الكتاب والقرآن : المؤلف الاستاذ الدكتور محمد شحرور
الحلقة السابعة عشر
الفقهاء هم الذين يكتبون ويقرأون ويفسرون القرآن الكريم ،أما محمد(ص) فهو من الأميين …يا لمهزلة التفسير…؟
لا أحد يشك ان هذا الموضوع من الموضوعات الحساسة جدا والتي تثير حفيظة الفقهاء والمجالس الفقهية ورجال الدين والمتدينين والسلفيين منهم بوجه خاص.هؤلاء الذين تربعوا على عرش الافتاء بدون وجه حق،وفسروا الآيات القرآنية وفق نظرية الترادف اللغوي الخاطئة،وأوقعونا في مشكلة الفِرق المذهبية التي لا أصل لها في الاسلام ، والتي جرت علينا كل هذه المصائب الحالية ومكنت السلطة من استغلال الرعية وتدمير الشعوب .
فهل أبداء وجهة النظر المغايرة في البحث العلمي والوصول للحقيقة تمنع من أبداء النظرة المغايرة حتى في النص الديني والانبياء معاً ، فطريقة صياغة النص القرآني صياغة خاصة يتوفر فيها شرطان ثبات النص لغوياً ،لكنه متحرك في المحتوى ،وهذا ما غفل عنه الفقهاء لجهلهم به . فكل شيء متغير وقابل للتأويل ما عدا الله تعالى فهو ثابت ، لقوله تعالى:( كل شيء هالك الا وجهُهُ،القصص 88) . لصيرورة القرآن الخاصة في الحنيفية والاستقامة والتطور. اماالانبياء فخصوصيتهم في الرسالة الربانية والتوجيه الديني، لذا جاءت عصمتهم بالرسالة وليست في شخوصهم الفردية، لقوله تعالى:( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس،المائدة 67). أي خوفاً من ان ينالوك بسوء.
من هذا المنطلق من حقنا ان نناقش المسائل الحدية في النص الديني والانبياء ومادار حولهم دون حرج من أثم. وعلى الجميع تقبل النقاش والرد ان كنا من المتجاوزين أو المخطئين . فالرأي والرأي الاخر هو الذي يولد الحقيقة والقرآن يؤكد على هذا التوجه لقوله تعالى(لكم دينكم ولي دين). والامام علي (ع) يقول : الحجة بالدليل. ولنعد الى لفظة الامي التي وردت في القرآن الكريم فنقول:
ان لفظة الامي وردت في الكتاب في ستة مواقع وهي:
2
—————————————————–
( ….. وقل للذين أوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم ،آل عمران 20).
(….. بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل،آل عمران 75 )
(…. لا اله الا هو يحي ويميت فآمنوابالله ورسوله الأمي ،الأعراف 158
(…. الذين يتبعون الرسول الآمي الذي يجدونه مكتوباًعندهم في التوراة والانجيل،الأعراف157 ).
(…. هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوعليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة،
الجمعة 2).
(…..ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب الا اماني وان هم لا يظنون،البقرة 78).
ونقول:
علينا ان نتعرف اولاً على معنى كلمة الأمي التي وردت في الآيات القرآنية السابقة. لقد أطلق اليهود والنصارى على الناس الذين لا يدينون بدينهم لفظة الامي، وهو ما نعبر عنه اليوم بالغوغاء أو العامة، لان هؤلاء الاقوام كانوا جهلة لا يعلمون ماهية الاحكام في كتب اليهود والنصارى.من هنا جاءت الكلمة لتعني: ان الامي هو غير اليهودي او النصراني،والجاهل بكتبهم. وبما ان التوراة والانجيل هما نبوتا موسى وعيسى لذا جاء التبشير بنبوة محمد في التوراة وليس في الكتاب لقوله تعالى:( الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والأنجيل،الاعراف 157). ويوضح تماما في ألآية من آل عمران لقوله تعالى:( وقل للذين آوتوا الكتاب والأميين).فالذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى والباقي من الناس هم الأميون.
وهذا المعنى واضح في الاية ( 75 )من سورة آل عمران عندما ذكر اهل الكتاب اليهود والنصارى فمنهم أي اليهود ( من أن تأمنه بدينارٍ لا يؤده أليك). ومنهم أي النصارى(من أن تأمنه بقنطار يؤده اليك). فلماذا لا يؤدي اليهود الأمانات لغيرهم؟ لانهم يعتبرونهم من (الغويم) أي الغوغاء،وهؤلاء الاميون لا تنطبق عليهم وصايا الرب حيث قال 🙁 ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل).
3
وفي سورة الاعراف الآية(157) :”الذين يتبعون الرسول الأمي”.هنا جاءت كلمة أمي لأنه ليس منهم ،لأنه قال:( الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل ).
وكذلك جاءت في الاية (158) حين أتبعها بأن محمداً (ص) هو رسول الله الى الناس جميعاً لليهود والنصارى والأميين علماً بأنه لم يكن أصلاً يهودياً ولا نصرانياً بل من الفئة الثالثة وهي الأمية.
