19 ديسمبر، 2024 9:30 م

هل هي فعلاً وثيقة إصلاح أم ماذا؟

هل هي فعلاً وثيقة إصلاح أم ماذا؟

من خلال هذا العرض المبسط نحاول تسليط الضوء على وثيقة الإصلاح التي وقعتها الرئاسات الثلاث في محاولة منها ” لإخراج البلد من أزمته الشاخصة وفك الانسداد السياسي الحالي عبر تعاون القوى الوطنية المختلفة على اساس العملية السياسية ومرتكزاتها”.

و بحسب الوثيقة فإن “جوهرها يتمحور حول الرغبة الجماهيرية في احداث تغييرات نوعية وملموسة في الاداء التنفيذي والتشريعي والقضائي بكافة مفاصله وأركانه، وعلى مختلف مستويات المسؤولية، مع الالتزام الكامل بالشرعية الدستورية والنيابية وتوفير الغطاءات المناسبة لتعزيز هذا المبدأ والعمل بموجبه دستورياً”.

لكن هل الهدف من هذه الوثيقة فعلاً الإصلاح و تحقيق رغبة الجماهير أم أنها تهدف لشيء آخر؟
من خلال قراءة و استعراض بنود الوثيقة الـ 12 يتبين ما يلي:

1-    تطبيق الاصلاح الشامل في الملفات الوطنية كافة، السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية وفق خطة مبنية على اساس الأولويات وبما ينسجم مع ظروف البلد.إذا فالإصلاح على الرغم من من أنه سيكون شاملاً و وفق خطة إلا أنه سيكون محدد بالأولويات التي لم تذكر ما هي و التي بالتأكيد ستحددها الكتل السياسية. 

2-    صون استقلالية القرار الوطني العراقي للحفاظ على هيبة الدولة داخلياً وخارجياً.أن يرد الحديث عن صون استقلالية القرار الوطني ضمن وثيقة للإصلاح يثير علامات الاستفهام عن وضع هذه الاستقلالية قبل صياغة الوثيقة. كما أن التطرق لموضوع هيبة الدولة كهدف و ليس كنتيجة لسياسات الحكومة الحالية و الحكومات السابقة يلمح إلى شعور بالنقص و إحساس بفراغ بحاجة لمن يملؤه.

3-     مشاركة المكونات والقوى الوطنية والمجتمعية في عملية الاصلاح الشامل عبر المشاركة الحقيقية في مشهد الاصلاح وفق مبدأ الشراكة الوطنية ضمن سقف الدستور والقانون.في هذا البند هناك محوران يجب تناولهما:الأول- أن المكونات السياسية تشعر بأنها غير مشاركة بالإصلاح و مغيبة تماماً عنه بل و تضيف كلمة “المشاركة الحقيقية” في إشارة إلى أنها كانت مجرد صورة و عنوان لتفاصيل لا تدرك ماهيتها.ثانياً- أن هذه الوثيقة تفرض على رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي اليوم أن يستشير الكتل السياسية بكل صغيرة و كبيرة يقوم بها في إصلاح ما أفسدته ذات الكتل و هو ما يعني تقييد حركة العبادي. 

4-     تقدّم الكتل السياسية مرشحيها للتشكيلة الوزارية الى رئيس مجلس الوزراء ويكون له الحق باختيار الأسماء، بما يؤكد الشراكة الوطنية في اختيار من تنطبق عليه الشروط والمواصفات اللازمة من الكفاءة والأمانة.و في هذه النقطة تفرض الكتل السياسية مرشحيها على العبادي في موقف يناقض نظرية التكنوقراط المستقلين لأن ترشيح هذه الشخصيات من قبل الكتل التي يتبعون لها يعني أنهم غير مستقلين و لو أنها تضيف معياري الكفاءة و الأمانة. 

5-     الالتزام باعادة النازحين الى المناطق بأسرع ما يمكن وتتعهد الحكومة مدعومة بالقوى السياسية بتسخير كل امكانات الدولة والدعم الخارجي لاعادة اعمار المناطق المحررة.و هنا أيضاً تضع الكتل السياسية شرط دعم القوى السياسية لأي حركة يقوم بها العبادي باتجاه إعمار المناطق المحررة لأنها تخشى من تسييس قضية الدعم الخارجي لتلك المناطق و ما ينجم عن ذلك من تقوية بعض الأطراف على حساب الأخرى. 

