22 ديسمبر، 2024 6:23 م

رَحِمَ الله كوكب الشرق أم كلثوم حين غنّتْ “للصبر حدود”، لكن هل سَمِعَ مِنكم من تغنّى “للحماقة حدود”؟.

العراقيون هم أول ضحايا الحماقات وصُنّاعها، فأزمِنَتهم وتاريخهم السياسي وحتى الحياة التي كانوا يعيشون مُفردات دورتها تلوّنتْ بألوان شتّى مِن الحماقات.

ربما كان سيتغيّر الكثير من حياتهم وواقعهم لو تَمّ وَأدها أوالإنقضاض عليها.

لم يَكُن صدام حسين سوى أحمقاً كبيراً إلى درجة الغباء حين ظنّ أن الهُراء والعنتريات وتحدي العالم سيجعله من المُنتصرين الغانمين.

كان الرجل يبيع الوهم على شاشة التِلفاز وهو يستعرض صناعاته الحربية وأسلحته الوهمية التي سيحرق بها نصف إسرائيل، تمادى في الضحك والأوهام والسُخرية حتى ظنّ المجتمع الدولي أنه يقول الحقيقة.

في إحدى المرات هبطت طائرة هليكوبتر أمريكية هبوطاً إضطرارياً عند دخول الجيش الأمريكي بغداد لإحتلالها عام 2003 بِفعل إطلاقة بندقية أطلقتها يد فلاح بسيط، فقال لهم الرئيس أنه يملك سِلاحاً مُخيفاً يحتفظ به لإسقاط طائراتهم (الشبح) التي كانت تجوب بغداد.

إجتمع القوم بِمُستشاريهم ووكالاتهم الإستخباريّة وعُلمائهم للتباحث في قُدرة هذا السلاح التدميري وإمتلاك النظام له.

دخلت فِرق التفتيش عن الأسلحة المُحرّمة حتى إلى غُرف منام الرئيس وعائلته، لكنهم لم يجدوا شيئاً، وبالرغم من ذلك كان صدام يتحدّى بِحماقاته أولئك.

أمريكا وتحالفها الدولي كان يُراقب، يرى ويسمع مايحدث، لكنّهم إلتزموا الصَمتْ والإنتظار، في حين كان العراقيين يدفعون ثمن تلك الحماقات من حياتهم وأرزاقهم وأرواحهم، كانت نِعوش الأطفال الخُدّج الصغيرة تجوب شوارع بغداد، تحمِلُها أيادي المُشيّعين، فقد أصبحوا ضحايا إنقطاع التيار الكهربائي عن المُستشفيات.

أصبح الموت يصطادهم مثل الفرائس عندما إختفى الدواء والغذاء من الأسواق بسبب الحِصار الإقتصادي الذي فرضته حماقة أمريكا، كان ملك الموت ينظُر إليهم ويصيح هل من مزيد؟.

الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت كوفي عنّان كان يزور العراق حين كان الشعب يموت جوعاً ويلتقي صدام ونظامه على أفخم الموائد وأغلى أنواع الطعام ، ويسبح في مسابح القصر الجمهوري، ويقف مُنتشياً أمام الصحفيين ليقول “يجب رفع الحِصار عن الشعب العراقي لأنه تجويع لا مُبرر له”، في حين كان يُناقض كلامه عندما يسير في أروقة مجلس الأمن الدولي وتحت قُبّة قاعته ويتحدّث عن ضرورة تنفيذ النظام لإلتزاماته تجاه المُجتمع الدولي وإلاّ فإن الحِصار باقٍ.

كانت الحماقات تتوالى من جميع الأطراف والمُتضرر الوحيد هو المواطن العراقي.

مُصيبة الأحمق أنه لايشعُر بِحُمقه، بل أنَّ حماقاته لايدفع ثمنها سوى الأقربون والمُحيطون به.

أخيراً بعد سلسلة من السفاهات كان القرار الأصعب بإنهاء تلك الحماقة وإسقاط النظام السياسي بالعراق في التاسع من نيسان 2003.

لم تستفد أمريكا من حُمقها السابق، بل كَبُرت دائرته وإتّسعتْ عندما إنقضّتْ على العراق وشعبه وثرواته، وجعلتْ من الحمقى الجُدد ساسته الذين يؤول مصير البلاد والعباد، ربما كانت الرعونة مقصودة ومُتعمّدة.

بعد عقدين من إحتلال العراق وتولّي الحُكم الجُهلاء ومن يتسابقون لإرضاء السفارات بِفروض الولاء والطاعة وحمقى وحماقات مُختلفة ومُتنوعة في صور كثيرة كانت البدايات من الطائفية ومُسلسل السيارات المُفخخة والعبوات الناسفة والأجساد التي تُفجِّر نفسها لِتتغدّى مع الرسول (ص).

وأخيراً الفساد الذي أصبح ينهش بإجساد العراقيين وينقضّ عليهم وكأنه منتوج مُصنّع لايتوقف عن الإنتاج من بضائع الإنحطاط والإنهيار.

مُتوالية الحماقات التي تمر من أمام أنظار أمريكا وهي ترى وتسمع وتُراقب، ربما يكون مقصوداً لِمآرب أخرى في مايحدث في هذا الوطن من تدمير مُمنهج وتخريب مُبرمج.

العراقيون وحدهم من يُسدّد فاتورة الحماقات التي توالت عليهم سواءً من الخارج أو الداخل عندما تحوّلت إلى حياة يعيشونها وأخطاء إعتادوها في سنواتهم العِجاف يتنفّسون روائحها النتنّة التي تنبعث من السياسة والإقتصاد وواقعهم الإجتماعي والثقافي.

المُفارقة أنَّ المواطن بات يُدرِك أنه يعيش في كِذبة كُبرى تقوده من حماقة إلى أخرى ولاحول له ولا قوّة، وربما حان الوقت الذي يتوقّف به زمن الحماقات والسفاهة، فالحماقة لابُد لها من حدود.