سيد الرئيس يجب ان ندعو الشيطان بأسمه. هذا ما قاله عضو الكونغرس الامريكي لرئيس الجمهورية تعقيبا على تصريحاته بشأن حوادث فرجينا المتعصبة والتي ذهب ضحيتها ثلاثة أشخاص لا غير. إذن هذا ما جرى في الولايات المتحدة الامريكية ، فقد اضطر عضو الكونغرس الامريكي ان ينبه رئيس بلاده لان يسمي الشيطان بأسمه الحقيقي ويخاطبه مباشرة لكي لا تلتبس الأمور اكثر مما هي ملتبسة الان ، لاسيما والتباين واضح بين ما دعى اليه قادة أمريكا القدماء ، الذين ارسوا مباديء الحرية والديمقراطية ، ووضعوا اسس المساواة ونبذ التفرقة للشعب الامريكي ، وفتحت الأجيال الامريكية الحديثة عينها عليها ، وبين ما يدعو اليه بعض الناس الان هنا وهناك خلافا لذلك من تعصب في بعض الولايات الامريكية.
فهل لنا نحن العراقيون ككل ان نقتبس ما نشاهده في الولايات المتحدة الامريكية وندعو رئيس الوزراء العراقي د. حيدر العبادي لان يسمي الأشياء ، كل الأشياء ، بمسمياتها؟ ويهجر التحدث عنها همسا او رمزا ، وندعوه ان يخاطب هذا وذاك وكذلك هذا التجمع او ذاك ، حتى وان كان ينتمي الى بعضها ، يخاطبهم بمسمياتهم الحقيقية لا المصطنعة ، وندعوه ايضا ان يتوقف عند كل مرتكزات الدولة الحالية من غير استثناء ، ويصف حالها كما يراها الشعب العراقي ، واولها برلمان سليم الجبوري؟
وقد يسألنا د. العبادي بالمقابل ، كيف لي ان اصنع كل هَذَا؟ فما الأدوات التي امتلكها او تلك التي بين يدي ، لأهدم بها كل هذه الصخور العملاقة؟ أين أنتم من كل هذا؟ اليس أهل مكة ادرى بشعابها؟ فما بالكم تغفلون كل هذا وعن عمد ، لتضعوا على أكتافي ما لا أستطيع حمّله؟
وهنا نعطي الحق كل الحق للسيد العبادي ، لأننا لو راجعنا انفسنا ولو لدقيقة واحدة ، لوجدنا بما لا يقبل الشك او الالتباس ، انه ليس بيدنا الان ان نقدم للسيد العبادي اي شيء ، مهما كان بسيطا ، ليدعمه في ممارسة النهج الموضح أعلاه وكشف المستور ، لأننا تنازلنا من قبل الان عن كل صلاحياتنا وفوضنا امرنا لبرلمان سليم الجبوري ، وما بقي منها فقد فوضناها للتجمعات السياسية وغير السياسية المريضة المتناثرة هنا وهناك واطلقنا يدها لان تعمل كلّها ومن غير استثناء وفق برامجها الضيقة والسقيمة.
نحن الان امام معادلة صعبة ومعقدة للغاية. فلا العبادي على سبيل المثال ، او غيره ، وفق مشروعه ونهجه الحالي ، وحسب الادوات المتوفرة بين يديه ، التي هي بشكل او بأخر ، امتداد لأدوات سلفه في الحكم ، قادر على ان يجمع الشعب العراقي ويوحده حوله ويمشي به نحو بر الأمن والازدهار. ولا الشعب العراقي بكل اطيافه هو الاخر قادر على ان يكسر الطوق الذي يلف حول رقبته بإحكام ويتحرر من القيود التي تحول دون إدلائه بصوته بصورة صحيحة ليعطي الوعد والامل للسيد العبادي وغيره.
