بعد انسحاب فصائل من قوات البيشمركة الكردية من مواقعهم القتالية في الأراضي المتنازع عليها بين بغداد وأربيل ومن ضمنها مدينة كركوك الغنية بالنفط، والتي يعتبرها الكرد مناطق تابعة لهم، ولكنها تعرضت لعمليات التهجير وعلى يد الحكومات العراقية المتعاقبة، قامت القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي بدعم عسكري ولوجستي من إيران في 16 أكتوبر من عام 2017، عقب الاستفتاء الذي أجرته السلطات الكردية في إقليم كردستان للاستقلال والانفصال عن العراق في 25 سبتمبر من العام نفسه، والذي جوبه برفض قاطع من قبل العراق والمجتمع الدولي، ببسط سيطرتها على كامل تلك الأراضي، ومن ثم فرض عقوبات اقتصادية وسياسية قاسية على الإقليم منها قطع رواتب الموظفين بشكل كامل، وغلق منافذه الحدودية، وحظر الطيران على مطاراته.
إزاء هذه الإجراءات المشددة غير المسبوقة من قبل الحكومة العراقية وحالة الضنك والضائقة المعيشة التي أصابت المواطنين في الإقليم نتيجة ذلك قرر القادة الكرد الخروج من هذا المأزق الخطير وكسر الطوق الخانق وتدشين حملة دبلوماسية مكثفة وواسعة، تشمل الدول الأوروبية والعربية لرفع العقوبات القاسية وإجراء محادثات مع الحكومة المركزية للتوصل إلى حل يرضي الجميع، وتعود المياه الى مجاريها من جديد.
وبعد محاولات حثيثة ودؤوبة ولقاءات مستمرة ومثمرة من جانب رئيس الحكومة في الإقليم ونائبه، انفرجت الأوضاع شيئا فشيئا وعاد الإقليم جزءا من العراق، وانخرط في العملية السياسية العراقية، حيث شاركت الأحزاب الكردية في الانتخابات النيابية التي جرت في 12 مايو 2018، وعلى إثر ظهور نتائجها، تدفقت الأحزاب الفائزة إلى بغداد لعقد تحالفات مع القوائم الشيعية لتشكيل الحكومة المقبلة.
فقد بعث الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي حصل على أكبر المقاعد في البرلمان على الصعيد الكردستاني بواقع 25 مقعدا، بعث بوفد رفيع إلى بغداد للتفاوض مع الكتل الكبيرة الفائزة مثل كتلة تحالف”السائرون” التي يرأسها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر (54 مقعدا)، وائتلاف “النصر” لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي (42 مقعدا)، لتشكيل الحكومة المقبلة.
ورغم أن كتلة “الفتح” برئاسة هادي العامري المحسوبة على ميليشيا الحشد الشعبي الموالية لإيران جاءت ثانية في الترتيب بعد “السائرون” بواقع (47 مقعدا)، وهذا العدد يغري أي حزب أو كتلة للتحالف معه، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني بحسب رأيي ميال أكثر للتحالف مع قائمة الصدر “السائرون” التي قد تدخل في تحالف مع عمار الحكيم رئيس قائمة “الحكمة” (19 مقعدا) لوجود تناغم سياسي بينهما في الإصلاح ومكافحة الفساد وتكريس حكومة وطنية عابرة للطائفية والعنصرية، مشكلة من رجال أكفاء تكنوقراط غير خاضعة للوصاية الخارجية، وكذلك لدى رجلي الدين إصرار على حل المشكلة الكردية عراقيا ووفق الدستور!
وفي حال توحدت الأحزاب والكتل الكردية ونظمت صفوفها واتفقت على نبذ خلافاتها العقيمة، ودخلت في إطار تحالف واحد، فإنها ستكون أكبر كتلة برلمانية بعدد يصل إلى حدود 60 مقعدا، وستتبوأ في الحكومة العراقية القادمة مناصب مهمة قد تساعد في حل مشاكلها العالقة مع بغداد، وتتمكن من تطبيق المادة 140 الدستورية التي تعالج أهم أزمة تاريخية بين الكرد والعرب، وهي أزمة مدينة كركوك والأراضي المتنازع عليها.