في 1 أيار 2003 وقف (جورج دبليو بوش) على ظهر حاملة الطائرات الأمريكية (ابراهام لنكولن) قبالة سواحل كاليفورنيا ليعلن للعالم في مشهد مسرحي مدبّر وبلغة استعلائية مغرورة (انتصار الحلفاء على العراق وانتهاء العمليات الحربية الرئيسية)، متبجحا بما وصفه (بداية عصر الديمقراطية والحرية والتحرر )..!! والملفت في ذلك الديكور الهوليودي وجود لافتة كبيرة جدا خلف (بوش) كتب عليها ( لقد أنجزت المهمة)..!! واليوم وبعد 16 عام من التخبط في الوحول والدماء والخراب ووسط اجواء التوتر والحرب والفوضى التي تسود المنطقة والعالم يطرح السؤال التالي : هل فعلا أنجزت المهمة..؟؟ وعلى أي مقياس وفي أي درجة ..!! هل هو مقياس الدماء والفتنة والخداع أم دفع العالم إلى شفير الهاوية والإندحار والضياع نتيجة المغامرات العسكرية الأمريكية ..!! وإن كان (بوش الإبن) قد كتب في حروبه العدوانية في ( أفغانستان والعراق) عنوان ما أسماه القرن الأمريكي بقوة السلاح الغاشم فذلك لم يكن (نهاية التاريخ) كما يقول (فوكوياما) بل هو مخاض لم يزل عند مرحلة الخلق الأولى..!! أما المستقبل فقد بلغ الآن مرحلة الطفولة وبدأ يحبو باتجاه حتمية تاريخية وهي أن الإمبراطورية الأميريكية تعيش مرحلة الإضمحلال التدريجي والتراجع على أكثر من صعيد وإن أظهرت غير ذلك وبدت أكثر عدوانية وإرهابا بعد أن تخلت عن دورها الأممي والإنساني والتزامها الأخلاقي في السياسة الدولية وبدلا عن ذلك راح رئيسها ترامب يشحذ تكاليف انتشار قواته العسكرية في العالم وهذا يعني أن النفقات قد تجاوزت الواردات يضاف اليها تطبيق استراتيجية الإنكماش الإستراتيجي وبناء جدران العزلة مع المكسيك والتراجع في أوربا والتصعيد في آسيا وغيرها من الملفات الساخنة التي تؤشر عجزا في الهيبة الأمريكية المتهاوية وتؤكد بداية أفول شمس الحضارة الأمريكية المعاصرة، لقد أحرز بوش في عام 2003 نجاحا عسكريا ولكنه لم يحقق النصر لأن الإنتصار له مقومات وشروط تفتقر اليها تلك الحرب التي ارتدت بزّة العدوان والتضليل والكذب وهذا يناقض حركة التاريخ وأحكامه التي باتت عبئا لا يحتمل على أمريكا وتاريخها الأسود…
*مستشار وناطق رسمي سابق للقوات المسلحة ووزارة الدفاع وقيادة عمليات بغداد (2012-2013)