18 ديسمبر، 2024 11:43 م

هل سيذهب دم الشهيد الهاشمي مع الريح؟

هل سيذهب دم الشهيد الهاشمي مع الريح؟

(يا رئيس وزراء العراق: لقد جَرَّأْتُهم عليك حَتّى اجْتَرَأْوا عليك، والعاقل من اتعظ من التجربة).
المراقب السياسي غالبا ما يتابع عددا من المواقع المفضلة لديه والتي تتناسب مع مستوى ثقافته وتزوده بمعلومات مهمة، ولها مصداقية في الأخبار والتحليلات التي تقدمها للمشاهد، وهناك محطات وبرامج يعزف عنها المراقب بسبب طروحاتها الطائفية او المتحيزة لجهة ما، او تفبرك الأخبار، او تروج لدعاية سياسية أو اقتصادية تخدم الجهة التي تمولها، علاوة على بعض الفضائيات المنحرفة التي تتملق لجهة وتنفذ أجندة معد لها مسبقا، فتغطي أو تقزم عيوبها من جهة، وتهول وتبالغ في عيوب الجهة المقابلة، تفبرك أخبار لا صحة لها وتستضيف من يتفق مع طروحاتها، لو تابعنا قنوات الجزيرة والعربية والعراقية واخواتها العائدة للأحزاب الحاكمة، لوجدنا ان عدد مشاهديها يتناقص بنسب عالية وتتستر هذه الفضائيات على نشر احصائيات بعدد متابعيها.
وهذا ما يقال عن اللقاءات والحوارات التلفازية التي تبث من قبل بعض الفضائيات، على الصعيد الشخصي فأننا نتابع برامج محدودة مثلا البوصلة، أقصر الطرق، القرار لكم، بكل جرأة، قضايا في الميزان، وتلك الأيام للدكتور حميد عبد الله، وبرامج مهمة للسادة مصطفى كامل وبهجت الكردي وعربيا برامج (كلام يا محلو) و (مشعل العدوي) و(نديم قطيش) وبرامج اخرى محدودة جدا، ولا يفوتنا أي لقاء مع السادة أحمد الأبيض وهاشم الهاشمي ويحي الكبيسي وماجدة التميمي ومصطفى كامل وليث التميمي، واحمد الشريفي وعدد قليل آخر من المحللين السياسيين والعسكريين والأمنيين، لأن تحليلاتهم صائبة، وحجتهم قوية ولديهم خزين هائل من المعلومات، وهم يقدمون تحليلات مفيدة للمشاهد الذي يرغب بمعرفة ما يحصل على المشهد السياسي، والوصول الى الحقيقة المجردة، واكاد اجزم ان معظم العراقيين المثقفين يتابعون هذه اللقاءات بشوق، وعلى الجهة المقابلة هناك عدد من السياسيين والاعلاميين، يحس المرء بأنهم يتقيأون عليه عندما يحللون الأخبار، ومنهم عبد الامير العبودي، هاشم الركابي ، ونجاح محمد علي و عدنان السراج، ونزار حيدر وعدي عواد القمي وابو فراس الحمداني وغيرهم من حملة دكتوراة ما بعد عام 2003. أحيانا يفكر المرء عن ماذا يدافع هؤلاء الأمعات؟ ولماذا يستميتون بالدفاع عن العملية السياسية الفاسدة التي أوصلت العراق الى الهاوية؟ وهل هؤلاء حقا عراقيون وتهمهم مصلحة البلد، ام عملاء لجهات استأجرت شرفهم وضميرهم؟ ولماذا تصر بعض الفضائيات على استضافتهم كزبائن دائميين؟ هل لغرض إستفزاز المشاهد المسكين، أو لكشف حقيقة جهلهم وعمالتهم وطائفيتهم المقززة؟ وهل تعلم هذه الفضائيات ان البعض يتابع برامج هؤلاء الأوغاد ليس لغرض الإستماع الى تفاهاتهم وشم الكنيف الكريه الخارج من أفواههم، بل للإستماع الى الضيف المقابل لهم، وغالبا ما يقفزون بالماوس من كلام هؤلاء الأمعات الى نظرائهم، بل ان وجود البعض منهم ضيوفا في البرامج يجعل المشاهد ينفر ويمتنع عن متابعة البرنامج اصلا. نقول لهذه الفضائيات ان تضاريس العمالة وعرة جدا، وقد ارهقتنا فارحمونا يرحمكم الله من اولئك الأمعات!
