1961 المعدل.