23 ديسمبر، 2024 3:57 ص

هل هناك حقاً بصيص أمل في عراق متقدم ومزدهر – تكملة

هل هناك حقاً بصيص أمل في عراق متقدم ومزدهر – تكملة

تكملة للمقالة السابقة تحت نفس العنوان والتي أشرنا الى انه ليس هناك مجتمع واعي في العالم لا يتمنى معظمهم العيش في أجواء التقدم والتحضر والأمان والإستقرار وفق مبادئ المساواة والعدالة وإحترام الإنسان في البلد الذي ينتمي اليه ، وهو الوطن بالمعنى الحقيقي . ولكي نتأكد بأن هناك بوادر واضحة ، لكي يبدأ البلد والمجتمع أولى خطواته نحو مستقبل واعد يمكن أن يؤمن لمواطنيه الحياة الإنسانية الكريمة ، لابد من وجود عدد من الأمور الأساسية والشواهد والدلالات الواضحة تسود جميع مفاصل الدولة والمجتمع عموماً. وقد تطرقنا في المقالة السابقة الى بعض من هذه الشواهد والدلالات ، وهنا سنتطرق الى شواهد أخرى لنستكمل بها الإطار العام الذي يمكن من خلاله استشراف وإستقراء مستقبل ذلك البلد . ومن هذه الشواهد مايلي :
أولاً : وجود نظام تربوي وتعليمي جيد ومتقدم ، أي أن تكون المناهج الدراسية هادفة لبناء أجيال علمية متطورة وخلاقة ولا وجود لمواد سطحية وغير نافعة كدروس الدين على سبيل المثال والتي تحشى بها عقول الطلبة خصوصاً في المراحل الأولى بدلاً من تغذية عقولهم بالعلوم والمعارف النافعة . وللعلم ان النظم التعليمية في الدول المتقدمة تخلوا أساساً من دراسة أمور الدين ، أي درس الدين ، حيث ان دراسة الدين له أماكنه الخاصة وليس في المدارس . وهذا ليس إنتقاص من الدين بحد ذاته . فمتى وجدت المناهج التدريسية خالية من مادة الدين فان ذلك إحدى المؤشرات لبداية اتجاه البلد نحو التقدم والتطور . كذلك يفترض أن تكون جميع المدارس في عموم البلاد ، بدون إستثناء ، بمستوى يؤمن الأجواء الإنسانية والصحية والعلمية للطالب من ناحية الأبنية والإنشاءات والأثاث والمستلزمات التعليمية المتطورة والخدمات وغيرها . فلا وجود لمدارس مبنية بالطين أو الصفائح وفي أي بقعة جغرافية من البلد حتى في المناطق النائية . ومن ناحية الكادر التدريسي والتعليمي فإنه يفترض ان يكون مؤهل من جميع النواحي علمياً وثقافياً وإدراكاً بالمسؤلية في خلق الأجيال القادمة ، ومدرك ومطلع على الأساليب المتقدمة في التعليم ومواكب لها .
ثانياً : وجود إهتمام واضح بالجانب الصحي لإرتباطه بحياة وكرامة الإنسان . فإنتشار المراكز الصحية والمستشفيات المتخصصة بشكل يُؤمِن حاجات المجتمع ويُؤمِن الخدمات الطبية ومستلزماتها لتصل الى محتاجيها في جميع أنحاء البلد إحدى الدلالات للتقييم . فلا وجود للتمييز بين فئات المجتمع في تقديم الخدمات الطبية والعلاجية ، ولا وجود لمراكز صحية أو مستشفيات لا تتوفر فيها شروط السلامة والنظافة بكل أبعادها ، ولا وجود لمراكز ومستشفيات يعالج فيها المريض ويترك على الأرض بصورة مقززة غير إنسانية بسبب عدم توفر الإمكانات ، أو إنتشار وتراكم الأوساخ والنفايات داخلها أو خارجها بالقرب منها أو وجود الحشرات والقوارض تسرح في رحاب تلك المراكز الصحية ، أو ممارسة الكوادر الطبية أساليب الإبتزاز للمواطنين عند تقديم الخدمات الطبية لهم . فإن وجدت أي من هذه الظواهر فليس هناك أي بصيص أمل لأن يتقدم مثل هذا البلد .
