حظر التجوال اجراء احترازي ووقائي لجئت اليه معظم دول العالم بعد ان وصلت حالة التفشي لفيروس كورونا الى مرتبة الجائحة العالمية حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية,وهذا الاجراء يعتبر أفضل وسيلة لتقليل انتشار الفيروس خاصة في ظل انعدام وجود لقاح ودواء له لحد الآن.
معظم حكومات العالم عندما اتخذت هذا الاجراء سبقته بقرارات واجراءات تضمن بها حقوق الناس وتضمن لهم لقمة العيش الضرورية خاصة لمحدودي الدخل وقسم من الحكومات تكفلت بسريان رواتب الموظفين في القطاع العام والقطاع الخاص وكذلك عمدت الى توزيع سلات غذائية لجميع العوائل ووضعت خطط محكمة ودقيقة لايصالها الى بيوتهم خلال فترة حظر التجوال حتى تضمن بقاء الناس في بيوتهم وبالتالي تقلل من انتشار الفيروس.
ماحصل في العراق أن الحكومة سارعت الى تنفيذ معظم توصيات منظمة الصحة العالمية وهذا شيء جيد ولاغبار عليه ولكن المؤلم ان الحكومة عندما اتخذت قرار فرض حظر التجوال لم تفكر ولم تحسب حساب الناس الذين يعيشون على قوتهم اليومي والذين يعملون بأعمال بسيطة والعاملين في القطاع الخاص والساكنين بالايجار ولم تفكر للحظة واحدة كيف سيتمكن هؤلاء الناس وهم يشكلون الغالبية العظمى في المجتمع العراقي, وقد أصبحوا غالبية بفضل سوء ادارة الحكومات المتعاقبة وبفضل الفساد المنتشر في الطبقة السياسية التي عاثت في الأرض فساداً وغنمت من أموال السحت الكثير ولم تفكر بمصلحة هذا المواطن المسكين الذي كان هو الخاسر الوحيد في معادلة ظالمة.
ما أريد طرحه ونحن نعيش ظرفاً عصيباً جداً ونشهد تحدياً عالمياً خطيراً هو ان السبيل الوحيد للنجاة من هذه الجائحة هو ديمومة عملية حظر التجوال واستمرار مكوث الناس في بيوتهم, فهل ستتمكن الحكومة من الحفاظ على عملية الالتزام به, والجواب على هذا التساؤل يسير وهو ان حظر التجوال لن يصمد وسرعان ماسيتلاشى لأن القضية تمسّ لقمة العيش للفقير فكيف نريد من عائلة فقيرة لاتملك غير قوت يومها أن تلتزم بالقرار وماذا سيأكلون في اليوم التالي وكيف سيدفعون الايجار وكيف سيدفعون لصاحب المولدة.
كل هذه التساؤلات لايشعر بها غير صاحبها ولن تشعر بها الحكومة ولا الطبقة السياسية المنشغلة بتشكيل الحكومة منذ عدة أشهر وبخلافات سياسية عقيمة وبمصالح شخصية وحزبية وبصفقات فساد لنهب المزيد من الأموال, فهل نطالب المواطن الفقير أن يستمر بالبقاء في بيته ونتهمه بالجهل عدم معرفة مصلحته ومصلحة عائلته وهذا الاتهام باطل لانه لايوجد انسان سوي لايخاف على حياته وحياة عائلته ولكن عندما يصل الأمر الى لقمة العيش فلن تستطيع كل القوانين والتعليمات مهما كانت قاسية أن تمنعه من الخروج لتأمين لقمة العيش لعائلته.
اذاً نحن أمام تحدي خطير نتائجه ستؤثر على العراق بأكمله ويتطلب من الحكومة والبرلمان والطبقة السياسية برمتها أن تتظافر جهودها وتستشعر هذه الأمور والمعاناة للمواطن الفقير وأن تتخذ اجراءات سريعة لتأمين لقمة العيش الضرورية للمواطن حتى تضمن التزامه بقرار حظر التجوال, والاجراءات المتاحة كثيرة اما بتأمين سلات غذائية سريعة توزع الى العوائل الفقيرة أو بمنح مالية سريعة توزع بآليات دقيقة تضمن العدالة في التوزيع بعيداً عن تلاعب الفاسدين لكي نضمن بقاء الناس في بيوتهم ونتمكن من تجاوز هذه المرحلة الخطيرة ونضمن تقويض انتشار الفيروس الذي لو انتشر بشكل واسع لاسامح الله فستكون كارثتنا فوق كل التصورات بسبب تهالك القطاع الصحي العراقي بفضل جهود حكوماتنا الرشيدة.