عند مباشرتي بكتابة مقالة , عن التناقضات في المواقف السياسية بين الكتل الضالعة في انهاء وقبل ذلك تشتيت (الجهد الوطني), لمعالجة المشكلات والمعيقات الحقيقيّة التي تمعن في الحاق الأذى بالشعب العراقي .. وقعت على برنامج (للعراق فقط) المذاع من (قناة بلادي الفضائية) مساء يوم 12/10 بتوقيع مقدمه الإعلامي رغيد صبري… متناولا فيه المشكلات الجوهرية في قطاع التربية. . و نظرا لانفعالي الحقيقي , وحالة اليأس, التي كنت عليها خلال مشاهدتي البرنامج ,توقفت عن الاستمرار في كتابة مقالتي , وتحولت فورا ومن دون تخطيط , لأبث زفراتي عبر هذه السطور .
بتركيز شديد ..عرفنا حاجة العراق الى 6000 مبنى لمدرسة تشمل عموم العراق !
أمر واضح ..ونسأل , كم من الأبنية في مقدور (وزارة التربية) انجازها سنويا في ضوء تخصيصاتها المالية السنوية ؟ يأتي الجواب من قبل الوكيل الفني في وزارة التربية , والنائب انتصار الغرباوي , لدى استضافتهما للإجابة عن أسئلة البرنامج المنطقية والواقعية , إذ عرفنا ان قدرة (وزارة التربية) المتاحة على بناء 200 مبنى في السنة الواحدة ! معنى هذا أن انجاز6000 مبنىا مدرسيا يتطلب 30 سنة قادمة ! إتساقا مع مقولة (موت يحمار حتى يجيك ربيع) .. هذا اذا افترضنا التوفر على مستوى عال من (الشفافية ).
ثم ..اعتمدت الوزارة ثلاث شركات حكومية تابعة الى (وزارة الأعمار والإسكان) لتنفيذ عدد من المدارس .. (المصيبة) تكمن في أن مدراء تلك الشركات , قد اعترفوا في مؤتمر عام عقدته (وزارة التربية) مؤخرا لمناقشة قضية الأبنية المدرسية أنهم ( لم يباشروا في تنفيذ عقود وقعت منذ أشهر لتنفيذ هذه المدارس , نظرا لإخفاقات وتأخيرات إدارية) .. لطفا , لا تقعوا تحت طائلة الاستعجال ! هناك مصيبة أخرى , تطل برأسها وسط هذا الركام من الإهمال وعدم الشعور بالمسؤولية , تطال أهم القضايا المؤثرة في حياة ملايين الطلبة , الذين لا يمكن لأمة النهوض من دونهم ..لم (تفلح وتتألق) تلك الشركات , التي تنفق من ثروة العراق , التي كان يجب ان تحقق للعراقيين الرفاهية في إطار فكرة (انه اغنى بلد في المنطقة ) ..مدراء عامون , ومهندسون , وموظفون اداريون , وفنيون, وآليات انشائية وخدمية تكلفت ملايين الدولارات , وكوادر شغيلة .. ناهيك عن الهدر المالي الكبير الذي يرافق استخدام وعمل هذه الموارد البشرية ..كل ذلك لم (يوفق) مدراء ومخططو فعاليات تلك الشركات , أكثر من (دراسات التربة) ! وفي الوقت نفسه تحركت الآليات لتهدم جميع المدارس الداخلة في خطة (مشلولة) لبناء ألمدارس وفق القاعدة الغبية (تهيئة المعلف قبل الحصان ) ولتقذف بمئات الآلاف من الطلبة الى الشارع ,من دون أن تكون هناك رقابه, أو معالجة تتناسب وحجم هذه الكارثة ..وأقول كارثة ..انطلاقا من ما تركته هذه التصرفات غير المسئولة على قطاع التربية والتعليم , من انعكاسات أدّت الى جلوس طلبتنا على الأرض ! ناهيك عن الواقع المؤسف الذي صارت عليه المدارس !
وبينما ترتفع نسبة الأميين في العراق خلال الألفية الثالثة , ينحدر الجهد الموجه الى (محو الأمية) الى ادنى مستوى , في حين تصمت (وزارة التربية) عن البوح بخطتها أو برامجها ل(محو الأمية) ..ولم تقل لنا شيئا مفيدا حول تبرع (الشيخة موزة), بمبلغ 11 مليون دولار ل(محو الأمية) في العراق ..تصورا 11 مليون دولار من (جزدان) السيد موزة لتعليم العراقيين ؟ (سليمة لتمطكم )!
والآن.. ألا يحق لنا أن( نلطم) حزنّا على ميزانية سنوية تبلغ 120 مليار دولار يذهب 80% منها كنفقات تشغيلية , بمعنى رواتب ومخصصا ت , يعب منها المسئولون السياسيون ؟
المثر في الأمر , أن نائبا في مجلس النواب استضافها البرنامج , بقيت (تنغط) طيلة نصف ساعة ,مؤجلة كل عوامل تخلف الأداء الحكومي , لحين إصدار (قانون البنى التحتية) الذي (سينقل العراق الى آفاق سوريالية ) .. وإذا وفق القائلون بذلك ..لماذا نرصد ميزانية سنوية إذن ؟ فلنقر قانون (البنى التحتية) , وننتظر ….! وإذا كان (ترليونان) من الدولارات , هي حجم ميزانيات العراق منذ الإحتلال الأمريكي الغاشم عام 2003 , لم توفق حكوماتنا المتعاقبة على استثمارها في بناء حاجة العراق من المدارس , لتنهي آثار المدارس الطينية المعيبة , وحشر مائة طالب أو طالبة في مستوعب مساحته 4*4 م في المعدل الأعلى .. هل يمكن ل35 مليار دولار تمثل السقف المالي ل(قانون البنى التحتية) أن تبني وتعمر مدارس العراق ومرافق خدماته الملحة !
معنى هذا اننا الى مزيد من الانحدار سائرون !
القضية هنا ينظر اليها بمنظار يتسم بالعلمية والواقعية , وعلينا تقليب المواجع ومواجهة الواقع ومن أجل هذا نقول ..
المطلوب دراسة اوضاع الشركات الثلاث المكلفة ببناء ألمدارس , والعمل على تقليص فعالياتها بما يتناسب مع روح المسئولية , المستوجب سيادتها في ضمير من يتصدى للعمل العام .
وليس أمرا صعبا تشكيل شركة عامة تختص ببناء المدارس في عموم العراق , يمكن الإفادة في تشكيلها من بعض معدات الشركات الثلاث , التي يبدو أنها أمست (فائضة ) , بالإضافة للاستثمار المخطط لتشغيل ملاكاتها الهندسية والتشغيلية.
فهل وجد من فكر وسمع وبادر , أم أننا سننتظر أيضا (قانون البنى التحتية ) ليضع الخيط والعصفور !