22 نوفمبر، 2024 10:57 م
Search
Close this search box.

هل سيُصلح العبادي ما أفسده المالكي ؟؟؟

هل سيُصلح العبادي ما أفسده المالكي ؟؟؟

الحكم على الشيء فرع عن تصوره .. ومن هذا المنطلق لا ينبغي التسرع في الحكم على الأشخاص دون النظر في أعمالهم التي تعطينا تصورا واضح المعالم يُسعفنا في بناء موقف صحيح لا إفراط فيه ولا تفريط، وهذا ينطبق على رئيس الوزراء العراقي الجديد المكلف حيدر العبادي الذي آلت إليه مسؤولية رئاسة مجلس الوزراء خلفا لنوري المالكي في مشهد سياسي حمل في طياته ودلالاته الكثير ومثّل خروجا عن الصورة النمطية المعتادة لتركيبة الكتل السياسية (الشيعية) في العراق . فما حدث أخيرا يحمل تحولا غير مسبوق في بنية البيت الشيعي الذي انشطرت مكوناته تبعا لمصالحها فما كان تحالفا بالأمس لم يعد كذلك اليوم وهذه طبيعة الحياة السياسية التي لا مكان للركود فيها وهو ذاته ما حصل لباقي التكتلات السُنية منها والعَلمانية .. وفي ظل تلك المعطيات لا يجب الإسراع بإطلاق الأحكام وتبني المواقف من العبادي كرئيس للوزراء قبل مراقبة أدائه وطريقته في إدارة البلد .
الولايتان اللتان سبق للمالكي ان حظي بهما حملت في طياتها ملفات شائكة كثيرة سياسية وأمنية داخلية وعلاقات خارجية متوترة مع المحيط الإقليمي وهذا ما يجعل العبادي أمام تحدٍ كبير في إمكانية تجاوزها وإذا كانت فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين كانت تركة ثقيلة لمن بعده كما يقول سياسيو اليوم فتركت المالكي للعبادي أضعاف مضاعفة ربما يستغرق علاجها سنوات وليس شهورا !!
المسألة المهمة هنا تكمن في مدى إمكانية أن يكون العبادي عنصر طمأنة للشارع العراقي عامة وللمحافظات المنتفضة على حكم المالكي بشكل خاص وكيف سيتمكن من كسب ودّهم بطريقة اللاإفراط ولا تفريط خاصة وأن الرجل ليس بعيدا عن دائرة دولة القانون وحزب الدعوة غير أن من الإنصاف القول إن ائتلاف دولة القانون كان على طول الخط مجيّر باسم نوري المالكي الذي انفرد في قراراته وهيمن على مفاصل الحكومة المهمة واستعدى حتى شركاءه داخل خيمة التحالف الوطني فما يجري على المالكي ليس بالضرورة يجري على غيره ! وهنا فرصة ذهبية لغريمه العبادي في تجاوز أخطاء سلفه .
إعادة الحقوق لأصحابها وإنصاف الناس من المهجرين وتعويضهم بشكل حقيقي ومعالجة ملف المعتقلين الذين يقبعون في السجون منذ سنوات دون محاكمات ودون تهم وأسلوب الاعتقالات الجماعية وإعادة النظر بالدستور الذي يصفه الكثيرون بأنه ملغّم ومُرر في ظروف غير طبيعية وفي ظل مقاطعة واسعة ، كذلك التعامل مع المواطنين بشكل متساوٍ دون تمييز عرقي أو طائفي من خلال التوازن الحقيقي في المؤسسات الحكومية العسكرية منها والمدنية ، كلها اوراق رابحة في تهدءة الشارع وردم الهوّة وإعادة بناء الثقة المفقودة بين المواطن والحكومة التي أصبح ينظر إليها كعدو وليس كحام ، وهذا بذات الوقت يقطع الطريق على الجماعات المسلحة التي استغلت هذه النقطة في بناء حواضن آمنة لها والذي كان سببا بتوسعها وانتشارها ، فلا بد من العمل على إنهاء جميع المظاهر المسلحة الميليشياوية التي انتشرت في العراق تحت أي مسمى وعنوان وانتماء وإعادة هيبة الدولة وبناء وهيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية وهو بذلك يضرب عصفورين بحجر واحد ، دون إغفال عن معالجة ملف الفساد وتقديم المتهمين به للعدالة وإسناد الحقائب الوزارية للأكفاء المهنيين لا الحزبيين الذين لا تعنيهم سوى مصالحهم الذاتية ومنافع أحزابهم ولو على حساب المواطنين .
 ولا ننسى العلاقة المتشنجة بين المركز والإقليم التي وصلت الى أسوأ مدياتها في الفترة الأخيرة ، فهي الأخرى ينبغي أن تكون في مقدمة القضايا التي سيكون على العبادي معالجتها وتسويتها لإعادة صياغة العلاقة بين الطرفين فيها من جديد على أساس المصالح المشتركة والتعاطي مع الطرف الأخر بصفته شريكا حقيقيا في ادارة البلاد لا عدوا متآمرا ، كما ينبغي وضع الأمور في نصابها الصحيح بإعطاء كل ذي حق حقه بعقلانية واتزان بعيدا عن الإنفعالات العاطفية وطريقة ليّ الأذرع وبأسلوب يحفظ سيادة البلد ولا يبخس حقوق الآخرين .

أما على الصعيد الخارجي فلا يخفى على احد مدى العزلة الإقليمية والدولية التي أوصلنا إليها المالكي ، فليس من المعقول أن لا تكون للعراق علاقات حميدة مع أحد سوى إيران إقليميا وروسيا دوليا حتى كاد العراق أن يكون نسخة ثانية من سورية ، فمصلحة البلد تقتضي النظر بأفق أوسع يتجاوز الطائفة والحزب ومنصب رئاسة الوزراء يُخرج صاحبه من قوقعة الانتماءات الضيقة الى مسؤولية بلد بأكمله بما يحمله من تنوع .
الجميع هنا يعلم حجم المسؤولية التي وُضع بها العبادي وكما قلت سابقا من الإجحاف إطلاق الأحكام المتسرعة على الرجل دون النظر في أدائه وهل سينجح في تشكيل حكومة عابرة لأخطاء سلفه ، كما أنه من غير المنطقي الاستغراق في التفاؤل المفرط لمجرد خروج المالكي عن سُدة الحكم ومجيء العبادي، فالأيام المقبلة كفيلة أن ترينا إمكانية استيعاب المكلّف الجديد للدرس و إعادة مسار الحياة السياسية في العراق إلى السكة الصحيحة .

أحدث المقالات