كثر مؤخرا الحديث في العاصمة الصينية بكين عن مدى قدرة وجدية الرئيس الصيني الشاب شي جين بينغ الذي تولى قيادة الحزب والدولة العام المنصرم في التصدي لوحش الفساد الذي بات يمثل كابوسا مخيفا يؤرق قيادة البلاد ويزعزع ثقة الشعب الصيني صاحب الانجازات النهضوية المشهودة بالطبقة الحاكمة، كما ان بعض الاوساط النخبوية والاكاديمية بدأت تتعاطى مع هذه المهمة الكبيرة والحاسمة من منطلق التساؤل عن أهلية وقوة نفوذ الزعيم المتحمس لتخطي تلك العقبة الكؤود التي اعجزت اسلافه من الزعماء الذين تولوا قيادة البلاد في الحقبات السابقة وهل سينج في دق المسمار في نعش الفساد وقبره بشكل نهائي لا سيما وان المفسدين في الغالب هم من بين بعض القيادات النافذة في الحزب والدولة ، وفي هذا السياق فان كل المؤشرات والمعلومات المتوفرة هنا تشير الى عزم الرئيس شي بالضرب بقبضة حديدية على يد كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام والاغتناء غير المشروع وسرقة موارد الدولة المسخرة لبناء الصين ونهضتها التنموية المتواصلة مهما ارتفع شانه وعلت مكانته في سلم الحزب والدولة، وما يدلل على ذلك هو انه بعدما تسنم الرئيس الصيني الحالي لمهامه الرسمية آمر بالقبض على واحد من اكبر الشخصيات المعروفة على المستويين الشعبي والرسمي بالصين القيادي في الحزب الشيوعي الصيني بوشيلاي واحالته الى القضاء الذي اصدر حكما بالسجن مدى الحياة بحقه مع مصادرة جميع امواله المنقولة وغير المتقولة في خطوة تعد الاولى من نوعها في الصين وفي تغطية اعلامية مباشرة من قبل التلفزيون الصيني حيث ظل مثل هؤلاء المسؤولين الفاسدين لفترة طويلة يتمتعون بحصانة المركز الحزبي او الاداري لتجنب المساءلة وعدالة القانون وكذا قضت محكمة صينية بحكم الاعدام بحق زوجة هذا المسؤول لادانتها بقتل رجل اعمال بريطاني في الصين، لقد آشرت هذه الحالة بكل وضوح عزم القيادة الصينية على التعامل مع ملف الفساد بكل جدية ودون هوادة او استثناءات. ومن المعطيات الاخرى على جدية القيادة الصينية في تجفيف برك الفساد وقطع منابعه المحتملة قيامها بتلك الاجراءات واهمها :
١- الذهاب الى ابعد الحدود بشأن تقنين مصروفات ونفقات الوزرات والمؤسسات الصينية وخاصة البروتوكولية والدعائية والترويجية التي لا تدخل في صميم الانتاج والبناء الحقيقي حيث لم تعد هناك مراسم احتفالية ودعوات ترفيهية ينفق عليها ملايين الدولارات سنويا وتمثل بابا مفتوحا بغير حدود يلج منها الفساد والمفسدون.
٢- حرمان النخبة الحزبية والادارية من الكثير من الامتيازات والخدمات التي كانت تقدمها لهم المؤسسات الخدمية والمالية مثل فنادق ومطاعم الدرجة الاولى وغيرها
٣- خلال العام الجاري تمت احالة عشرات المسؤولين الفاسدين من ذوي الدرجات المتميزة الى القضاء للمحاكمة مما شجع على خلق اجواء صارمة تدفع المسؤول للتفكير واعادة حساباته قبل التجرؤ والاقدام على ممارسة اي فعل من افعال الفساد الاداري والاخلاقي وهو الامر الذي قويل بارتياح تام من قبل الاوساط الشعبية التي بدأت تعزز ثقتها بالنظام الحاكم في الصين.
٤- على المستوى الخارجي قامت سلطات بكين بابرام وتطوير العديد من اتفاقات التعاون القضائي والجنائي وتيادل المطلوبين مع عشرات الدول وليس اقلها مطالبة الصين استراليا باعادة المسؤولين الصينيين الفاسدين الذين فروا في اوقات سابقة اليها مع اموالهم المسروقة لتقديمهم الى العدالة في خطوة تهدف للتضييق على المفسديين الذين يفكرون بالفرار الى بلدان اخرى بحثا عن الامان واستثمار اموال الشعب المنهوبة بعيدا عن العقاب حيث من المعلوم ان استراليا تعد مقصدا مثاليا لبعض الفاسدين من المسؤولين الصينيين.
ومن اجل ضخ مزيد من الدعم والشرعية لحملة الرئيس الصيني في مواجهة آفة الفساد واكسابها طابعا رسميا وحزبيا يضمن توحيد والتفاف القيادة والشعب حوله، انطلقت الشهر الجاري في بكين اعمال الاجتماع السنوي الرابع الكامل للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ وكان اللافت في الامر ان حكم الصين بالقانون كان هو عنوان الاجتماع ومحوره الرئيس حيث اكدت النخبة الحزبية في بيانها الختامي على اهمية دولة القانون والمؤسسات التي لا يشوبها الفساد مع التشديد على اهمية الالتزام بقيادة الحزب الشيوعي الصيني للصين باعتبارها صمام الامان والضامن الاساسي للحكم الرشيد مع الاخذ بعين الاعتبار مواصلة دعم زخم خطط التنمية وبناء الصين الجديدة من خلال تحقيق الحلم الصيني بالنهضة التنموية الشاملة والمتوازنة في ظل القانون ودولة المؤسسات مع تعميق الاصلاح الشامل وتطوير نظام الاقتصاد الاشتراكي ذي الخصائص الصينية كما حث البيان الصادر من اعلى هيئة حزبية في الصين جميع كوادر الحزب على ان يكونوا القدوة للاخرين في مجال التقيد بالقانون مع التحذير من اي ممارسات تعد انتهاكا وتجاوزا لحدود القانون او اية محاياة وتفضيل للمصالح الشخصية والعائلية على حساب المصلحة العليا للشعب التي يجب ان تكون في الصدارة.
وفي الختام نقول اذا كانت الصين وهي ليست من بين الدول الاكثر فسادا في العالم حسب تقرير الشفافية العالمية الذي يصدر سنويا ويصنف دول العالم بحسب الفساد وانتهاك القانون ، الا قيادتها تعمل بدأب واخلاص لتطهير البلاد مما علق فيها من الفساد وهو ذو حجم معقول في بلاد مساحتها اكبر من العراق بنحو عشرين مرة ونفوسها مليار واربعمائة مليون نسمة وتضخ في شراينها ملايين الدولارات يوميا بهيئة مشاريع بناء واخرى تطويرية واستثمارية فما بال حكام العراق الذين يقودون بلدا غارقا او هم اغرقوه بالفساد والتجاوزات المالية والسرقات والرشى حتى لم يبق مفصلا صغيرا ام كبيرا في البلاد حتى طاله الفساد فلم لا يتعظون من الصين وغيرها من الدول وهي تسعى جاهدة لحماية المال العام وضمان حقوق المجتمع ومحاربة الفساد والمفسدين .