23 ديسمبر، 2024 4:49 م

هل كان للخميني علاقة  في اختفاء السيد موسى الصدر ؟

هل كان للخميني علاقة  في اختفاء السيد موسى الصدر ؟

رغم الفترة الطويلة التي مضت على حادثة أختفاء السيد موسى الصدر، إلا أن أعادة ترتيب الأوراق وقراءتها من جديد يمكن ان يكشف الكثير من الخفايا والأسرار ..
 
 ولد السيد موسى الصدر في مدينة قم عام 1928، وعاش في إيران ودرس فيها حتى حصل على شهادة جامعية في العلوم السياسية وأخرى في الشريعة الإسلامية من جامعة طهران، ثم أنتقل إلى العراق والتحق  بالحوزة العلمية في النجف الاشرف  ..
 وعايش السيد موسى الصدر  تأسيس (حزب الدعوة الإسلامية) , وكان احد أقرباء المرجع الشهيد السيد  محمد باقر الصدر أحد أبرز منظري  حزب الدعوة آنذاك في  فترة تأسيس الحزب وبدايات عمله ،، للاستفادة من التجربة التي نقلها وطبقها بعد ذلك حرفياً في الجنوب اللبناني ..  ثم توجه إلى لبنان وحصل على جنسيتها بقرار خاص واستثنائي من الرئيس اللبناني فؤاد شهاب حيث كانت عائلة السيد تقطن جبل عامل في جنوب لبنان  ،، ..  وقد عمل موسى الصدر على نقل افكار السيد محمد باقر الصدر  في محاربة الماديين  عن طريق تدريس مؤلفاته و نشرها، وقد كرس موسى الصدر نفسه للنهوض بمجتمع الجنوب اللبناني وكسبه ونشر تعاليم الدين الإسلامي والالتصاق بالعروبة كونها توأم الدين  ،، فأسس حركة (المحرومين) عام 1974 أي قبل ما ينادي الخميني في إيران بشعار المحرومين أو المستضعفين ..، ولحقها تشكيل أفواج المقاومة اللبنانية المعروفة بـ حركة  (أمل)، وقد ظهر موسى الصدر في الأوساط الشيعية كقائد ورجل دين ثوري، استحكم على قاعدة شعبية كبيرة من الشيعة، واستقطب عدد كبير من مثقفيهم وخاصة التيار العروبي الذي يغاير مفهوم الأفكار التي تصدر من إيران ،،  واستولى بأفكاره النيرة حتى على  الساحة الإيرانية التي سبقت الإطاحة بالشاه ، فكان لموسى الصدر مواقفاً أيجابية مع المناهضين لسياسة الشاه خاصة الاحزاب الليبرالية التي حسب على تيارها , حيث روجت إيران ذلك ، وكذلك التيار الإسلامي المتمثل بجماعة الخميني , الذين تمركزوا في العراق ولبنان، فقد حصل لهم على دعم كبير من الحكومة السورية سهل لهم عملية تنقلاتهم وتحركاتهم بجوازات سفر سورية، كذلك كان حلقة الوصل التي جمعت الخميني وجماعته بالرئيس السوري حافظ الأسد، بالإضافة إلى دوره البارز في تقريب الأفكار بين التيارات الإسلامية والعلمانية داخل الساحة الإيرانية ,  رغم أن الصدر كان محسوباً على حركة تحرير إيران (نهضت آزاري إيران) التي أسسها مهدي بزركان ،، والتي أيدت حصول أصلاحات سياسية مثل أقامة ملكية دستورية وهو مشروع طرحه المرجع كاظم شريعة مداري وأيده موسى الصدر، ورفضه التيار الإسلامي بشدة وأثار حفيظة الخميني ضد موسى الصدر وشريعة مداري ،، وتم الترويج بأنهم  عملاء للشاه ،،( مثلما تم الترويج بعد ذلك بان السيد محمد باقر الصدر هو احد عملاء صدام وعلى لسان ابرز قيادات حزب الدعوة آنذاك الشيخ علي الكوراني حيث قال مخاطبا السيد محمد باقر الصدر أثناء حصار داره من قبل أزلام النظام البعثي بأنها مسرحية افتعلتها أنت وسيدك صدام ) ,  مما أدى إلى شن حملة إعلامية كبيرة خاصة ضد موسى الصدر الذي أعتبر خطراً  يهدد مشروع الخميني  للأسباب التالية:
 
