في العراق ، أسرار اللعبة السياسية كشفت ، و صار طبيعيا ان يعلن الفاسد عن فساده ، دون خوف أو خجل ، طالما القانون معطلا ، و القضاء مسيسا ، و من الطبيعي ايضا ان يتظاهر الشعب و بحرية ، طبعا ليس احتراما للدستور الذي أجاز التظاهر السلمي و حريه الرأي ، بل تطبيقا للمثل الشعبي ” عيسى بدينه و موسى بدينه” ، حيث مطالب الشعب في واد و تطلعات الساسة في وادٍ اخر ، و من المضحك ان البعض يعتبر السماح للمتظاهرين بالخروج و المطالبة بحقوقهم وحده إنجازا ، يٌشكر الساسة عليه ، لا نعرف؟ ربما هو منحه ممن جاهدوا ضد الدكتاتورية التي كانت تكمم الأفواه في الماضي القريب؟!
الجمعة الماضية و في الوقت الذي يستعد فيه العراقيين للتظاهر الذي أصبح عادة وطنية للأحرار ، أعلنت المرجعية عدم التدخل مجددا في صناعة الحدث السياسي ، و بأي شكلا من الاشكال ، طبعا لم تعلن المرجعية انسحابها مباشرة ، بل مهدت ذلك في الخطبة قبل الماضية ، و بعبارة ” بحت أصواتنا ” التي تشير إلى صدمتها و انزعاجها من تعامل النظام السياسي و رجاله (من الشيعة تحديدا) لتوجيهاتها و نصائحها و الإصلاح أبرزها ، و العبادي أبرز الشخصيات التي وجِهت لها النصائح ، بأعتباره أحد أهرام السلطة في العراق ، و ما يتمتع به المنصب الذي يشغله ، من مزايا تجعله قادرا ليس على تنفيذ مطالب الشعب و المرجعية فقط ، بل على صناعة إنجازات أخرى مستغلا عوامل عده ، منها السياسي و توافق الكتل على وجوده ، و الاجتماعي حيث دعم الشعب له ، و الديني حيث وقوف المرجعية إلى جانبه بصورة واضحة لم يحظى بها أخلاقه في المنصب .
لكن العكس هو ما حدث ، الإصلاح و محاربة الفساد و إعادة المال العام ، لم تكن سوى مصطلحات اعتمدها العبادي في خطاباته ، أينما حل تكلم عنها ، حتى مللنا سماعها و لو على سبيل المزاح ، و كما يقال يحصل الإنسان على فرصة واحدة في حياته ، و لكن العبادي يحصل على الفرصة تلو الأخرى ، لكن ليهدرها بدلا من استثمارها ، لم يكن الرجل معروفا ، ثم صار رئيسا للوزراء ، و ما ذكرناه أعلاه من الفرص ، أثبتت أنه فشل في استغلالها ، رغم أنها لم تكن فرصا شخصية و حسب ، بل فرصا العراق و مواطنيه.
عموما ، تراجع المرجعية عن دعم العبادي ، ما هو إلا رسالة واضحة على ان أوراق اللعبة تغييرت ، و الشعب على وشك الانفجار ، حتما بعدما أصبح يتحمل أعباء أزمة ً اقتصادية ، تسبب بها النظام السياسي ، احزابا و كتلٍ و تجمعات ، ناهيك عن الإرهاب الذي يضرب محافظات كبيرة ، هذه الأسباب كافية ، لإعلان زوال العملية السياسية ، و العمل على مرحلة سياسية جديدة ، تعمل على الاقل لترميم ما تبقى من الدولة.