استمر تدهور حالة حقوق الإنسان في العراق من ٢٠٠٣ ولحد الان ، إرتكبت فيها قوات الأمن الحكومية ، والمليشيات المتحالفة معها ، والمليشيات التابعة للأحزاب الدينية حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان ، هذا من غير ذكر للعمليات الإرهابية التي فتكت بالشعب العراقي ولم تفرق بين طفل وشاب وامراة وشيخ ، فالموت في بلاد الرافدين ليس موسمياً كالإمطار ، بل هو يطل علينا من كل زاوية من زوايا الحياة منتهكاً بذلك ابسط مقومات حقوق الانسان .
مؤخراً بدأت القوات العراقية بكافة فصائلها بشن هجمات عشوائية على المناطق الخاضعة لتنظيم داعش الإرهابي ، وكلنا نعلم خطورة شن هجوم عشوائي على منظمة ارهابية خطرة تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية لها ، فقد قامت هذه القوات بعمليات قتل خارج نطاق القضاء مما دفع هذا التنظيم الإرهابي باتخاذ ردة فعل ضد المدنيين العزل في المناطق الخاضعة تحت سيطرتها فقامت بأعمال قتل اتخذت شكلاً جماعياً ، وعمليات اختطاف ، بما في ذلك اختطاف نساء وفتيات بغرض الاسترقاق الجنسي ، مما دفع القوات الموالية للحكومة من احتجاز آلاف المعتقلين دون محاكمة ؛ بينما استمر تفشي التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة ضد المعتقلين ، ولم تلبِّ العديد من المحاكمات المعايير الدولية للنزاهة ، وواجهت النساء والفتيات التمييز والعنف الجنسي وغيره من أشكال العنف ، فيما استمر عمل الصحفيين وسط ظروف محفوفة بالمخاطر ، وغالباً مايواجه هؤلاء الصحافيين تهماً قد تصل بالارهاب او المساس بامن الدولة المتجسدة بأسماء معينة واحزاب هي من تملك القرار الاول والاخير في هذا البلد .إن حقوق الانسان في العراق مازالت محض كلام ، ولازال الإنسان العراقي يتعرض الى انتهاكات خطيرة لحقوقه وحرياته وتحت مسميات وعناوين كثيرة وهو ما يجب وضع حد له بسرعة ، والخطوة الأولى إلى ذلك هو الوعي بهذه الانتهاكات ومعرفتها من قبل الافراد والمؤسسات التي يهمها احترام الانسان وحقوقه في العراق ، وهنا يجب ان اذكر جزء بسيط من احد التقارير التي اصدرتها منظمة العفو الدولية عن وضع الإنسان وحقوقه في العراق ؛ فقد جاء فيه : ( قُتل آلاف المدنيين أو أُصيبوا، ومن بينهم أطفال ، مع استمرار العنف الطائفي وغيره من أشكال العنف ، وارتكبت جميع الأطراف الضالعة في القتال انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ، وبعضها يُعد بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، ولقي كثير من المدنيين مصرعهم نتيجة هجمات بالقنابل نفذتها جماعات تعارض الحكومة ، بينما سقط آخرون ضحايا لأعمال قتل طائفية على أيدي جماعات مسلحة شيعية وسُنِّية ، واختُطف مئات الأشخاص وتعرضوا للتعذيب والقتل ، وتُركت جثثهم في الشوارع أو عثر عليها أهالي الضحايا في المشرحة ، وأدى تصاعد الطابع الطائفي للعنف فرار مئات الآلاف من الأشخاص من ديارهم ، مما زاد من أعداد اللاجئين العراقيين أرج البلاد ، حيث بلغ عددهم نحو مليوني لاجئ ، كما زاد من أعداد النازحين داخل العراق إلى ما يربو على مليوني شخص ، كما زادت عمليات التصفية الجسدية للكفاءات الطبية والعلمية والصحافية من قبل المليشيات التابعه للأحزاب الحاكمة وضاعف هذا الوضع من تفاقم الأزمة الإنسانية في العراق الى حدٍ مخيف . )
