23 ديسمبر، 2024 8:24 ص

هل كسر لقاء موسكو حالة الجمود بين أنقرة ودمشق؟

هل كسر لقاء موسكو حالة الجمود بين أنقرة ودمشق؟

شهدت موسكو جولة جديدة من مشاورات التسوية التركية السورية بوساطة روسيا وإيران – وهذه المرة على مستوى وزراء الخارجية، (الروسي سيرغي لافروف، والإيراني حسين أمير عبد اللهيان، والسوري فيصل المقداد ، والتركي مولود تشاووش أوغلو ، ليكون هذا اللقاء ، البوابة للمرحلة المقبلة ، التي تؤدي الى لقاء قمة بين قادة سوريا وتركيا.
اللقاء الرباعي حول سوريا وكما أشار الوزير لافروف، إلى أن الاجتماع الحالي هو أحد مراحل تسوية سورية طويلة الأمد، سبقتها عدة جولات من المفاوضات على المستوى العسكري، وممثلي الخدمات الخاصة ، وعلى وجه الخصوص ، في 25 أبريل ، عقد الاجتماع الثاني في روسيا الاتحادية بمشاركة وزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا وكذلك إيران ، التي انضمت إلى هذا الشكل ، ويفترض أن تكون نتيجة المسيرة الدبلوماسية مفاوضات على مستوى رئيسي سوريا وتركيا.
ويبدو إن موسكو حققت نجاحا ، بمحاولة جديدة للتقريب بين دمشق وأنقرة ، في الاجتماع الذي طال انتظاره لوزراء خارجية الدول الأربعة ، وكانت احدى نتائجه المهمة ، هو قرار وضع “خارطة طريق” لتطبيع العلاقات التركية السورية ، ومن الواضح أن الأطراف مستعدة للتعاون في القضايا الأمنية ، لكن المصالحة الكاملة بين تركيا وسوريا لا تزال بعيدة ، وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيانها ، إن وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا وإيران ، ناقشوا إعادة العلاقات بين الدولتين السورية التركية ، واتفق المشاركون في الاجتماع ، على توجيه نوابهم لإعداد “خارطة طريق” لتعزيز العلاقات بين أنقرة ودمشق بالتنسيق مع عمل وزارات الدفاع والخدمات الخاصة في الدول الأربع.
واقترح وزير الخارجية الروسي ، بصفته مضيف الاجتماع ، وضع خارطة طريق لعدد من المشاكل التي تعيق المصالحة بين أنقرة ودمشق ، وتحدث الدبلوماسي عن اعتراضه على “التدخل الخارجي الفاضح في شؤون المنطقة خاصة مع استخدام القوة العسكرية” ، في الوقت نفسه ، على حد قوله ، بدأت الولايات المتحدة الآن تشكيل ما يسمى بالجيش السوري الحر بمشاركة مسلحين من أجل زعزعة استقرار الوضع في البلاد ، وقال ” – حسب معلوماتنا ” ، بدأ الأمريكيون في تشكيل ما يسمى بالجيش السوري الحر ، في محيط الرقة السورية ، بمشاركة ممثلين عن العشائر العربية المحلية ومسلحي داعش (منظمة محظورة في الاتحاد الروسي) و المنظمات الإرهابية الأخرى ، والهدف واضح – هو استخدام هؤلاء المسلحين ضد السلطات المسلحة الشرعية في سوريا العربية ، لزعزعة استقرار الوضع في البلاد.
