بينما يتحدث المالكي عن رغبته في دورة رئاسية ثالثة، تتسرب اخبار من اوساط حزب الدعوة الاسلامية ومن التحالف الوطني تشير على ان تنحي المالكي عن منصبه، ان كان برغبته او عدمها، لايعدو كونه امراً محتماً، ولن يطول الوقت ليغادر رئاسة الحكومة ! .
الاوساط السياسية ماتزال غير مصدقة للتسريبات التي تقول ان المالكي قد يغادر الحكم في غضون اسابيع او شهور قليلة. وسبب عدم الثقة بهكذا اخبار هو ان بديل المالكي الذي اختارته التسريبات هو الدكتور ابراهيم الجعفري، وقد اشار الاخير الى انه على استعداد لتولي رئاسة الحكومة، وكأنه بذلك يريد ان يقول للعراقيين ان سيأتي لينقذ البلد من الفوضى والفساد والخراب الاقتصادي!
واذا كان الحديث عن تنحي المالكي مازال همساً الا ان خصومه يصرون على ان زمنه قد انتهى بعبور اخر جندي امريكي الحدود العراقية متجهاً الى بلاده. وكثير من قياديي التحالف الوطني، يتحدثون علناً عن ان المالكي قد اخذ حقه وزيادة بالحكم، وعليه ان يفسح الطريق لغيره. واخرون يقولون بأن المالكي، وبأستثناء التحسن الامني غير المستقر، فهو قد قاد البلاد، من دون وعي، الى حالة صار من العسير معالجتها بوجوده.
بينما لايخفي حلفاء المالكي رفضهم لطروحات خصومه، وكلا الطرفين من التحالف الوطني يؤكدون ان المالكي الذي ((حقق معجزة الانسحاب الامريكي)) ينبغي ان يكافأ بولاية ثالثة ورابعة، فهو الذي جعل من الحلم حقيقة، ولولاه لما انسحب الامريكيون بهذا الشكل (المذل) من العراق!
بين الموقف المطالب برحيل المالكي ونقيضه المتمسك ببقائه، يظل العراقيون وكأنهم متفرجون على امر لا يعنيهم، مع شعور عام بأن المالكي لم يأت بأرادة عراقية صرفة او بدون تدخل خارجي، بغض النظر مايشاع داخل الاوساط الرسمية العراقية من ان صناديق الانتخاب هي من اوصلته وغيره من الحكام الى السلطة!
اذن، والحال هذه، هل نصدق الاخبار التي تقول ان المالكي سيرحل لا محالة، وانه لن يعمر طويلاً بعد نهاية هذه السنة؟ ام نأخذ التصريحات واحاديث (النخبة) الحاكمة والتي تقول ان الرجل باقٍ ولن (يعطيها) لغيره؟!
المراقبون السياسيون ممن يوصفون بالموضوعية يرون ان المالكي لن يرحل قريباً.. وان امريكا ماكانت ستغادر قواتها العراق لو لم تضمن استمراريته، وان القواعد العسكرية التي تقارب المئة ماكانت ستفرغ من الجنود الامريكيين لو تأكد لها ان الجعفري او اخر غير صديق لها سيحتل كرسي رئاسة الحكومة العراقية.
ويذهب احد المراقبين السياسيين الى ان الطرف الاخر في المعادلة السياسية العراقية (ايران) هي الاخرى ترى في المالكي رجلاً براغماتياً متفهماً للأوضاع المحيطة به، وقد استطاع ان يوازن بين مصالحها ومصالح العراق وامريكا. بخلاف حليفها الجعفري الذي ربما ستخسر نفوذها في العراق في حال تولى رئاسة الحكومة العراقية، نظراً لما عرف عنه من جهل بالواقع السياسي يقابله تطرف ديني ومذهبي يعده الساسة الايرانيون، كما تحدث بعضهم لسياسيين عراقيين، مأزقاً ينبغي تجاوزه حتى وان كان هذا التجاوز قد يفضي الى التخلي عن بعض الالتزامات (المعروفة)!
بالتأكيد ان المواطن غير المسيس لايرى في هذا الصراع الخفي بين المالكي من جهة و (النخبة) السياسية المناوئة له من جهة اخرى، لايرى فارقا كبيراًً بينهما، فالعراق ينحدر الى الفوضى العارمة. ولن يغيرّ اياً من الرجلين ما ستؤول اليه الحال بعد سنتين! فالعراقيون ينتظرون الانتخابات العامة المقبلة وكأنها الفرج للخلاص من سلطة الاحزاب الحاكمة والمعارضة التي اثبتت فشلها في كل مجال وضعت اصبعها فيه. وان معظم العراقيون، كما يتحدثون، مصرون على حجب اصواتهم عن كل السياسيين الذين استولوا على السلطة خلال السنوات التي اعقبت سقوط النظام الدكتاتوري.
وعلى اساس ان احتمال سنتين من حكم المالكي، اهون عليهم من بداية جديدة مع منافسه الجعفري، سيظل العراقيون كاظمين غيظهم الى ان يحين وقت الانتخابات… وعندها لن يستطيع اي احد ان يخيفهم بالحرب الاهلية، كما في الدورتين الماضيتين. وعندها، سيضعون نهاية زمن الفساد الذي جاء بعد سقوط حكم الاستبداد.