18 ديسمبر، 2024 4:54 م

هل ما يزال طالب الولاية لا يولى؟

هل ما يزال طالب الولاية لا يولى؟

واحدة من أكثر المقولات شيوعا في دولنا حينما يدور النقاش حول تولي أشخاص لإدارات في شتى مفاصل الدولة ومستوياتها هي (الرجل المناسب في المكان المناسب) التي تعكس حالة التذمر لدى الأهالي بسبب تولي مجاميع من الفاسدين والفاشلين او غير المؤهلين لمواقع سلطوية وبأساليب بعيدة عن السياقات الإدارية والتكنوقراطية وفي بازارات يتصارع فيها طلاب السلطة على الامتيازات والتكسب وليس لخدمة تلك المؤسسة او الموقع ومن ثم خدمة الاهالي، حيث يحمي وطيس بازار المناصب في العراق ليصل الى عشرات الملايين من الدولارات للمناصب العليا ومئات الالاف للمناصب الأقل شأنا في مواردها وليس في مكانتها.
حينما تشتد تلك الصراعات وتتبوء تلك الشخصيات كراسي السلطة والإدارة ندرك عظمة مقولة (لا يولى طالب الولاية) وروعتها في إعطاء صلاحية الاختيار لهيئة رأي أو جهة تشريعية أو حاكم عادل، لكي يمنع ذلك التهافت والمتاجرة بالمناصب التي ابتليت بها بلداننا ناهيك عن التوسط والرشاوى التي ترافق عملية التنصيب بعيدا عن الكفاءات والاستحقاقات المهنية وميزان الرجل أو المرأة المناسب والمناسبة في المكان والمنصب المناسب، ولا شك بأن ذلك هو الطريق الأقصر والأسلم لتحقيق الهدف المرتجى في تقدم مجتمعاتنا وأداء حكوماتنا وإداراتها بعيداً عن الوساطات والبيع والشراء لكراسي السلطة والمناصب.
ولعل الكثير من المصطلحات الشعبية الدارجة تنطبق على العديد الغالب من متبوئي المناصب في بلداننا وخاصة تلك التي تشبه عريس الغفلة الذي يؤتى به على غرة أو دون سابق إنذار لتزويجه من مطلقة كي يصح إعادتها شرعيا إلى زوجها الأول، أو ربما يؤتى به زوجا لتغطية فضيحة ما، وفي كل الأحوال ليس عليه إلا حمل لقب زوج شرعي لتفادي مشكلة معينة ولملئ فراغ محدد حتى أجل مسمى!
في معظم بلداننا الشرق أوسطية وخاصة العربية منها ومن شابهها عالم عجيب ورهيب هو عالم المناصب والإدارات على مختلف مستوياتها ودرجاتها وامتيازاتها الكارثية وقد اردت بمسمى عريس الغفلة ان الج هذا العالم المقزز الذي يأتي بالمغامر من حلبات الجريمة أو العصابة أو النكرات إلى أعلى المراتب في الدولة، كما قال عنه ومارسه ذات يوم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (نحن نطلق صراح المتهم من على كرسي الإعدام إلى الشارع فوراُ ومنه إلى كرسي الوزارة )، وليس أدل على فوضى المناصب وتقلدها في بلادنا من الانقلابات وما جرى بعدها من أحداث أدت الى دفع أفواج من النكرات والمغامرين وحمقى العسكريين والفاسدين وبقالي السياسة الذين حولوا دولنا إلى هذا الشكل المعوق بعد ما يزيد على قرن من تأسيسها؟
لقد واجهت شعوب هذه الدول التي انتجت تلك الأنظمة المعاقة سياسيا وثقافيا واخلاقيا وموروثها المشحون بالألم والإحباط واليأس تحديات وكوراث أكبر من تحملها أدت الى قبولها بأي تغيير حتى لو كان خارجياً كما حصل في العراق حيث كانت شعوبه تتأمل خيراً بسقوط نظامه الطاغي وبداية حقبة جديدة يفترض أن تكون بالضد تماماً من سابقتها التي اندثرت مع سقوط النظام، لكن الأمور لم تك هكذا في بلاد قضت أكثر من نصف عمرها تحت ظل أنظمة دكتاتورية وزعماء متخلفين أنتجت أجيالاً وأنماطاً من السلوكيات والثقافة البائسة التي نشهدها اليوم في شكل النظام السياسي وأداء عناصره سواء في البرلمان أو الحكومة ومؤسساتها.
فقد حملت سفينة الديمقراطية المستوردة مجموعة من الأحزاب وكتلها واصطفافاتها المذهبية والقبلية مئات النكرات والمتخلفين ممن يحملون لقب عريس الغفلة، الذين حملتهم ثقافة البداوة والعقلية العشائرية أو الطائفية المقيتة لكي يكونوا في مواقع بريئة منهم تمام البراءة، وهم يشغلونها بالتأكيد لحساب منظومة المحسوبية والمنسوبية الخارجة بالتمام والكمال عن أي مفهوم للمواطنة والكفاءة والقيادة، فقد امتلأت مجالس الاقضية والمحافظات والبرلمان وكل الوزارات دون استثناء بالمئات من الراقصين على كل الحبال منذ زعيمنا الأوحد وحتى بطل التحرير القومي ومختار زمانه، وهم يقومون بواجباتهم في تدمير البلاد وإفسادها حتى غدت الأكثر فسادا وفشلا في العالم حسب توصيف مؤسسات الشفافية العالمية؟
بعد عقدين من تغيير نظام الحكم وتطبيق مفترض لنظام ديمقراطي يضع الانسان المناسب في مكانه المناسب؛ يخرج علينا أحد الوزراء معترفا بأنه تلقى مكالمة هاتفية في منتصف الليل من زعيم احدى الميليشيات تبلغه بانه أصبح وزيرا لوزارة يفترض ان يكون وزيرها على اقل تقدير من علماء البلد!
وتبقى مقولة لا يولى طالب الولاية موقوفة عن التنفيذ حتى يظهر الشخص المناسب الذي يعتلي مكانه المناسب!
[email protected]