1- العلاقات الوثيقة التي تربط موسى الصدر بالتيار الليبرالي الذي خشى الخميني وجماعته نفوذهم بعد الإطاحة بالشاه على حساب تهميش التيار الإسلامي المتمثل برجال الدين.
 
2- اتخاذ موسى الصدر جانب المرجع شريعة مداري ودعم مشروعه في تأسيس ملكية دستورية، يعد رفضاً من قبل الصدر لمشروع نظام ولاية الفقيه الذي عزم الخميني على أقامته في إيران، ليمنح نفسه سلطة دينية وسياسية لن يحصل عليهما في نظام الملكية الدستورية.
 
3- الموقع المفترض لموسى الصدر في إيران بعد الإطاحة بالشاه، خاصة وأن حركة تحرير إيران (نهضت آزاري إيران) التي يترأسها مهدي بزركان، كانت تعمل تحت فكر  موسى الصدر.
 
4- التوجه العربي الذي يحمله  الصدر بين جنبيه وخشيته  من الإطماع الإيرانية ,   يختلف جذريا مع الأجندة الشعوبية الفارسية التي يحملها الخميني.
 
5- تمتع موسى الصدر بشعبية واسعة في الأوساط الشيعية واستقطابه قاعدة كبيرة من مثقفي الشيعة المستقلين ستجعل منه منافساً قوياً للخميني على الساحة الشيعية.
 
6- وجود موسى الصدر بثقله الشيعي على الساحة سيؤثر على نفوذ الخميني في بعض المناطق مثل لبنان، خاصة وأن الخميني يسعى لأن يكون القائد الثوري الأوحد والمرجع (الديني والسياسي) العام للشيعة في العالم وصمام الأمان في الجنوب اللبناني.
 
7- النفوذ للكيانات والتنظيمات التي أسسها موسى الصدر أمر مستحيلاً، وأي مشروع حركة أو حزب أو مقاومة جديدة تدعمه إيران مصيره الفشل مع وجود حركة أمل وزعيمها موسى الصدر. 
 
ومن الجدير بالذكر أن المرجع كاظم شريعة مداري تم الأعتداء عليه بالضرب أمام أهل بيته من قبل جلاوزة الخميني وهدد بأن تغتصب بناته أمامه أذا ظل على موقفه المعارض للخميني!!.
 
وبالنسبة للجنوب اللبناني ،،، يمثل الجنوب اللبناني العصا السحرية التي تمنح صاحبها القوة، لتعزيز وجوده أمام الغرب، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية الراعية للكيان الصهيوني، وقد سعى الشاه من قبل للفوز بالجنوب اللبناني عن طريق النهوض بالمجتمع الشيعي (انتقل الكثير من رجال الدين الشيعة إلى لبنان في تلك الفترة ومنهم محمد حسين فضل الله الذي أسس الحوزة العلمية في لبنان) ودعمه لحركة الجنوب اللبناني بقيادة موسى الصدر، إلا أنه أخفق في احتواءها لأسباب عديدة منها:
 
1- عدم الترويج لشاه إيران في الجنوب اللبناني كما كان محسن الحكيم يفعلها في العراق حيث يذكر له قوله “إن نظام الشاه هو المدافع الوحيد عن شيعة العالم وهو حصنهم الحصين والوحيد”.
 
2- أن دعم الشاه لحركة الجنوب اللبناني لم تقربه من المجتمع، بل حددت علاقته بقيادة الحركة، وهذا يعني أن هناك حاجز بين الشاه ومجتمع الجنوب اللبناني هو موسى الصدر.
 
