19 ديسمبر، 2024 1:21 ص

هل نسمع بوزارة إدارة الأزمات ؟

هل نسمع بوزارة إدارة الأزمات ؟

لم تعد الدول والحكومات تتبنى قوالب كلاسيكية جاهزة في تشكيل حكوماتها، بل أن الحكومات الناجحة تستحدث وزارات جديدة (دون أن تكون وزارات شكلية لترضية هذه الجهة أو تلك) لحل مشكلة معينة (ليست وزارات دولة التي لها ملف معين وتلغى الوزارة حال الإنتهاء من ذاك الملف)، وإنما مشكلة حياتية يومية قد تكون تكونت نواتها وكبرت بسبب دخول عقيدة جديدة للبلاد أو تشكيل حزب ذات أيديولوجية معينة، أو وجود خطر إجتماعي بسبب تغيير في ثقافة إجتماعية معينة ( صعود الولاء للطائفة والتطرف الطائفي)..أو التعامل مع مخاطر الطبيعية التي لا يمكن التنبؤ بها مثل زلزال مدمر أو فيضان كارثي.
وفي دول تعتبر عظمى و(مستقرة ) في الأقل إعلامياً أو ظاهرياً، مثل روسيا والولايات المتحدة وفرنسا واليابان، هناك وزارة أسمها (وزارة الأزمات)، مهمتها التعامل مع أزمة تهدد كيان الدولة أو تسبب حالة غضب لدى الشعب بسبب الإجراءات الحكومية الروتينية كالفشل في الإستجابة لنداءات الإستغاثة في حالات الفيضان أو زلزال أو إستيلاء مجموعة متطرفة على واجهة حكومية مهمة وإجبار الحكومة لإصدار بيان يخدم عقيدة تلك الجهة المتطرفة.
ويكون القائمون على (وزارة إدارة الأزمات) من قيادات ذات خبرة لا تتأثر بالعمل تحت ضغوط نفسية عصيبة او تحت ظغوط شعبية لتغيير موقف معين أو تحت ولاء حزبي أو ديني، بل أشخاص مهنيون مدربون جيدا لإتخاذ قرار حاسم في لحظة حاسمة صائبة، حين يكون جزء من اللحظة تفصل بين وطن مستقر وحريق يأكل الوطن والمجتمع.
ونحن في العراق، أزماتنا متوالدة ومتوالية، ورغم أن الوزارات العديدة التي تشكلت بعد 2003إسترضاءاً وترضية لهذا الحزب أو تلك الجهة أو حتى دولة خارجية، إلا أن غياب وزارة مثل (وزارة ادارة الأزمات) يثير أسئلة حائرة كثيرة، أسئلة هائمة تبحث عن السبب والجواب في غياب مثل هذه الوزارة التي نراها أهم وزارة تمس مصلحة المواطن العراقي الذي يعيش مع أزمات يومية متلاحقة، بل أن مرور يوم دون أزمة ربما يحتاج إلى وزارة للتعامل السريع ومعرفة سبب ذلك اليوم العجيب، لتفادي تكراره حتى لا تكون الحال العام عدم وجود مشكلة، لأن المشكلة والأزمة في العراق أساس لإستمرارية كثير من الملفات السياسية التي لها علاقة مباشرة بالمال وتدفقه من الداخل أو الخارج.
ربما قد يظن البعض أن (مستشار الأمن الوطني) يقوم مقام (وزارة ادارة الازمات) والجواب قطعاً لا. فمستشار الأمن الوطني لديه ملفات تمس أمن الوطن داخليا وخارجيا وأكثرها ملفات أمنية في التعامل مع مجاميع معينة وتتبّع مصادر تمويلها ثم (إغرائها) بمناصب أو (هدايا) لترك عقيدتها او توجهها و(الإندماج في الوطن)، وهذه المهام ليست في صميم ما ننادي به في (وزارة إدارة الأزمات). لدينا ملفات كثيرة مرت دون أن يجد المواطن العراقي أجوبة لها، لدينا مآس كثيرة لا زلنا نبحث لها عن أجوبة لها بسبب عدم تعامل جهات معينة بحكمة في تلك الحادثة، ولا أريد أن اذكرها أياً منها كي لا أحدد نفسي في إطار معين وأظلم طبقات أخرى بالإشارة إلى مشكلة أو حادثة ما وإهمال أو الإغفال عن الإشارة إلى أخرى ربما أهم واكبر.
وحتى تكون هذه الوزارة فاعلة – يعني وزارة إدارة الأزمات – نحتاج إلى ثقافة السيطرة على النفس ساعة الصدمة، ثم ثقافة إمتصاص الصدمة، فتحليل الصدمة، ثم القرار في التعامل مع الصدمة، وهذه الخطوات ستبنى عليها هيكلية الوزارة وهرميتها. ودرجة الصدمة تكون ذات مديات واسعة، صدمة ذات منطقة محددة، صدمة محلية تمس حيأً مهيناً (كالحي الصناعي مثلا) او صدمة على مستوى محافظة أو صدمة على مستوى محافظات (قطع طريق رئيس يؤدي إلى محافظات عديدة مثلاً) أو صدمة على مستوى الوطن…وما أكثرها.
وإمتصاص الصدمة هو في منع أن تكون الصدمة شرارة لحريق كبير وخاصة في وسط مشبع بكل مقومات الحريق ولا يحتاج إلا إلى شرارة تكون في أكثر الاحيان (مجهولة المصدر)، وذلك بمنع تسلل الصدمة إلى ذلك الوسط المشبع وعدم إثارة ملفات نائمة تستيقظ بنداء تلك الصدمة، وهنا يكون للقرار الحازم تأثيراً حاسما في إمتصاص الصدمة.
أما تحليل الصدمة، فهو البحث في سبب أو أسباب التي أدت إلى ان تكون حادثة معينة بمستوى صدمة للناس، وقد يكون السبب إدارياً أو سياسياً أو أجتماعيا أو إقتصادياً او حتى أيديولوجيا بوجود أحلاف وإتفاقات معينة ملزمة مع دول أخرى. وبعد تحليل الصدمة إلى مسبباتها ومكوناتها يكون التعامل مع كل سبب كحالة قائمة بذاتها وتسلم إلى فريق متدرب محايد ومختص.
ثم القرار…ويجب ان يكون القرار قوياً غير متردد، وقد يكون مفاجأة سارة للرأي العام تخفف من غضبها وتمتص موجات السخط لديها، كما أن القرار يجب أن لا يؤدي إلى صدمة تتولد من رحم الصدمة السابقة، فتلك كارثة تهدم كل البناء وتؤدي إلى إنهيار تام لأي حكومة مهما كان أساس بنائها، من هذا ننادي ونقول أن وزارة إدارة الأزمات تحتاج إلى فريق خبير يعرف حتى كيفية صياغة بيان القرار ويعرف الإستقراء المستقبلي لتبعات القرار ويجب أن يكون ناتج الإستقراء إيجابيا يدفع في إتجاه موجب.
أن ما يجري في العراق، يضعنا أن ننادي وبإخلاص إلى وزارة أدارة الأزمات، ولكن…هل هناك فريق محايد لإدارتها أم أننا سنستورد الفريق المحايد من أسواق خارجية ؟
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات