التاريخ هو السجل الذي يساعدنا على فهم الحاضر والمستقبل. من خلال دراسة التاريخ، يمكننا أن نتعلم من أخطائنا ونتجنب تكرارها. كما يمكننا أن نفهم كيف تشكلت هويتنا وثقافتنا.او كما قال إدموند بيرك، حيث قال: ” أولئك الذين يجهلون التاريخ هم مجبرون على أن يعيدوه ” . ومع هذه الأهمية للتاريخ فقد ظهرت عملية تزوير التاريخ هو تغيير الحقائق التاريخية أو التلاعب بها بشكل كاذب أو مضلل، لأسباب معتقديه لتحقيق أهداف سياسية أو أيديولوجية أو دينية. يمكن أن يشمل تزوير التاريخ حذف معلومات معينة، أو إضافة معلومات كاذبة، أو تشويه الحقائق بطرق مختلفة. واقدم ما سجله التاريخ من محاولات تزوير التاريخ قيام الملك رمسيس الثانى بوضع اسمه على بعض التماثيل الملكية التى لم يقم بنحتها، بل نُحتت لملوك سبقوه. ومنها تماثيل لملوك من الهكسوس او انها لملوك مصريين نسبها الهكسوس لانفسهم وعندما حكم رمسيس الثانى قام بمحو أسماء الهكسوس ونسبة التماثيل لنفسه نسبتها إلى ملكهم رمسيس الثانى وكذلك ما فعله تحتمس الثالث، الذى قام لأسباب سياسية بعد العام الثانى والأربعين من حكمه، بمحاولات لإزالة اسم الملكة حتشبسوت من التاريخ، والتى هى زوجة أبيه وعمته فى ذات الوقت، والتى شاركته فى الحكم ما يقرب من العشرين عامًا. كذلك محاولة محو الذكرى في آثار الملك أخناتون وخلفائه وأماكن أخرى في تل العمارنة وفى أماكن عديدة في مصر القديمة. كذلك يشير الكاتب ريتشارد كوهين الى تحريف التاريخ في عصر روما القديمة، فقد بدأ الأمر مع تاسيتس أحد كُتّاب الحقبة الأخيرة من العصر الفضي للأدب اللاتيني ؛ حيث “تم تزوير تاريخ الإمبراطور تيبيريوس وكاليجولا، وكلوديوس ونيرو، خلال حياتهم، بدافع الخوف .
يبرر كثير من المؤرخين اصطناع الحقائق التاريخية وتزييف الوقائع التي حدثت بدعاوى قومية ووطنية، فهل تصبح الحقيقة التاريخية ضحية لصراعات القوة . وهنا وللاجابة على هذا السؤال يجب ان نتذكر إن كتابة التاريخ لا تقل أهمية عن صنعه، وإن لم يكن الكاتب وفيا لمن صنع التاريخ، فإن الحقيقة الثابتة ستتخذ طابعاً يربك البشرية.
بالنسبة للتاريخ العربي فمحاولات تعديل أو تغيير الروايات التاريخية السائدة عن التاريخ العربي، وهي محاولات مدفوعة بدوافع سياسية أو أيديولوجية. تهدف هذه المحاولات إلى تشكيل فهم جديد للأحداث التاريخية، وقد تتضمن إعادة تفسير الوقائع، أو إبراز جوانب معينة من التاريخ على حساب أخرى، أو حتى اختلاق أحداث جديدة. تحت مبررات تعزيز الشعور بالوحدة الوطنية وتحت هذا الشعار تصبح دولة مثل دولة بني أمية (دولة عادلة ومزدهرة) الغزوات (فتوحات) والحروب والمذابح (نشر للاسلام ) .
ومما يؤسف له في هذه الأيام ان تبرز ظاهرة محاولات تزوير التاريخ بأسلوب قميء جدا تحت شعار ( الوحدة الوطنية) بل وينجرف بعض اهل القانون في التيار ويتخذون من القانون سلاحا لتهديد من يذكر ما أوردته كتب التاريخ فيقومون برفع دعوى على شاعر كونه ذكر (عائشة بنت ابي بكر ) في قصيدته ولم يشرح لنا رجال القانون لماذا امتنعوا عن محاكمة امير الشعراء ( احمد شوقي ) عندما نشر قصيدته المشهورة والتي مازالت منشورة والتي يقول فيها
يا جبلا تأبى الجبال ما حمل * ماذا رمت عليك ربة الجمل
أثأر عثمان الذي شجاها * أم غصة لم ينتزع شجاها
قضية من دمه تبنيها * هبت لها واستنفرت بنيها
ذلك فتق لم يكن بالبال * كيد النساء موهن الجبال
أخرجها من كنها وسنها * ما لم يزل طوله المدى من ضغها
صاحبة الهادي وصاحباه * فكيف يمضون لما يأباه
وجاء في الأسد أبو تراب * على متون الضمر العراب
يرجو لصدع المؤمنين رأبا * وأمهم تدفعه وتأبى
تجر ذات الطهر فيه عسكرا * وتذمر الخيل وتغري العسكرا ”
والقصيدة طويلة على هذا الغرار ولكن لم نسمع بأحد رجال القانون رفع دعوى ضد امير الشعراء او ناشرها وهو الاديب المصري عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي (ت 1363هـ)، في مجلة البيان ، الجزء السابع والخمسون ، الصفحة 19 ، بل لم يطلب احدهم محاكمة احمد بن حنبل الذي نشر في مسنده حديث ان السيدة عائشة لم تطيب نفسها لعلي، وهذا الأمر أيضاً معلوم مشهور عنها، فقد روي أحمد في مسنده 6: 228 عن ابن عباس أن عائشة لا تطيب له نفساً ـ أي لعلي وهو حديث قال عنه الشيخ الألباني في أرواء الغليل 1: 178:(سنده صحيح) .
