22 ديسمبر، 2024 4:09 ص

هل للحيلة الشرعية مصداق بالمنظور العقلي؟

هل للحيلة الشرعية مصداق بالمنظور العقلي؟

كثيرا ما نسمع من رجال دين اصطلاح الحيلة الشرعية وبتعبير ادق وأكثر تهذيبا الفرار من التكليف والواجب الشرعي .
لقد استوقفتني هذه العبارة وتأملتها كثيرا وكنت أظن أنها من زعبلات بعض المعممين الذين لم يدركوا مباحث الأصول والفقه ولكن بعد رجوعي الى اكثر من رسالة عملية لفقهاء كبار تيقن لي مصداق هذه العبارة في الجانب الشرعي فمثلا إذا أردت ان تفطر عمدا في احد أيام شهر رمضان فالنص الفقهي يواجهك بعقوبة قاسية وهي اما عتق رقبة او الصيام لشهرين متتابعين او اطعام ستين مسكينا وهناك فقهاء يتشددون على التسلسل في هذا لا الاختيار ولكن في ضوء الحيلة الشرعية يمكن ان تسافر لمسافة 22.5 كم ذهابا وبقدرها إيابا وتصبح في حل من هذا القيد (الكفارة) على ان تقضي هذا
 اليوم متى ما شئت .
 والخمس فريضة واجبة عند فقهاء الأمامية فلا تجوز الصلاة في الدار غير المخمسة والثوب غير المخمس وكل شيء يتعلق به الخمس باستثناء مؤنه المكلف لمدة عام من الأكل والشرب وأثاث البيت والسفر والعلاج وغيره وما زاد عن ذلك فالخمس متعلق به ولكن هناك من يستخدم الحيلة الشرعية للفرار من هذا الواجب بالإكثار من شراء سلع المؤنة لأثاث البيت ليستخدمها فترة قصيرة ثم يستغني عنها لتصبح معفوه من الخمس وعلى هذا الأساس نرى بعض المكلفين قبل حلول سنته الخمسية يتفنن في شراء السلع والمواد المذكورة او البعض عندما ينوي السفر الى الحج فبدلا من تخميس امواله
 يقوم بتوزيها على اولاده  لتفريغ ذمته ماليا فرارا من أداء الخمس .
والزكاة واجب شرعي ولكن يتوقف اداءها على النصاب ففي الاغنام النصاب 40 شاة ولكن يمكن الفرار من اداء الزكاة بانقاص النصاب شاة واحدة اما ببيعها او ذبحها وحتى استبدالها بحيوان من جنس اخر.
والربا محرم حرمة شديدة ولكن هناك من يتحاليل بالحيلة الشرعية ويترابا بضمان بيت المقترض بطريقة صورية (رهن).
لقد وصل الامر في التمادي لاستخدام الحيلة الشرعية الى تناول المنكرات من المسكرات (البيرة الإسلامية) بتبريرانها خالية من الكحول او نسبته قليلة فيها والغريب انها تنتج في دول اسلامية تدعى الريادة والوصاية على باقي المسلمين.
لقد رأيت الكثير من يعامل هذه البيرة الإسلامية بمواد سكرية لتكون بيرة حقيقية تسكر وتعطي النشوة ولقد اضطررت ان استفسر من مكتب احد مراجع الدين الكبار حول الحلية او الحرمية في تناولها وكنت أظن يأتيني الجواب بحرمتها بالعنوان الثانوي ان لم تكن الحرمة بالعنوان الأولي ولكن للأسف أتاني الجواب من لجنة الاستفتاء مطاطيا مضمونه إذا كانت تسكر وتخلق النشوة فهي حرام .
لقد كان هذا الجواب يتطلب مني او من أي مكلف ان يجرب الشرب حتى يصل الى يقين الحلية او الحرمية والمفروض ان يحصل المكلف على الجواب بالنهي او بالعمل لا بالتجربة والتجريب.
إنني شخصيا أرى شبابا يشربون وبأكثر من قنينة جهارا إمام المارة وبهذا يكون عملهم نوع من التجري وانتهاك للحرمة وبعضهم يثقل لسانه وتبدوا عليه علامات السكر ويفقد رشده لإسرافه في الشرب.
لقد امتد امرالحيلة الشرعية الى بيع اللحوم الغير مذكاة ( استيراد من دول غير اسلامية ) فالبعض يبيعه للآخرين ويفتيهم بحليته مستفيدا من مضمون الفتوى
 ( يحل بيع اللحم الغير مذكي ويحرم أكله ) ولا نعرف كيف تكون لهذه الفتوى مصداق في الواقع العملي ونحن في سوق جميعه مسلمين !!! على من يبيع هذا البائع وهل معنا كفار؟
ان هذه الفتوى أطمعت التجار من جلب اللحوم الغير مذكاة بكميات كبيرة وقد تخلط مع لحوم مستورده من مناشىء اسلامية للتمويه إضافة الى انها تجريء ومعاونة على إتيان الحرام للمستهلكين .
ان من المعروف كل العبادات لها مقدمة وهي النية فلا صلاة ولا صوم وحج بدون نية والحيلة الشرعية نيتها المبيتة ظاهرها حميدا وباطنها خبيثا ومغرضا القصد منه الفرار من التكليف او الواجب الشرعي او إباحية العمل المحرم وان الله مطلع على السرائر والنوايا وكل شيء مسجل في كتاب لا تغادره صغيرة ولا كبيرة فهل يعقل ان الله لا يطلع على النية الباطنية للمكلف بتحايله هذا ؟
هذا محال ولا يمكن ان يستسيغه عاقل.
ان الحيلة باسط صورها هي المكيدة والخداع فلا يمكن ان تقترن وتجتمع بأي حال من الأحوال مع حكم الشرع ، ان هذا تناقض بعينه كما هو التناقض بين الحق والباطل فلا يمكن ان يجتمعا مطلقا (المتناقضان لا يجتمعان) وبهذا ستكون الحيلة الشرعية ليس لها مصداق في الجانب العقلي وتتعارض مع النية الصادقة والحميدة وفرارا من فعلية الحكم الشرعي ( ثبوته في ذمة المكلف ) مع إنني أدرك تماما ان الوجوب لا يمكن ان يدعوا الى موضوعه كما في وجوب الحج توقفه على الاستطاعة ولكن لا يفرض على المكلف ان يجهد ليحصل على الاستطاعة وكذلك الصوم يفرض على المكلف الغير مسافر ولكن
 لا يفرض على المكلف ان لا يسافر ولكن في أمثلتنا الموضوع تحقق والمكلف يريد ان ينفي وجوده بالتحايل الشرعي باصطناع السفر عبثا لا حاجة وتوزيع الأموال لتفريغ الذمة ليكون الحكم سالب بانتفاء الموضوع او انها محاولة لتعجيز الواجب او الحكم الشرعي.
 أخيرا دعوة لإبداء الراي والملاحظات وتصويبي ان كنت مخطأ وفق الدليل العقلي لا النقلي كما هو العادة في الطريقة الإنشائية قيل او يقال او روي او يروى او حجة البعض الجاهزة إذا حكم الشارع بطل حكم العقل .