3- لم ينجح الشاه بأن يكون صمام الأمان في المنطقة مع وجود موسى الصدر على الساحة.       
 
أن فشل الشاه في الجنوب اللبناني منح الخميني دافعاً لمراجعة الحسابات وتجاوز العقبات التي أخفق الشاه بتجاوزها، وعندها حدد خطواته بدقة متناهية ليفرض نفسه بقوة في الجنوب اللبناني من خلال:
 
1- تحجيم دور موسى الصدر في الساحة اللبنانية بعد التخلص منه.
 
2- تأسيس حزب الله (ذراع إيران الطويل) ليأخذ دوره على الساحة اللبنانية بعد تهميش حركة أمل.  
 
3- أعلان قادة حزب الله ولاءهم المطلق للخميني.
 
4- الترويج لأفكار الخميني في الجنوب اللبناني.
 
في أطار الجولة العربية التي بدأها موسى الصدر مع الكويت يوم 23 آب عام 1978، وصل إلى ليبيا يوم 25 من نفس الشهر بدعوة من الرئيس معمر القذافي يرافقه محمد يعقوب وعباس بدر الدين، ثم أختفى ورفاقه دون أن يعثر لهم على أثر أو يسمع عنهم أي خبر، سوى ما صرح به رئيس الوزراء الليبي عبد السلام جلود عن مغادرتهم الأراضي الليبية، متوجهين إلى روما على متن الرحلة 881 في 29/8/1978، وقد ذكرت السلطات الايطالية أن شخصين وصلا إلى أيطاليا قادمين من ليبيا، أحدهما يرتدي زي رجال الدين، وقد حجزا غرفتين في فندق هوليداي آن لمدة عشرة أيام إلا أنهم لم يمكثوا سوى بضع دقائق غادرا بعدها الفندق تاركين خلفهم جوازي سفر يحمل أحدهم اسم موسى الصدر والأخر يحمل أسم محمد يعقوب.
 
أستطاع الخميني أن يحرز تقدما ملحوظا بعد غياب موسى الصدر مثل:
 
1- إدخال جماعات وحركات صغيرة مرتبطة بإيران في حركة (أمل)، من أجل أن يظهروا على الساحة اللبنانية، ثم تركوا الحركة ليشكلوا حزب الله الذي برز على الساحة كجبهة مقاومة أسلامية (تديرها إيران) على حساب تهميش حركة أمل، وما كان لهذا أن يحدث لولا غياب موسى الصدر.
 
2- أن غياب موسى الصدر عن الساحة الأيرانية بعد الإطاحة بالشاه مهد للتيار الأسلامي في إيران أن يقضي على منافسيه وينفرد بالسلطة بعد أن تحالف مع الشيوعيين للتخلص من التيار الليبرالي وتجريد الساحة الإيرانية من المقربين لموسى الصدر، أما بأبعادهم أو اغتيالهم كما حدث للدكتور مصطفى شمران.
 
3- ما كان للخميني أن ينفرد بالساحة الشيعية مع وجود منافس كموسى الصدر يمتلك قدراً كبيراً من الشعبية والحضور في الأوساط الشيعية، فغياب الصدر منح الخميني مساحة أكبر للعب دور القائد الروحي الأوحد خارج المجتمع الإيراني.
 
4- أصبح حزب الله اللبناني (ذراع إيران الطويلة) هو المتحكم في الجنوب اللبناني بعد أن أخذ دور حركة أمل، وبالتالي فأن الخميني وجماعته أصبحوا صمام الأمان في المنطقة عن طريق حزب الله الذي ارتبط رسميا بإيران.
 