وأشار الوزير الروسي بشكل عام ، إلى أهمية تطبيع العلاقات بين الجمهورية العربية السورية ودول أخرى في المنطقة ، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية ، وكذلك استئناف الاتصالات الدبلوماسية بين الرياض وطهران من خلال وساطة بكين ، وكذلك تم في 7 مايو ، الإعلان عن عودة سوريا لعضوية جامعة الدول العربية ، وفي 19 مايو ، تمت دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور قمة لهذه المنظمة ، والتي ستعقد في المملكة العربية السعودية ، وأقترح لافروف بعد نتائج الاجتماع الرباعي ، وضع خارطة طريق للتطبيع السوري التركي ، والتي سيتم تقديمها إلى رؤساء الدول ، يوجب أن تتيح الخريطة هذه ، تحديد مواقف الأطراف المتعاقدة – سوريا وتركيا – بوضوح بشأن الموضوعات ذات الأولوية بالنسبة لهم ، مما يعني حل مهمة استعادة السيطرة على الحكومة السورية في جميع أنحاء البلاد ، وضمان أمن موثوق وبحسب الوزير لافروف ، فإن الحدود المشتركة التي يبلغ طولها 950 كيلومترا مع تركيا تقضي على احتمال وقوع هجمات عبر الحدود وتسلل إرهابيين ، بالإضافة إلى استعادة روابط النقل واللوجستيات والتعاون التجاري والاقتصادي بين تركيا وسوريا ، والتي كانت مقطوعة في السابق بسبب الأعمال العدائية ، وتسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين إلى الأراضي التي تسيطر عليها دمشق.
وبدوره فقد قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عقب المحادثات “أكدنا على أهمية التعاون في مكافحة الإرهاب وتوفير البنية التحتية للعودة إلى الوطن ودفع العملية السياسية ووحدة أراضي سوريا” ، في حين سبق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، الاجتماع الرباعي ، بالقول ، بإن عمليات القوات المسلحة التركية على الحدود مع سوريا والعراق لم تكتمل ، وأن أنقرة تنتظر اللحظة المناسبة ، وقبل ذلك ، قال الممثل الرسمي للرئيس التركي ، إبراهيم كالين ، إن أنقرة مستعدة لعملية عسكرية جديدة في شمال سوريا ويمكن أن تبدأ في أي لحظة ، في غضون ذلك صرح الرئيس السوري بشار الأسد ، خلال زيارته لموسكو في مارس / آذار أنه وافق على لقاء نظيره التركي فقط إذا سحبت تركيا قواتها من سوريا.
وكما هو معلوم الان فان حوالي 65٪ من أراضي سوريا هي تحت سيطرة الحكومة السورية ، ومعظم المحافظات الشمالية الشرقية في الرقة والحسكة ، وكذلك الأجزاء الشمالية من محافظة دير الزور ، تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية ، وتتكون بشكل رئيسي من الميليشيات الكردية ، وجزء من إدلب احتلته حركة تحرير الشام المتطرفة (منظمة محظورة في روسيا الاتحادية) ، وتقع عدة مناطق في حلب والرقة والحسكة وإدلب تحت حماية الأمر الواقع لأنقرة ، والتي تأسست نتيجة العمليات العسكرية التركية درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام ، لذلك تركيا مهتمة بهذا الاجتماع ، ولا يمكن لها إلا أن تشارك ، لأنها في إطار عملية أستانا التي حققت بعض النتائج ، وبالنسبة لتركيا هذا أحد الأطر الرسمية التي تضفي الشرعية على وجودها في سوريا ، وأن هناك شيئًا آخر ، تركيا عضو في الناتو ، وهذه الكتلة ليست غير مبالية على الإطلاق عندما تتاح الفرصة لأحد أعضائها للمشاركة في مثل هذا الشكل .
ومع ذلك ، في الوقت الحالي ، من المستحيل القول على وجه اليقين ، من في القمة السورية التركية ، في حالة انعقادها ، يمكن أن يمثل أنقرة ، حيث ستجرى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في البلاد في 14 مايو ، في الوقت نفسه ، ووفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة ، فإن فوز أردوغان ليس مضمونًا بأي حال من الأحوال ، ومع ذلك ، حتى لو نجح مرشح المعارضة ، كمال كيليجدار أوغلو في الانتخابات ، فإن أنقرة لن تسحب قواتها ، كما يعتقد المحللون الروس ، ويشيرون إلى أن “هناك مصالح موضوعية ، ولا يمكن لأي من القادة المنتخبين في البلاد ، بغض النظر عن توجهه السياسي ، أن يتجاهلها” ، ومع ذلك ، فإن مشاركة تركيا في هذا الاجتماع الرباعي في موسكو يجب أن يُنظر إليها على أنها حضور غير مباشر لعضو في الناتو في التسوية السورية .