الادوات التي بيد العبادي الان في اغلبها محكومة بنهج وثقافة الممارسة السياسية الجارية والتي تقوم وبشكل واضح على المحاصصة الاثنية والطائفية وتبعتها الفساد ولا شيء غير ذلك ، وهي أدوات مستارثه. ولا الجماهير الشعبية هي الاخرى قادرة على التعبير عن نفسها بصورة واضحة ومسؤلة بحيث تتبنى بحزم الدعوات التي تدعوا الى الوحدة والإصلاح لانها ينقصها الوعي وينقصها التنظيم ، التنظيم الاجتماعي قبل التنظيم السياسي ، ويضعف وحدتها التأثيرات التي تُمارس عليها وفق الظروف الحالية الصعبة والثقافة الخاطئة المنتشرة في كل مكان.
فما العمل ، هل يبقى الشعب العراقي ، والقيادات التي تحكمه ، والأخرى التي تنوي ان تحكمه ، كل منهما يجري في فلك لا يلتقي مع الفلك الاخر؟
ان البداية ترسم النهاية. فعلى العبادي او غيره ان يفصح عن نفسه ، وعن غايته ، وماذا يريد ، وهل يبقى حبيس خلفيته الاجتماعية ومعتقداتها وقيودها الضيقة ، ام ينتقل الى صوب الجماهير العراقية الواسعة والمتنوعة وتطلعاتها ؟ هل انه عازم ان يُغادر الحوض الصغير الذي يعوم فيه الان ليلتحق بالحوض الكبير الذي يعوم به عموم الشعب العراقي؟ وهل هو ، كائن من يكون ، سواء كان العبادي او غيره ، قادر وعازم على ان يتبنى ما يتطلع اليه الناس كل الناس من ابناء ألشعب؟
ان قال نعم ، فأن أول خطوة يرسمها بهذا الاتجاه ينبغي ان يفكك الادوات الضيقة والمستارثة التي يرتكز عليها الان ويستبدلها بأدوات اخرى ، وطنية وشاملة ، لا تخضع في انتقاءها للضوابط التي جاءت بالادوات القائمة ، أدوات نظيفة وكفؤه ، أدوات جديدة ورحبة ، ترفض المحاصصتين الطائفية والإثنية ، وترفض الفساد ، وترفض الخطوط المصطنعة ، التي رسمت عن قصد ، لتعزل الشعب العراقي عن بعضه البعض. أدوات تأتي من كل المنحدرات الشعبية ، دون تفريق او تمييز. وهذا ينبغي ان يكون شاملا ومتبعا في كل التنظيمات السياسية مهما كانت تسمياتها ومهما كانت مواقعها من التقسيم الجغرافي للعراق. دساتير دول كثيرة تحرم إقامة احزاب وتنظيمات سياسية على اسس دينية او مذهبية او عرقية ، فما بالنا نحن ، نشذ عن العالم؟
وان قلنا نحن الجماهير العراقية نعم ، فينبغي علينا ان نفوت الفرصة على كل من يريد بِنَا بسوء ، ونقول له كفى. فلا انسياق خلفهم كأنسياق الماضي ، الذي يسعون الان وبكل نية الى سرمدته ، ولا انتماءات ضيقة كتلك التي رسموها لنا واوصلتنا الى ما نحن فيه الان ، ولا تصويت في الانتخابات القادمة على وفق التصويت في الانتخابات السابقة.
انها عملية معقدة وصعبة بالنسبة للاثنين على حد سواء. صعبة للكيانات السياسية ، كل الكيانات ، لان ظروف كثيرة قد حددت لها هذا المسار. وصعبة على الجماهير العراقية لان القيود التي فرضت عليها ليس من السهل الافلات منها. ولكن لا سبيل اخر لنا غير ان نخوض هذه المعركة الصعبة والشاقة مهما استغرقت من وقت وجهد. ومن غيرها سنبقى على هذه الحالة التي لا تشرف احد وصفها مهما طال الزمن. ان المسئولية تقع على كاهل الجماهير العراقية اكثر من غيرها.