ومن المواقف التي لها دلالة على ما كان يبيته الخميني لموسى الصدر هي ،،، قبل أن يبدأ الخميني خطبته في حسينة جمران (شمالي طهران)، تهجم صادق خلخالي (رئيس المحاكم الثورية) وأمام أنظار الخميني على الشيخ محمد مهدي شمس الدين (وهو من المقربين لموسى الصدر) متهماً شمس الدين والصدر بأنهما عميلين للشاه!!، كذلك يرى مدعي عام المحاكم الثورية عبد الكريم موسى اردبيلي أن موسى الصدر وجماعته كانوا عملاء للشاه!!. 
 
ومن الجدير بالذكر ،،، أن محمد مهدي شمس الدين ارتمى بأحضان أبو القاسم الخوئي (الذي كان على خلاف مع الخميني وجماعته) ليصبح أحد أقطاب مؤسسة الخوئي في لندن وعضواً في إدارتها، وما أن توفي الخوئي وذهبت عمامة المرجعية للسيستاني حتى برز جماعة ومؤيدي الخميني، فتم محاربة وتهميش محمد مهدي شمس الدين فأعتزل عن المجتمع وظل حبيس داره في لبنان حتى وفاته!!.
 
بعد مرور أكثر من عام على حادثة الاختفاء، أرسلت حركة أمل والمجلس الشيعي وفداً إلى إيران لمقابلة الخميني وعرض قضية موسى الصدر أمامه، إلا أنهم منعوا من مفاتحة الخميني بالموضوع من قبل الإيرانيين بحجة أن الخميني مهتم بالموضوع ولا حاجة لتذكيره، ورغم هذا فأن الخميني لم يقدم على أي خطوة بهذا الاتجاه!!.
 
وصل صبري البنا (ابو نضال) للعراق عام 2002 (عن طريق إيران) بجواز يمني مزور، إلا أن الظروف شاءت أن تنتهي حياته في العراق منتحراً وهذا ما صرح به طاهر جليل الحبوش رئيس جهاز المخابرات العراقية لوسائل الإعلام، والمعروف عن صبري البنا أرتباطه بالمخابرات الإيرانية وجماعة الخميني بالتحديد، وأن جماعة صبري البنا استهدفت موسى الصدر عام 1978عن طريق صاروخ أطلق على مكتبه، إلا أن الصدر لم يكن موجود في حينها!!، والجدير بالذكر أن حادثة انتحار صبري البنا في العراق أعاد فتح ملف اختفاء موسى الصدر من جديد، وبدأ تحرك سياسي مكثف من قبل إيران للبحث عن مصير موسى الصدر، وهنا يأتي السؤال التالي، لماذا عادت قضية موسى الصدر للظهور على الساحة الاعلامية بعد حادثة انتحار صبري البنا، ويظهر معها اهتمام واضح  من قبل إيران في خصوص هذا الموضوع، فهل يا ترى لصبري البنا يد في أختفاء الصدر كأن يكون الأداة التي استخدمت في العملية؟؟!!.والآن وبعد عدة أشهر من إسقاط   نظام القذافي لم يتم التطرق أو البحث عن مصير السيد موسى الصدر بل لم يتم ذكره أبدا بالرغم  انه  من المفترض إن مصيره سوف يعرف حال ذهاب القذافي .. فهل ذهبت أسرار حادثة اختفائه مع مصير القذافي , اعتقد إن سر اختفاء السيد سينجلي عندما يسقط نظام الملالي في إيران حينها فقط سوف تنكشف الأسرار ..
وفي القسم الثاني سوف نحاول أن نبحث عن مخططات الخميني للتخلص من الشهيد السيد محمد باقر الصدر في العراق والذي كان يشكل التهديد الأكبر على أجندات ومطامع الخميني وقد كان السيد الشهيد باقر الصدر حجر عثرة أمام مخططاتهم .. وبخطوات مدبرة ومدروسة استطاعوا أن يضعوا السيد  محمد باقر الصدر في قبضة النظام الصدامي الذي قام بإعدامه وسط صمت مطبق من قبل الحوزتين في قم والنجف .