كما شاعت بعض التقارير الدولية عن تعرض المعتقلين في العراق بما في ذلك القُصَّر للتعذيب أو غيره من صنوف المعاملة السيئة على أيدي قوات الأمن العراقية والمليشيات التابعه لها ، وكان آلاف السجناء محتجزين في السجون ومراكز الشرطة ومعسكرات الاعتقال التي تديرها السلطات العراقية بإشراف من المليشيات المتنفذة ، وهي تتسم بالاكتظاظ الشديد ، وكان كثير من المحتجزين محرومين من الاتصال بمحامين ، ومن شأن هذه الظروف أن تسهل التعذيب ، ويذكر ان عدد من المعتقلين كانوا محتجزين في منشأة في حي الكاظمية ذي الأغلبية الشيعية في بغداد ، قد ذكروا لأحد مسؤولي الأمم المتحدة إنهم كانوا يتعرضون للضرب بصفة منتظمة ، وللتعليق من الأطراف لفترات طويلة ، ولتسليط صدمات كهربائية على أجزاء حساسة من الجسم، ولتهديدات بإساءة معاملة أقاربهم المقربين ، وكما كان الحال في سنوات سابقة، فقد أعلنت الحكومة عن إجراء تحقيقات بخصوص ادعاءات محددة عن انتهاكات على أيدي قوات الأمن العراقي والمليشات التابعه لها ، إلا إنها لم تعلن عن نتائجها، وهو الأمر الذي يعزز القلق بشأن تفشي الإفلات من العقاب ، وقد ذكرت ” جمعية العدالة للسجناء “، وهي منظمة عراقية غير حكومية معنية بحقوق الإنسان ، إنها أجرت مقابلات مع خمسة أطفال ، تتراوح أعمارهم بين ( 13 عاماً و17 عاماً ) ، كانوا قد تعرضوا للتعذيب على أيدي قوات الأمن العراقية للاشتباه في أنهم يقدمون يد العون للجماعات الإرهابية .
كما تصاعدت وتيرة العنف ضد المرأة ، واضطُرت الكثيرات لترك وظائفهن أو البحث عن ملجأ خارج البلاد بعد تلقيهن تهديدات بالقتل ، ففي البصرة مثلاً ، قُتلت نحو خمسون امرأة وفتاة خلال فترة قصيرة على أيدي جماعات مسلحة شيعية تتنافس من أجل السيطرة على المنطقة حسبما ورد ، وفي معظم المحافظات ، كانت النساء يتعرضن بشكل متزيد لتهديدات من مسلحين إذا ما خالفن القواعد الصارمة المتعلقة بالزي ، وأفادت بعض التقارير بأن حوادث العنف في محيط الأسرة والقتل بدافع الشرف تتزايد ، وأن تصاعد التوتر الطائفي يعرض النساء المتزوجات من رجال من طوائف أخرى للخطر وهذا ماهو متعارف عليه في اغلب المحافظات العراقية على حدٍ سواء .
لا يوجد اسمى وانبل من إنسانية الانسان ، بغض النظر عن لونه ودينه وطائفته وانتمائه ، فالانسانية هي ان يشعر الإنسان بإنسانيته وبكيانه وبكرامته وحريته ، وهي من البديهيات التي لا يخلف عليها اثنان، وكلما ازدادت الإنسانية نضجاً ووعياً كلما ازدادت تمسكاً وتطلعاً إلى تعزيز هذا الشعور وتمثُّله في الواقع الخارجي، بل إن الإنسان إذا ما فقد هذا الإحساس الجميل بإنسانيته تجده حينها فاقداً لكل معاني الحياة الكريمة ، و يصبح حينها مجرداً من كل شيء اذا فقد هذه الصفة الرائعه التي غرسها الله سبحانه وتعالى في نفسه بصفة غير مكتسبة ، فهي تلازمه من اول لحظات المهد ويلهمه بان يحافظ عليها حتى اللحد ، ومابين هذا وذاك إما أن يكون إنسان أو يختار لنفسه الطريق الاخر .