المشكلة انه لا هذه الفضائيات ولا هؤلاء الأمعات يعرفون مقدار الإحتقار الذي يكنه المشاهدون والقراء لما يتفوهون به ويكتبونه، على سبيل المثال كان عبد الباري عطوان من المحللين السياسيين المشهورين، والعديد من المثقفين يتابعون مقابلاته ومقالاته، ولكن عندما اشتراه النظام الإيراني، فقد طلائه، وبان صدأه، وصار موضعا للسخرية والتهكم، كسب عطوان المال وخسر السمعة وشرف المهنة، انها تجارة لا تصلح لمن هو في أرذل العمر، وهذا ما يقال عن قناة الجزيرة التي اعتبرت المقبور قاسم سليماني من رموزها، هذا (الرمز القطري) قتل الآلاف من العراقيين والسوريين، واعلن نظامه احتلال أربع اقطار عربية، فكيف صار رمزا لقطر يا للعجب؟ وفي الوقت الذي تدعي الجزيرة انها صوت الحقيقة ومنبر حرية الرأي، اتحداها ان تخرج برنامجا واحدا ينتقد الأسرة الحاكمة في قطر او يتحدث عن المشاكل السياسية في هذا البلد الذي إبتلعته ايران دون أن تعلن عن ذلك، قطر لا تختلف عن سوريا ولبنان والعراق واليمن، انها الدولة الخامسة التي تخضع للنفوذ الايراني.
فقد العراق والعالم احد أهم المحللين الأمنيين والسياسيين والمختص والخبير الأبرز في مجال الجماعات الإسلامية والفكر الجهادي، انه موسوعة بشرية لا يمكن الإستغناء عنها في معرفة ما يدور في عقلية الحركات الإرهابية والجماعات المتطرفة، وتحليل نشاطاتها وكشف هياكلها التنظيمية وطبيعة مخطاطاتها، للهاشمي مصداقية في هذا المجال لا يمتلكها احد غيره، لهذا تهافتت عليه الفضائيات العالمية والعربية للحصول على المعلومة الصادقة التي لم تنزل في يوم ما الى مستوى المحاباة والمزايدات والإلتفاف على الحقائق، وعلى الرغم من جرأته في الطرح والتي يمكن ان تعرضه الى ما يُحمد عقباه، فأنه اصر على البقاء في وطنه العراق، رغم ان معظم دول العالم تفتح اياديها للترحيب بقدومه، فمثل هذا الخبير ثروة أمنية وبنك معلومات في مجالي الأمن والإرهاب، سيما ان العالم يعاني من مخاطر الإرهاب الدولي، وهو الذي يضع أصبعه على الجرح دائما.
اصدر الهاشمي دراسة مهمة عن الميليشيات المنضوية تحت ما يسمى بالحشد الشعبي، وصنفها الى ميليشيات تابعة للسيستاني واخرى تابعة للخامنئي، وكشف ان كفة الخامنئي اثقل بكثير من كفة السيستاني، واطلق تسمية (الفصائل الولائية) على الميليشيات التابعة للولي الفقيه، واعتبرها القوة الرئيسة والمسيطرة في هيئة الحشد، وهي تنفذ أجندة الحرس الثوري الايراني، قلنا مع انفسنا لقد وضع الهاشمي أصبعه في النار. وتلاها خطوة أجرأ عندما كشف الهاشمي عن شخصية (ابو علي العسكري) وكان شخصية غامضة لم يتعرف عليها الرأي العام، قبل ان يكشفها الهاشمي، وينشر صورة هذا الارهابي، وكانت تلك توحي بالتصفية بلا شك.