والتي تعني الجهل في الكتاب قال:( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب الأ أماني،البقرة 78). أي الذين لا يعلمون الكتاب ومحتوياته هم أميون بالكتاب ولذا أتبعها 🙁 وان هم الا يظنون).
من هنا نرى ان النبي محمد(ص)كان أمياً بمعنى أنه غير يهودي وغير نصراني،وكان أمياً أيضاً بكتب اليهود والنصارى وكانت معلوماته عن كتبهم هي بقدر ما أوحي أليه بعد بعثته.
هذا العمق البلاغي اللغوي للقرآن الكريم لم يدركه المفسرون الاوائل، لا بل حتى المُحدثين منهم والفقهاء ورجال الدين، فسار المتأخرون على خطأ الأوائل من المفسرين، ولأن القرآن والنبي من المقدسات التي يجب ان لا تخرق فقد بقي القديم على قدمه تفاخراً وليس حقيقة عند الناس.وهنا ظُُلم القرآن والنبي معاً عند المسلمين. ان معرفة القراءة والكتابة عند النبي لايقلل من قيمته ومن قيمة الرسالة ،لا بل يزيدهما فخراً وأعتزازاً .
اما اسقاط هذا المعنى على ان النبي بأعتباره أمياً أي لا يقرأ ولا يكتب فهذا خطأ مميت،لأن الكتابة هي تجميع الأشياء بعضها الى بعض لأخراج معنى مفيد (موضوع) فهل كان النبي عاجزاً عن تأليف جملة مفيدة أوكتابة كتاب أو رسالة؟ أذن من كتبَ الرسائل الى الملوك والامراء وكتابه الى كسرى كان بيده أملاءً وصياغةً على ما تؤكد مصادرهم،انظر الواقدي في المغازي.والقراءة تعني العملية التعليمية (مرحلة تتبع المعلومات) ثم القدرة على أستقراء نتائج منها ومقارنتها بعضها ببعض.فالأاستقراء والمقارنة جاء من القراءة فهل كان النبي محمد(ص) لا يقرأ ؟.
خطئأ أستراتيجيا فرضه علينا المفسرون في نبينا العظيم بحاجة الى أعادة نظر واصلاح في قيمة الدعوة والنبي معا.ً واعتبار الفقهاء هم الاميون بمعنى العلم والحجة بالدليل.
وقد يقول البعض ان النبي أجاب على جبريل عندما جاءه الوحي وأمره ان يقرأ ، قال له: أقرأ فقال ليس أنا بقارىء،فهل اذا قيل لزيد أوعمر أذهب فقال ما أنا بذاهب ،فهل هذا يعني بالضرورة أنه مشلول أو بلا أقدام. ولكن حين قدم جبريل الآية الكريمة قائلاً : (أقرأ بسم ربك الذي خلق،ألعلق1 ) سكت النبي بعد هذه الآيات الكريمات ولم يقل ما أنا بقارىْ. أنظر السية لأبن اسحاق ؟
علينا أستقراء التاريخ الجاهلي ومعرفة كلمة القراءة والكتابة ،فالنبي كان أمياً بالخط ولا يقرأ المخطوط بالقديم وجاء هذا المعنى في قوله تعالى:( وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه
4
بيمينك اذاً لارتاب المبطلون،العنكبوت 48). ( بل هو أيات بينات في صدور الذين آوتوا العلم وما يجحد بآياتنا الا الظالمون،العنكبوت 49).
وهذا يعني ان الرسول(ص) لم يتكلم بالقرآن قبل الدعوة ولو تكلم به لقالوا له انت تكلمت بالقرآن من قبل ان يأتيك الوحي وهنا جاز التشكيك به،والثاني ان النبي لم يستعمل الخط وظل كذلك الى يوم وفاته. وفرق كبير بين الخط والكتابة،وهذا أمر أخر لم يدركه المفسرون الأوائل. ودليل ذلك ما جاء في الاية الكريمة قوله تعالى ( وكتبنا له في الألواح،الاعراف145). والالواح هنا القرطاس،وتجيب الآية الكريمة لاحقاً 🙁 من كل شيءموعظة وتفصيلا لكل شيء) فهنا بعد فعل كتبنا ذكر الموضوع مباشرة.
فكتابة العقود والوصايا لا تعني الخط مباشرة بقدر ما تعني التسجيل حسب المراد من العقد فالكتابة والقراءة شيء والخط شيء اخر.
وأود ان أعلق على ما كتبه المؤلف فأقول:
أنظر الكتاب والقرآن – للكاتب الفذ د.محمد شحرورأن هذا الامر في غاية الدقة والموضوعية يحتاج الى المزيد من البحث والتقصي العلمي والمعرفي لأزالة الالتباس ، مما تعرفنا عليه خطئاً في ان الرسول (ًص) العظيم كان أميا لايقرأ القرآن الكريم ولا يكتب الاحاديث والرسائل.والقرآن الكريم يؤكد على أنه ((ص) كان يقرأ ويكتب من صحف كان مكتوب فيها القرآن لقوله تعالى:(رسولُ من اللهِ يتلو صُحفاً مُطهرةً،البينة 2) أي أنه كان يتلو بنفسه من صحف كتب عليها آيات القرآن.فهل ان الرسول (ص) تعلم القراءة والكتابة بعد نزول الوحي،وهذا ما ينفيه القرآن الكريم.