6-    يتولى رئيس مجلس الوزراء فتح باب الترشيح لمواقع الهيئات المستقلة ووكلاء الوزارات، وكبار الدبلوماسيين والدرجات الخاصة من دون استثناء وغلق ملف التعيينات بالوكالة في جميع المواقع الحكومية، ويتم الاختيار على اساس معايير موضوعية ومهنية بعيداً عن المحاصصة السياسية. وتشكل لجنة خبراء من القوى المشاركة في دعم الحكومة بواقع (4) اعضاء من التحالف الوطني، و(2) من اتحاد القوى، و(2) من التحالف الكردستاني، و(1) من القائمة الوطنية، و(2) يمثلون رئيس مجلس الوزراء، تعمل هذه اللجنة على تقييم المرشحين للمواقع المشار اليها وورفع توصياتها الى رئيس مجلس الوزراء بحسب السياقات الدستورية مع حفظ التوازنات الوطنية. على أن تنجز جميع هذه المهام خلال ثلاثة اشهر من تاريخ اقرار هذه الوثيقة.هذا البند يعطي العبادي دور من يطلق صافرة البدء فقط و يجرده من كافة حقوقه في اختيار الشخصيات لأن من سيقوم بذلك هي الكتل السياسية. و على الرغم من أن هذا البند يذكر أنه يجب إبعاد المحاصصة السياسية عن هذه المواقع إلا أنها تعود لوضع شرط حفظ التوازنات الوطنية في عودة واضحة للمحاصصة السياسية و إصرارها على تقاسم هذه الهيئات (المستقلة). 
7-    انشاء مجلس سياسي استشاري يضم في عضويته قادة القوى السياسية الاساسية في الدولة، الى جانب الرئاسات الثلاث، يسمى (المجلس السياسي) يعد مجلساً وطنياً استشارياً ينعقد شهريا لمناقشة الاستراتيجيات العليا للبلاد، وفكّ الاختناقات السياسية، على ان يتم تشكيل المجلس المذكور خلال شهر من اقرار هذه الوثيقة.و هنا محاولة واضحة لترضية بعض الوجوه التي أبعدها العبادي سابقاً عن المشهد أمثال نواب رئيسي الجمهوري و الوزراء. بالإضافة إلى وضع عقبة جديدة و روتين معقد أمام ما يسمى (الإصلاح) الذي يتطلب سرعة في الإنجاز و ليس مناصب جديدة. 

8-     العمل على انجاز حزمة من القوانين والتشريعات المهمة وطنياً واقتصادياً واجتماعياً وتنموياً وسياسياً، وفي مقدمتها : قانون المحكمة الاتحادية، وملف المساءلة والعدالة، وقانون العفو العام، وقانون النفط والغاز، ومراجعة قانون (من اين لك هذا؟)، وحسم تشكيل مجلس الخدمة الاتحادي، وقانون مجلس الاتحاد، وغيرها، ضمن مدة 90 يوماً من تاريخ اقرار هذه الوثيقة.المتابع لأداء مجلس النواب في إنجاز هذه القوانين يرى أنه كان و ما يزال عاجزاً عن إقرارها و أنها كانت دائماً محل خلاف و تأجيل مستمر. فهناك خلاف حقيقي بين الكتل السياسية على ما ورد في نصوص هذه القوانين و أهمها المساءلة و العدالة و العفو العام و النفط و الغاز. لذلك لم يوضع في هذا البند ماذا سيجري في حال لم يتم معالجة هذه القوانين بعد انقضاء المهلة. 

9-     مراجعة مستوى الانجاز وحجم النتائج التي تحققت من برنامج الحكومة الحالية منذ تشكيلها، واستكمال انجاز برنامجها الذي تشكلّت على أساسه.و كان حري بمن صاغ هذا البند أن يذكر عبارة (مناقشة أسباب التأخر في الإنجاز و معالجتها) لأن المراجعة وحدها لا تكفي في ظل بقاء العصي في العربة. 

10-                       تفعيل دور القضاء العراقي في متابعة العناصر الفاسدة وملاحقتها، وفتح ملفات الفساد المعطلة واخذ الاجراءات القانونية بحقها.و هذه النقطة هي الأكثر إثارة للاستغراب في هذه الوثيقة لأنها تكشف بوضوح عن تقصير القضاء في الفترة السابقة و أنه كان غير مفعل بانتظار الضوء الأخضر من الكتل السياسية لتفعيله ما يعني أنه لم يكن مستقلاً. كما أنها تشير بوضوح إلى ان هناك من عطل ملفات الفساد في المرحلة الماضية. أما الآن و قد وافقت الكتل على تفعيل دور القضاء فهل ستتمكن بالفعل من ملاحقة العناصر الفاسدة و كشف من هو الذي أعاق القضاء عن تفعيل دوره الحقيقي الذي أوصل العراق لمرحلة الإفلاس؟

11-                        يوّقع جميع القوى المشاركة في الحكومة على تفاصيل هذه الوثيقة وتعتبر وثيقة شرف تعمل بموجبها جميع الاطراف.و هنا من المؤسف القول أنه بعد أكثر من عقد من الزمن على العملية السياسية الجديدة و ضياع أراضي العراق و ثرواته يتنبه قادة الكتل السياسية لضرورة وجود وثيقة للشرف يتم بموجبها قيادة الدولة ما يطرح علامات استفهام حول مبادىء العملية السياسية في الفترة الماضية و احترام الدستور الذي تشوبه الكثير من الشبهات. 

12-                       تتعهد القوى المشاركة في الحكومة على دعم الاجراءات الحكومية ومساندة قراراتها بشكل كامل بغية تنفيذها على الوجه الاكمل. كما تلتزم الحكومة بمبدأ التشاور مع القوى السياسية في مسار الاصلاحات وتنفيذ البنود المذكورة ضمن هذه الوثيقة في المدة الزمنية المقررة.و أخيراً تعود الأطراف التي صاغت هذه الوثيقة لتذكير العبادي بأنه لا يمكنه الحركة من دون أخذ مشورتها و هو ما يعني أن هذه الوثيقة هي ليست للإصلاح و محاسبة الفاسدين و هو مطلب الجماهير بقدر ما هي تعهد من قبل العبادي بالعودة لساحة الكتل السياسية و عدم التغريد خارج السرب.

أحدث المقالات

أحدث المقالات