أثر انخفاض أسعار النفط بشكل كبير على التدفقات النقدية للشركات النفطية الكبرى العاملة في مجال التنقيب. و تشير الأرقام إلى وجود مشاريع نفطية مهددة بالتوقف العام القادم و ذلك بسبب نقص الأموال اللازمة للقيام بها. إضافة لذلك فإن حقول النفط الكبرى المكتشفة قبل أعوام بدأت تستنزف لذلك تحاول الشركات الوصول إلى حقول جديدة. المشكلة في هذه الحقول أنها أعقد و أكثر كلفة للاستخراج كتلك التي في أعماق البحار التي تحتاج إلى تكنولوجيا مرتفعة السعر.
و قد أجبر ارتفاع تكاليف الانفاق الرأسمالي بنسبة أعلى من التدفقات النقدية بنسبة 2-3% سنوياً شركات التنقيب على خفض وتيرة استكشاف الحقول و التنقيب عنها بنسبة 20% منذ العام 2000 و سيستمر بالانخفاض تقريباً 5%. و يعتقد البعض أن العديد من الحقول تحتاج لأن يكون سعر البرميل 120 دولاراً حتى يتم الاستثمار فيها.
من جانب آخر يوجد في العام القادم 800 مشروع للنفط و الغاز بقيمة 500 مليار دولار، تضم 60 مليار برميل نفط يجب أن تتخذ الشركات قرارات بخصوصها و أن تستثمر فيها بشكل عاجل و إلا فإن عدم القيام بذلك يؤثر في الإمدادات النفطية نهاية العام2020. فكما هو معروف يحتاج كل استثمار نفطي جديد ما بين خمس إلى ست سنوات ليبدأ عملية جني الأرباح منه و الانتاج الفعال.
و يشكل تذبذب أسعار النفط مع انخفاضها الشديد لأكثر من 40% إلى تباطؤ الشركات في اتخاذ قرارات سريعة بالاستثمار في حقول جديدة أو القيام بالمزيد من الصفقات النفطية التي وصلت قيمها العام الماضي إلى 242 مليار دولار و هو أقل مستوى منذ 2009 .
و تعتبر الصفقات النفطية قرارات طويلة الأمد و استراتيجية بالنسبة للشركات لذلك فإن الاستمرار في انخفاض أسعار النفط يجعل طرفي الصفقة سواء البائع أو المشتري ينتظر إلى حين أن يتبين إلى أي مستوى ستستقر الأسعار. فلا البائع يريد أن تقيم أصوله بأقل من قيمتها الحقيقية و لا المشتري يريد أن يدفع سعراً أعلى من الذي قد ينتهي إليه برميل النفط.
و يبدو أن ارتفاع تكاليف التطوير و زيادة الطلب على المعدات و الخدمات بشكل يفوق العرض زاد من كلفة التنقيب و استخراج البرميل. و بالتالي فإإذا ارتفعت كلفة البرميل في معظم الحقول عن 30 دولار للبرميل فإن هذا سيساهم في توقف أو تأجيل بعض المشاريع.
فقد أوقفت Chevron مشروع Rosebank الذي يبلغ احتياطه 300 مليون برميل و يكلف 10 مليار دولار ، و كذلك الأمر بالنسبة لحقل Snoree البحري في النرويج الذي كلفته 5.7 مليار دولار. كما قررت Total تأجيل قرارها بالاستثمار في حقل جوسلين في كندا الذي يكلف 11 مليار دولار. و أجلت Shell قرارها بالنسبة لحقول غرب كندا لأن السعر المعادل أقل من 80 دولار للبرميل و كذلك فعلت شركة BP خاصة فيما يتعلق بإكمال المرحلة الثانية من تطوير حقل Mad Dog في خليج المكسيك بعد ارتفاع الكلفة إلى 20 مليار دولار. كما أوقفت Statoil قرار الاستثمار في حقل Johan Castberg لأن كلفته ارتفعت من 16 مليار دولار إلى 19 مليار دولار. و كذلك الأمر بالنسبة لحقل Johan Sverdrup في بحر الشمال بكلفة 32.5 مليار دولار.
أثر سلبي على البنوك:
توقف الشركات عن الاستمرار بمشاريعها القديمة أو عدم الاستثمار بأخرى جديدة لا يؤثر فقط على الإمدادات المستقبلية للنفط في العالم و إنما ينعكس بشكل سلبي على أنشطة البنوك الكبرى حول العالم. فالعديد من شركات النفط أجل قرار الاقتراض بغرض الاستثمار بمشاريع تنقيب جديدة و القسم الآخر منها يفتقد إلى القدرة على تقديم ضمانات كافية. فقبل أسابيع أثيرت الشكوك على سبيل المثال حول خسارة بنكي Barclays و Wells Fargo فرصة إقراض 850 مليون دولار لشركتي نفط في الولايات المتحدة ما جعل العديد من المستثمرين يبتعدون عن هذه الصفقة في سوق الأسهم.
و ينعكس هذا الأمر سلباً على عوائد السندات المتعلقة بشركات الطاقة و على القطاع البنكي بشكل عام ، حيث تشكل شركات الطاقة 4.6% من حجم الاقتراض و 15.7% من أصل 1.3 ترليون دولار من سوق السندات بارتفاع 11.4% عما كانت عليه قبل عشرة سنوات.
إجراءات للتقليل من أثر انخفاض الأرباح
و في محاولة منها لتجنب أزمة انخفاض الأرباح تعمل الشركات النفطية على ما يلي:
1- اتباع سياسة الاندماج و الاستحواذ:
أثر انخفاض أسعار النفط عالمياً في معظم شركات النفط فمنذ حزيران 2014 انخفضت أسهم شركات الطاقة أكثر من 16% لكن بالنسبة للشركات الصغيرة فقد كان التأثير أشد حيث انخفضت أسهم تلك الشركات 30%.
و يساهم هذا الأمر بتغيير السوق العالمية للنفط بالنسبة للشركات حيث أن الشركات المؤثرة اليوم باتت معروفة و معدودة.
و قد نشهد استحواذات من قبل الشركات الكبرى على الشركات الأصغر أو حصول اندماجات عملاقة كالصفقة التي ما تزال في إطار التكهنات و التي يتم الحديث عنها مثلاً بين BP و Shell و مجموعة BG و التي تقيم أصولها بـ 50 مليار دولار في حين تقيم أسهمها عند أقل مستوى لها منذ خمس سنوات.
و قد تلجأ الشركات إلى تأسيس شركات لها مجلس إدارة واحدة كالصفقة التي حصلت بين Lukoil و Totalفي مايو / أيار الماضي لتأسيس شركة بحصص 51% و49% لكل منهما على التوالي.
2- بيع الأصول:
اضطرت معظم الشركات النفطية مؤخراً إلى بيع أصول تقدر بـأكثر من 300 مليار دولار لتمويل مشاريعها النفطية. فقد باعت كل من Shell و BP ببيع أصول تقدر بـ 60 مليار دولار ، كما تعتزم Total بيع مزيد من الأصول وخفض التكاليف، لتوليد مزيد من السيولة غير مكتفية بـ 30 مليار دولار حصلت عليها في 2010 جراء بيع أصول في مجال التنقيب و التوزيع و تنوي الحصول على أموال تقدر بين 15 – 20 مليار دولار.
و كذلك هو الأمر بالنسبة لشركة Trafigura العاملة في مجال تجارة البترول والغاز حيث تخطط لبيع حصة في مرافىء و أحواض و عدد من الأصول حول ميناء نفط تكساس بمبلغ 860 مليون دولار. شركة Chevron من جانبها قررت العام الماضي بيع ثلاثة من أصولها النفطية في نيجيريا بمقدار 40% من حصتها في عقود إيجار التنقيب عن النفط.
3- تقليل النفقات الرأسمالية:
انخفاض أرباح الشركات و قلة التدفقات النقدية أجبر العديد من الشركات النفطية على تقليل النفقات الرأسمالية كشركة Shell التي قللت نفقاتها الرأسمالية هذه السنة بنسبة 20% عن العام الماضي. و شركة Hess التي خفضت نفقاتها بنسبة 15% و ExxonMobil بنسبة 5% و أيضاً Chevron 6%. و تحاول Shell أيضاً التغلب على معضلة توفير السيولة من خلال تقليص اليد العاملة و تسريح آلاف العمال لتوفير مبلغ 1 مليار دولار يمكن أن تستخدم في استثمارات جديدة مع أن ذلك قد يؤدي لتباطؤ في عمليات الانتاج الحالية.
4- خفض الانتاج :
تعمل بعض الشركات على تخفيض الهدف المستهدف في الانتاج من بعض الحقول و ذلك للتغلب على ارتفاع التكاليف و انخفاض الأرباح فقد خفصت شركة Total على سبيل المثال انتاجها المستهدف في ليبيا وكازاخستان ونيجيريا لعام 2017 إلى 2.8 مليون برميل من المكافئ النفطي يومياً، بدلاً من ثلاثة ملايين.
مستقبل إمدادات النفط في خطر:
و في حال استمرت حالة انخفاض الأسعار إلى هذه المستويات المتدنية فإن مستقبل الصناعة النفطية في العالم سيكون على المحك. فالاقتصاد العالمي سيستفيد بشكل أو بآخر من انخفاض التكاليف الصناعية و سيعمل في نهاية العام القادم و بداية 2016 على طلب المزيد من النفط بشكل يجعل من المعروض أقل من الطلب على عكس ما هو موجود اليوم.
عند هذه الحالة ستجد الدول الصناعية نفسها مرة أخرى امام حالة من ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة الطلب و قلة الاستثمارات النفطية و ستكون حالة السوق النفطية في حالة من التذبذب مرة أخرى إلى أن يتضح أن نهاية العقد سيكون بداية لزيادة الطلب على النفط مرة أخرى. و إذا لم تتمكن الشركات النفطية من اتخاذ قرارات حاسمة بشأن استثمارات العام القادم سيكون هناك نقص في المعروض في العام 2020.
إنها معادلة غريبة و متقلبة و لكن من سيحسمها هو قدرة الدول النفطية سواء من داخل أوبك أو خارجها على الصمود أمام حالة الهبوط السعري و البحث عن بدائل جديدة لإيراداتها النقدية تستطيع معها أن تضغط على المضاربين في الأسواق بدلاً من أن تكون رهينة في أيديهم.