أنا أعتقد تماماً ان هذه الأسطورة الكاذبةهي أساس الطعن في الاسلام. أما ما يدعونه من وجود كُتاب الوحي الذي كتبوه بهذه الصورة غير المرتلة اي المرتبة ترتيبا ً زمنياً فهو أمر غير صحيح ،فلماذا اذن لم يسمحوا لنا بأعادة كتابته بترتيب موضوعي أو حسب السنين وفق سياق النزول .
أنا شخصياً أعتقد ان كُتاب الوحي أسطورة حاكها المؤرخون والفقهاء على غرار أسطورة عبدلله أبن سبأ اليهودي الكاذبة –وهم لا وجود لهم – والتي ثبت بطلانها علميا اليوم، والتي أرادوا من ورائها شق وحدة المسلمين واتهام أتباع أهل البيت بالخروج عن الاسلام،والتي لازال يصدقها البعض من المغفلين. أو ان كُتاب الوحي كانوا معه من باب مساعدته في الامر لكثرة مشاغله (ص) في نشر الدعوة وأمورها في مجتمع صعب المراس.
أن غالبية الرسائل التي كتبت للملوك والامراء كانت بخط يده ومن بنات أفكاره الكريمة.لتوارد الافكار والخواطر فيها بنسق واحد لا يختلف ابدا، ومن يطلع على الرسائل يجد ذلك مكتوبا فيها تماماً .
5
من هنا فنحن بحاجة ماسة الى أعادة النظر كلية بالتفسير القرآني لأخراجه من يد الفقهاء ورجال الدين ومؤسسات القرآن الكريم المبنية على أبقاء القديم على قدمه – والقرآن لا يعترف بهم ولا يخولهم حق الفتوى على الناس- ، ولنقله الى واقع الحقيقة العلمية في التأويل لكي يفهم الناس ما غُمض من آياته التي أدعى بعض المفسرين ان بعضها لا يفهم،وآيات القرآن الكريم كلها بينات مادية وليست عينية كما جاء في الآية 15 من سورة يونس (وأذ تتلى عليهم آياتنا بينات). والا بقينا في اسلام غير اسلام محمد (ص) الصحيح .
فمحمد(ص) هو المعلم الاول للكتابة وللقراءة . وهل ان أمية الرسول التي بها يدعون ستزيد من قيمة الدعدوة وقيمته المعنوية والمادية،؟ وألا سنبقى كما بقيت أوربا في العصور الوسطى تغط في دياجير التخلف والظلام، ولن تخرج منه الا حينما وعى علماؤها للصحيح . وها نحن كما ترون كيف ان الاوهام والاساطير تعشعش في مجتمعاتنا والتي أوصلتنا الى هذا التردي الفكري والعلمي الذي نحن فيه اليوم. وجعلت الحاكم يتسلط علينا دون معارضة او رنين .
ونقول هل ان معرفته (ص) للكتابة والقراءة ستقلل من معجزة الاسلام.؟ بهذه العقليات المنغلقة المتحجرة فسرت الدعوة والنص القرآني وفق نظرية الترادف اللغوي الخاطئة، وأقوال الرسول التي أدخلوا عليها الف الف حديث غير ثبت حين مزجوا الحابل بالنابل وفسروا السيرة النبوية الشريفة تفسيراً طوباويا كان ضرره أكثر من نفعه ، وأدخلوا عليها كل غريب وطبقوها علينا تحت رحمة
وعاظ السلاطين ،ومن صحيحي مسلم والبخاري والمجلسي في بحار الانواروما فيها من ألف حديث وحديث غير ثبت في الرواية والتحقيق. وقوة السلطة الغاشمة .فجاءت كما نحن فيها اليوم من تغيير لا يحمي الا التخلف والانغلاقية والسلاطين. فبقينا على ما نحن عليه مكانك راوح ،وكل جديد علينا حرام كتحريم القراءة والكتابة على أشرف المرسلين.
أما الفقهاء الذين دمروا عقولنا وخربوا وحدتنا ، وبيوتنا ومستقبل اجيالنا ، وجعلونا امة متقاتلة من اجل افكارهم الوهمية المخترعة منهم لصالح السلطان ، فهم وحدهم الذين يقرأون ويكتبون،ومحمد(ص) صاحب الدعوة العظيمة ، والرسائل المحكمة للامراء والملوك، فهو بنظرهم القصير كان من الأميين؟
هذه امة تريد ان تحتل مكانتها بين الامم بهؤلاء الأميين …؟
آذن لابد من تغيير جذري ، لكي ينهض الاسلام ، وتتجدد قيمه وتستمر مجتمعاته الجديدة . وعملية التجديد هذه لا تعتبر مسألة في النظر والعمل، بل فيهما معاً وعلى مستوى الرؤية التاريخية ،والعمل الفكري الحاضر الشامل والمستقبلي،على حد قول الاستاذ ابراهيم الغويل.؟ فهل نحن منتبهون ؟