18 ديسمبر، 2024 9:16 م

هل سيكون الناتو مظلة واشنطن في العراق؟

هل سيكون الناتو مظلة واشنطن في العراق؟

قبل اكثر من اسبوع اعلن الامين العام لحلف شمال الاطلسي (الناتو) ينس ستولنبرج، “ان الحلف سيوسع مهامه التدريبية في العراق بناء على طلب الرئيس الاميركي دونالد ترامب”، وذلك بعد شهر ونصف من تعليق الحلف مهامه اثر التداعيات التي افرزها اغتيال كل من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي في الثالث من شهر كانون الثاني-يناير الماضي.

وكان من بين ما قاله ستولنبرج، هو “أن بعثة التدريب في العراق سوف تستأنف تنفيذ مهامها، لكن يجب أن نكون مستعدين لتوسيع المهمة والمساهمة أكثر في ضمان أمن العراق”، مؤكدا “أن الناتو ذهب إلى العراق بدعوة من حكومة بغداد، وسوف يبقى هناك طالما أرادت الحكومة العراقية ذلك”.

واذا نظرنا الى هذا الاعلان من عدة زوايا، سنجده غريبا، بحكم الفاصلة الزمنية القصيرة بين قرار التعليق واعلان التوسيع، مع عدم زوال الاسباب والظروف التي ادت الى تعليق مهام الحلف، فضلا عن ذلك فأنه-أي قرار توسيع المهام-جاء بناء على طلب ترامب، وفي ظل اجواء المطالبات السياسية والشعبية العراقية بأنهاء التواجد الاجنبي الاميركي.

ولعل هذا ينطوي على جملة اثارات وتساؤلات، رغم ان وزارة الدفاع العراقية اكدت في بيان رسمي قبل ايام، “ان مهمة الناتو في البلاد تقتصر على امور التدريب فقط بعيدا عن المهام القتالية”، هذا في الوقت الذي اثيرت الكثير من المخاوف والهواجس حول وجود مخططات اميركية للبقاء في العراق تحت مظلة الناتو، بعبارة اخرى ان اميركا التي تجد نفسها مرغمة لترك العراق من الباب، تخطط وتحاول العودة اليه من خلال الشباك!.

فالحديث عن توسيع دور الناتو في العراق، اخذ حيزا اكبر بالتزامن مع قرار مجلس النواب العراقي في الخامس من الشهر الماضي القاضي بأنهاء التواجد العسكري الاميركي، الذي ترافق مع حملات شعبية وجماهيرية مدعومة بمواقف سياسية مختلفة، دعت وشددت على ضرورة اخراج الاميركان من البلاد في اسرع وقت ممكن، وهو ما اثار حفيظة وغضب ترامب، الذي هدد بفرض عقوبات على العراق اقسى من العقوبات المفروضة على ايران، في حال اصر على خروج قوات بلاده، ناهيك عما جاء في ذات السياق على لسان وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو وساسة اخرين في مراكز القرار.

ولعل الحقيقة المهمة التي لايمكن التغافل عنها وتجاهلها، تتمثل في انه حتى لو لم يصار الى اخراج الاميركان بالكامل من العراق في هذه المرحلة، فأن تواجدهم العسكري، لم يعد مقبولا على نطاق واسع، وانه لابد ان يتقلص كثيرا كخطوة اولى نحو اغلاق ذلك الملف بصورة نهائية.

وتؤكد اوساط سياسية مطلعة على خفايا الامور، ان الاميركان ومعهم البريطانيين، يرون ان خروجهم على خلفية مواقف سياسية وشعبية رافضة لهم، ينطوي على اذلال واهانة، وهم يتفاوضون حاليا على تأجيل خروجهم الى ما بعد اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، وكذلك الى مابعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الاميركية، حتى يكون ذلك متوافقا مع التحولات والمتغيرات السياسية التدريجية في المشهدين العراقي والاميركي.

في ذات الوقت فأنهم يسعون الى المحافظة على مواطيء اقدامهم حتى وان كان تحت عناونين ومسميات اخرى، يبدو ان حلف الناتو احدها، بل قل ابرزها.

وكان المبعوث الاميركي الخاص الى سوريا والسفير السابق في العراق جيمس جيفري، قد صرح اواخر الشهر الماضي، “إن الولايات المتحدة تدعم إمكانية أن يقوم حلف شمال الأطلسي (الناتو) بدور في العراق وسوريا في المستقبل”، وحينما سئل جيفري عن الإطار الزمني للمحادثات مع الحكومة العراقية، رد قائلا “لا أحد يتعجل أي شيء، نحن مهتمون للغاية بعملية حلف شمال الأطلسي التي سيرى من خلالها ما الدور الإضافي الذي يمكن أن يلعبه”.

وفي الواقع ترى اوساط ومحافل سياسية عراقية ان توسيع مهام الناتو في مقابل انهاء او تقليص التواجد العسكري الاميركي، او بأطار اوسع وجود قوات التحالف الدولي في العراق، لايتعدى كونه عملية التفافية، تضمن لواشنطن استمرار وجودها وحرية تحركها وهيمنتها ولكن تحت مظلة الناتو وليس التحالف الدولي الذي تتولى قيادته منذ تأسيسه قبل اكثر من خمسة اعوام.

في حين يزعم الاميركان ومعهم قادة ومسؤولين كبار في الناتو، ان طبيعة مهام الاخير تختلف تماما عن مهام وادوار التحالف الدولي، فبينما تشكل الاخير بصبغة عسكرية لمحاربة تنظيم داعش الارهابي في العراق وسوريا-بحسب رؤية واشنطن وقيادة الناتو في بروكسل-تقتصر مهام قوات الناتو على الجوانب التدريبية والاستشارية للقوات العراقية فقط، ناهيك عن ان قوات الناتو في العراق-التي تتشكل من جنسيات متعددة-لايتجاوز تعدادها اكثر من خمسمائة مستشار امني وعسكري، وفق مصادر غير رسمية.

واذا اخذنا بعين الاعتبار، ان الولايات المتحدة الاميركية تعد العضو الاكثر تأثيرا ونفوذا وحضورا في الناتو، وكذلك الاكثر وجودا وهيمنة في المنطقة، فأنه من غير الصعب عليها تمرير وفرض جزءا كبيرا مما تريده على شركائها في الحلف، لاسيما وان تداخل وتشابك المصالح فيما بينهم يفرض قدرا من القبول والاذعان بصرف النظر عن توفر القناعات الكاملة.

وفي خضم ذلك الجدل والسجال، فأن ما ينبغي التذكير به والتنبيه اليه، هو انه الى جانب الحضور والتواجد العسكري، الذي قد يتقلص وينحسر مع مرور الزمن، هناك الحضور والتواجد والاختراق والتجسس الاستخباراتي على الداخل العراقي وبعض امتدادات الجوار والمحيط الاقليمي، بأدوات واساليب وصور واشكال مختلفة، قد يكون الناتو واحدا منها، وربما اخطرها.