و كانت المناقشات بين دمشق وأنقرة أكثر حدة ، وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ، رغم أن هناك فرصة للعمل المشترك مع تركيا ، ولهما أهداف ومصالح مشتركة ، فإن وقف الوجود العسكري الأجنبي غير الشرعي في سوريا ، بما في ذلك التواجد التركي ، يمثل أولوية لبلاده ، وشدد على أنه “بدون إحراز تقدم في هذه القضية سنبقى في مكاننا ولن نتوصل إلى أي نتائج حقيقية” ، لذلك ما زال من الصعب جدا على سوريا وتركيا ، إيجاد تقارب في المواقف من هذه القضية ، وإن التسوية السياسية للوضع في سوريا لا تعتمد فقط على موقف تركيا ، بل المشكلة الأساسية هي إعادة دمج مناطق شمال شرق سوريا ، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ، وهي مليشيات ذات أغلبية كردية ، وإن التسوية السياسية للأزمة السورية من غير المرجح أن تكون ممكنة دون مراعاة مصالحهم.
وركز الوفد التركي على التعاون في مكافحة الإرهاب ، وهو ما يعني في المقام الأول بالنسبة لأنقرة ، احتواء القوات المسلحة الكردية على حدودها ، فضلاً عن الجهود المشتركة لتهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين ، وهاتين المسألتين لهما أهمية خاصة بالنسبة لتركيا ، بما في ذلك في سياق الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في نهاية الأسبوع ، حيث وعد الخصم الرئيسي للرئيس التركي كمال كيليجدار أوغلو ، بضمان عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم في حال فوزه ، والسلطات التركية الحالية لا تريد التنازل عن هذا الموضوع للمعارضة ، في الوقت نفسه ، أشار المتحدث باسم الرئاسة التركية ، إبراهيم كالين ، عشية لقاء موسكو ، إلى أن مفاوضات تطبيع العلاقات مع سوريا تتطلب صبراً ووقتاً طويلاً.
وبغض النظر عن مدى تقدم العملية السياسية للتقارب بين أنقرة ودمشق، فإن الصراع الأمني بينهما قد بدأ بالفعل، فعشية الاجتماع الرباعي، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أيضًا عن موافقة الدول الأربع على إنشاء مركز تنسيق عسكري، ومن نقاط الاتصال المشتركة بين جميع الأطراف الموقف السلبي من الوجود الأمريكي في سوريا، وكذلك النزعة الانفصالية الكردية.
وبشكل عام ، كان موقف إيران قريبًا من موقف روسيا ، وهو يؤكد على انسحاب جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية ، إذا لم توافق دمشق على وجودها ( الحديث هنا عن التشكيلات التركية والأمريكية) ، بالإضافة إلى ذلك ، كان من المهم للوزير الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بشكل عام التأكيد على دور الوساطة لطهران ، وأعرب عن أمله في أن الاجتماع سيكون “إشارة قوية على أن تركيا وسوريا تركزان على حل سياسي” ، وبحسبه ، في المناطق الحدودية في سوريا ، ازدادت احتمالية اندلاع صراع عسكري سابقًا ، وبُذلت جهود دبلوماسية كثيرة لمنع التصعيد
إن الاجتماع الرباعي حول سوريا في موسكو ، يعكس الصراع السياسي الدولي على النفوذ في هذا البلد ، وبما أن سوريا عنصر أساسي في سياسة موسكو في الشرق الأوسط ، ترغب الأخيرة المحافظة على وجودها العسكري هناك ، وايران التي تحافظ على نفوذها أيضا ، لن تغادر سوريا بسهولة ، وإن التسوية السياسية للوضع في سوريا لا تعتمد فقط على موقف تركيا ، بل المشكلة الأساسية هي إعادة دمج مناطق شمال شرق سوريا ، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ، وهي مليشيات ذات أغلبية كردية ، وإن التسوية السياسية للأزمة السورية من غير المرجح أن تكون ممكنة دون مراعاة مصالحهم ، ولكن الاجتماع الذي عُقد هو انتصار دبلوماسي أكيد للاتحاد الروسي ، فالوضع في الشرق الأوسط لازال غامضا .