مذ كنت طفلا صغيرا وأنا أسمع بالحكومة والحكام والمحكومين دون أن أعرف المعنى ، قادني فضولي وأصرارى الطفولي لأن أستطلع ( الموقف ) وأعرف ما هو المعنى ؟ ومن الطبيعي أن أتوجه للسيدة الوالدة – رحمها الله – لأطرح عليها هذا السؤال الخارق ، ” يمه شنو حكومة ؟ ” سكتت أمي وهي تنظر لي بدهشة .. ” ولك انت بعدك بكد أم الفلسين شجابك على هالحجي ” آلمتني الأجابة وكانت قاسية جدا مما أنعكست أثارها على ملامحي التي صارت كقطعة من الجلمود فضلا عن تقطب حاجباي من شدة الحزن ، لكن خوفي من هيبة أمي جعلني متسمرا لم أنبس ببنت شفه .. عدت أدراجي محملا بالأنكسار فعكسته على دراجتي الهوائية الصغيرة فأخذت أرفعها قدر أستطاعتي ثم أرميها على الأرض كي أنفس عن غضبي ! وحين سمعت أمي الجلبة جاءت مسرعة وبادرت بالكلام : ” ولك إبن ……… أنت تعرف أبوك بيش أشتراها إلك من نجحت للثاني ؟ شجاك تخبلت ؟! ولك أبوك أشترى ” البايسكل ” بدينار ونص وهسه حضرتك صايرلي طرزان !!! ، جاءت هذه الكلمة لتضيف أحجية أخرى لما تحتويه ذاكرتي ، أقتربت من أمي وطبعت قبلة على جبينها ( لواكة ) من حضرتي لأقتحم ( كنز ) المعلومات الذي تحمله في مخيلتها حسب أعتقادي !
” ولك أنت أكبر لوتي شعندك بعد تريد تعرف شبيهم بيت سعود ؟ “.. وهذه ( حزورة ) أخرى جعلت مني مصرا على معرفة الأجابات عن تساؤلاتي مهما كلفني ومهما ( أكلت من كتل .. اليوم لازم أعرف ) .. ” أكول يمه فدوه وحده وحده ، على كيفج وياي ، هو بس آني عندج قابل ماتحبيني ” .. نظرت الى وجه امي بخباثة الطفل إذا أراد شيئا ! فرأيت علامات من السرور تزينها أبتسامة محببة عرفت امي بها إذا كانت راضية .. ها يمه راح تعلميني ؟
لم تجد والدتي بدا من الأنصياع لولدها العنيد ، وهنا شمرت عن ساعديها وأفترشت الأرض المبلطة بالفرشي ثم قالت : تعال أبني شتريد تعرف ؟ يمه شنو حكومة ؟ .. إبني الحكومة هي اللي تحكم الشعب !! يمة ليش تحكم هو الشعب ما عنده حاكم حتى تحكمه ؟! أوووووه أسمع وانت ساكت لاتلغي ، أبني الحكومة بيها الشرطي والجندي والموظف !! بس ؟ أي لعد شتريد ؟ شرطي وجندي وموظف وخابصينا حكومة حكومة ، زين بيت سعود منو ؟
أبني بيت سعود يحكمون السعودية اللي بيها بيت الله ، يمه هذوله هم عدهم شرطي وجندي وموظف مثلنا ؟ يمه مأدري لأن آني ما رايحه هناك !!! زين يمه طرزان منو ؟ أبني طرزان ذاك اليوم شفته بالتلفزيون يم بيت أبو نورس من رحت عدهم !! زين هو خاتل بالتلفزيون لو شنو ؟ ولك والله دوختني أنعل أبوك لبو الخلفك ، ولك نسيت أسوي غده لبوك وهسه راح يجي ويعزيني ويصخمني وكلها من وراك …. أقسم بالله ماهي إلا لحظات حتى جاء والدي من عمله متعبا فدخل لفوره الى الحمام وحين خرج قال : أم فلاح صبيلي غده ! تلعثمت أمي وظلت في مكانها لم تتحرك شبرا واحدا وهي ترمقني بنظرات يخرج منها لهب جعلني أرتعش خوفا ، يامره جوعان وين الزقنبوت ؟ وهنا سمعت كلمة لم أسمعها من قبل ! بابا شنو زقنبوت ؟ ضحك والدي كثيرا وأنخفض ليطبع قبلة على جبيني وقال بابا يعني أكل ، وهنا صحت على أمي ” يلله يمه صبي لبابا زقنبوت … لم أشعر إلا ( والتفله)
جاءتني كالقذيفة .. الله يطيح حظك ! .. ليش بابا ؟ سكت والدي للحظة ثم قال : روح من كدامي تره أذب قهر الحكومة بيك وبأمك الغبية … حينها عرفت أن الحكومة عبارة عن (حكم ) وطرزان وبيت سعود لكنها تسبب القهر والجوع والعصبية للناس ، أنتهت الحكاية بعدها مات البطل تبعته البطلة أما انا فما زلت حيا أحكي لكم حكايات لم يأكل الدهر عليها … حكايات منها ما يسر ومنها ما يحزن … والى سالوفة جديدة …