كذلك لم يعمد احد رجال القانون الى محاكمة ابن قتيبة الذي نشر في كتابه عيون الاخبار الجزء الأول الصفحة 300 ” دخلت أمّ أفعى العبدية على عائشة رضي الله عنها فقالت: يا أمّ المؤمنين، ما تقولين في امرأة قتلت ابنا لها صغيرا؟ قالت: وجبت لها النار. قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا؟ (أي عدد من قتلوا في وقعة الجمل) قالت: خذوا بيد عدوّة الله” .
كما لم تتم محاكمة ابن عساكر وهو يروي رفض السيدة عائشة دفن الحسن مع جده ” “عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال سمعت عائشة تقول يومئذ هذا الأمر لا يكون أبدا يدفن ببقيع الغرقد ولا يكون لهم رابعا والله انه لبيتي اعطانيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حياته وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري وما آثر علي عندنا بحسن” . ولم تتم محاكمة الزبير ابن بكار عندما يروي فرح عائشة بقتل علي “عَنِ ابْنِ دَأْبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَتْ: ” كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ عَائِشَةَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَإِنِّي لَعِنْدَهَا إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مُعَتَّمٌ، عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، فَقَالَ: قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهَ السَّلامُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ:
فَإِنْ تَكُ نَاعِيًا فَلَقَدْ نَعَاهُ … نَعِيٌّ لَيْسَ فِي فِيهِ التُّرَابُ
ثُمَّ قَالَتْ: مَنْ قَتَلَهُ؟ قَالُوا: رَجُلٌ مِنْ مُرَادٍ. قَالَتْ: رُبَّ قَتِيلِ اللَّهِ بِيَدَيْ رَجُلٍ مِنْ مُرَادٍ. قَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَقُولِينَ مِثْلَ هَذَا لَعَلِيٍّ فِي سَابِقَتِهِ وَفَضْلِهِ؟ فَضَحِكَتْ، وَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ إِذَا نَسَيْتُ فَذَكِّرِينِي”
كذلك لم تتم محاكمة البلاذري في أنساب الأشراف قال: “عرضت لعائشة حاجة فبعثت إلى ابن أبي عتيق، أن ارسل إلى بغلتك لأركبها في حاجة، فقال لرسولها وكان مزاحا: قل لام المؤمنين، ما رحضنا عار يوم الجمل! أفتريدين أن تأتينا بيوم البغلة” . ” .
ولم تتم محاكمة الطبري وهو يروي في تاريخه
“لقد أوردتنا حومة الموت أمنا … فلم ننصرف إلا ونحن رواء
لقد كَانَ عن نصر ابن ضبة أمه … وشيعتها مندوحة وغناء
أطعنا بني تيم بن مُرَّةَ شقوة … وهل تيم إلا أعبد وإماء” .
ولمن يحاول العزف على وتر (الوحدة الوطنية ) يجب ان نقول ان هذه الكتب الأربعة التي ذكرناها هي كتب موجودة منذ الاف السنين ومازالت المصدر الأساسي للتاريخ العربي وهناك مثلها اربعمائة مجلد منتشرة في طول العالم وعرضه وليست كتب شيعية كما قد يحاول البعض ان يقول بل هي كتب معتمدة من قبل مليار ونصف مليار مسلم .اذن يجب ان نضع في الاعتبار ان التاريخ عامل مركزي في صناعة الأمم وفي الحفاظ على وحدتها ووجودها، مثله مثل الأرض المشتركة واللغة الموحّدة. فإلى متى سنظل قادرين على منع انبثاق الحقيقة؟
لذلك نقول ان أهمية التاريخ ودوره في تشكيل فهمنا للعالم من حولنا هو الذي سيفتح المجال امام الأجيال القادمة للحاق بركب الأمم فاوربا وامريكا لم تتقدم الا بعد ان تصالحت مع تاريخها وقبلته كما هو. يجب على من يدعي الثقافة ان يبدأ بتفكيك النواة التعصبيّة العميقة الموجودة داخل منظومته الفكرية. وهذا ما فعله فلاسفة التنويرفي أوروبا بالنسبة للمسيحيّة، فقد أشبعوها تفكيكاً ونقداً. ولكنّ هذا الشيء لم يحصل في الإسلام حتى الآن. وهو يُشكّل المهمّة الأساسية الصعبة المطروحة على المثقفين العرب في السنوات القادمة. ينبغي أن يشمل هذا التفكيك كلّ المذهب الإسلامية أقليّة كانت أم أكثرية. فجميعها متمركزة حول نواة تعصبيّة ضيّقة ومغلقة على ذاتها وهذه النواة التعصبيّة هي المسؤولة عن التفجيرات والمجازر الحاصلة حالياً. وبالتالي فالمسألة ليست سياسية فقط، وإنما دينية ثقافية. ولن تحلّ سياسياً قبل أن تحلّ ثقافيا.