ثالثا : عدم وجود قيم أو عادات أو تقاليد أو ممارسات غير منطقية وغير مبررة وفق أسس العلم والمنطق تسود المجتمع بشكل عام . ولكي يتم التأكد بأن البلد وضع بشكل صحيح على خط الشروع بإتجاه التقدم والتحضر الحقيقي فينبغي غياب مثل تلك العادات والتقاليد كلياً من المنظومة الإجتماعية والسياسية أيضاً . فلا وجود للعادات والقيم العشائرية والقبلية البالية في مجتمع يهدف التقدم والتحضر بشكل حقيقي . فالإنتقال الى النظم الحديثة في الحكم ينفي وجود النظم العشائرية أو القبلية أو ما شابهها . كذلك لا وجود لأي تدخل أو تأثير أو دور للمؤسسات الدينية في الحياة السياسية أو أي من مفاصل الدولة ، سواء بصفة مرجعيات أو شخوص دينية . فوجودهم وتدخلهم في شؤون المجتمع يتناقض تماماً مع المبدأ والمفهوم الحقيقي للتقدم والتحضر .
رابعاً : إذا وجدت ان جميع مواد الدستور المطبق والقوانين والأنظمة الآخرى المطبقة لا تشير لا من قريب ولا من بعيد الى أي سند أو حكم ديني أو شرعي لتنظيم كافة شؤون المجتمع فإن ذلك من الدلالات المهمة بأن البلد في أول السلم نحو التقدم والتحضر . شرط أن تطبق أحكام الدستور والقوانين بشك محكم دون الإلتفاف أو التحايل على مفاهيمه الحقيقية .
خامساً : إذا كانت جميع المناطق والأحياء السكنية في البلد سواء في المناطق الحضرية أو الريفية ، بدون إستثناء ، يتوفر فيها كافة المستلزمات المتعلقة بالبنى التحتية من طرق ومواصلات وشبكات ماء صالح للاستخدام وكهرباء ونظم التصريف الصحي وما الى ذلك ومن دون وجود ظواهر سلبية لا تليق بالأنسان مثل تراكم الأوساخ والأنقاض والمياه الآسنة فيها أو في محيطها فإن هذا مؤشر مهم أيضاً للدلالة على إن البلد يمكن أن يباشر المراحل الأولى نحو التقدم والتحضر الفعلي .
سادساً : إذا كانت الحرية الفردية مصانة تماماً بموجب الدستور والقوانين ، وليس شكلياً ، وليس هناك أي شكل من أشكال الملاحقات أو التهديد أو التهميش أو الإبعاد أو التوقيف أو السجن أو الإغتيال لأي فرد في المجتمع مهما كان لإنتقاده أو إتخاذه موقف معين من المسؤولين في السلطة أو من الرموز والشخصيات مهما كانت مكانتها الإجتماعية أو السياسية أو الدينية ، فهي دلالة واضحة على إن المجتمع وضع على الخطوة الأولى بإتجاه التقدم والتحضر .
سابعاً : إذا خٓلٓت الدولة من أي ملف فساد مالي أو إداري أو أخلاقي ، مهما كان مستوى وحجم هذا الفساد حتى إذا كانت تتعلق بمبالغ لا تتجاوز قيمتها ما يعادل العشرات من الدولارات ، ويحاسب الجميع وفق القوانين بدون إستثناء ، ولا يبقى أي ملف فساد مركون أو مغطى عليه أكثر من أيام أو أسابيع وعلى الأكثر عدة شهور ، فإن هناك أمل من أن المجتمع في بداية طريقه نحو التقدم والتحضر .
للعلم فإن سياسيين وحتى حكومات في بعض دول العالم المتقدم والمتحضر سقطت بسبب ملف فساد واحد . فقط للتذكير بأن إحدى أعضاء البرلمان في دولة معينة خضعت للمسائلة ومن ثم إستقالتها بسبب إستخدامها للبطاقة الإئتمانية الحكومية لدفع مبلغ البنزين لسيارتها الخاصة عند رجوعها للبيت لأنها نسيت بطاقتها الإئتمانية الشخصية في البيت وكانت مضطرة للبنزين لسيارتها لكي تصل الى البيت .
ثامناً : إذا وجدت أشخاص من المجتمع ، وخصوصاً من الأطفال وكبار السن ، يجوبون الشوارع العامة ويستولون بكل وضاعة وإهانة إنسانية بمختلف الوسائل فإن مثل هذا البلد ليس له أي بصيص أمل للتقدم والتحضر .
خلاصة كل هذه المقالة وسابقتها هي إن هناك منظومة متكاملة وموحدة ومترابطة لا يمكن الفصل بين مفرداتها يمكن لأي مواطن ، مهما كانت خلفيته أو ثقافته أو إدراكه أو مستوى تعليمه ، أن يقيم ويشخص ببساطة وواقعية مدى تقدم وتحضر المجتمع والبلد الذي يعيش فيه ويعتبره وطن يفتخر به وينتمي إليه . ولكن يبقى على الجميع بمختلف توجهاتهم ومستوياتهم وإنتماءاتهم أن يثيروا التساؤل المهم وهو : هل يمكن أن يتحقق التقدم والتحضر الحقيقي في العالم ، ولأي مجتمع ، تحت حكم ألأحزاب الدينية وخصوصاً أحزاب الإسلام السياسي ؟ الجواب عندك أيها المواطن المغّيب .