صحيح انه لا يوجد عراقي يجهل ان الحشد الشعبي هو الوكيل الوحيد للحرس الثوري الايراني في العراق، وفروعه الاخرى في لبنان وسوريا واليمن. وهذا ما عبر عنه العديد من المسؤولين الايرانيين فيسمونه بكل صراحة (حشدنا)، وزعماء الميليشيات أنفسهم لا ينفوا تبعيتهم لولاية الفقيه، مع ان رواتبهم واسلحتهم وعتادهم ومركباتهم وتجهيزاتهم العسكرية وملابسهم العسكرية من خزينة العراق، هم يحملون السلاح العراقي بأياديهم، لكن من يضغط على الزناد هو الولي الفقيه. وبعد العملية الفاشلة التي قام بها الكاظمي ضد ميليشيا حزب الله الإرهابية وصدق عليه المثل (تمخض الجبل فولد فأرا)، حيث إنتهت بفاجعة من الصعب وصفها، فقد تم إعتقال الإرهابيين وتسليمهم الى إدارة الحشد، وحكم عليهم قاضي الحشد بالبراءة لعد توفر الإدلة الكافية، كان قاضي الحشد عادلا جدا! فالأدلة غير كافية ولم تزد عن معمل لصناعة الصواريخ، وقواعد كاتيوشيا مهيأة للإطلاق على منطقة السفارات الأجنبية، علاوة على وجود قائد من الحرس الثوري الإيراني، سرعان ما إختفى من المشهد، وصار في عهدة السفير الإيراني مسجدي. تحدث الهاشمي عن الموقف وملابساته بصراحة تامة، وتطرق الى انفلات السلاح ولم يخرج كلامه عما تضمنته البيانات الرسمية للقيادات الأمنية العراقية، ولكنه أشار الى (جماعة الكاتيوشا) وتحديها السافر لقائدها العام مصطفى الكاظمي، ورغم توفر الامكانات العسكرية للجم هذه الميليشيات الإرهابية، لكن لا تتوفر الإرادة السياسية عند الكاظمي لمجابهتها، وهذه هي الحقيقة بحذافيرها.
بعد التغييرات في القيادات الأمنية مؤخرا واستبعاد الإرهابي فالح الفياض عن الأمن الوطني، وترأسه لما يسمى بهيئة الحشد الشعبي (كأنك يا بوزيد ما غزيت) لأنها كانت رغبة النظام الايراني اولا، وهذه التغييرات اشبه ما تكون بالمناورة على رقعة الشطرنج، فالقيادات العليا في الأمن الوطني 90% منهم من عشيرة الفياض (البو عامر) وبقوا في مناصبهم ولا أحد يستطيع ان يزيحهم عنها. فالوزارة من حصة العشيرة، وهذا ما يقال عن وزارة الداخلية فجميع قياداتها من فيلق بدر ومعظمهم من الضباط الدمج، وهذا ما يقال ايضا عن وزارة الدفاع فمعظم قادة الفيالق والفرق والألوية تابعين للولي الفقيه بما فيهم وزيرهم الأمعي المحسوب على أهل السنة، والذي لا يعرف له أي نشاط، أسوة بمن سبقوه من القرقوزات، سوى الإشادة بالنظام الايراني ودوره الحاسم في محاربة داعش، وعقد اتفاقات أمنية مع النظام الايراني لا أكثر. من المؤكد ان هذه التغييرات على هشاشتها أثارت حفيظة النظام الايراني فوجه إنتقادات شديدة للكاظمي، مع انه شأن عراقي داخلي، والنظام الإيراني وذيوله يزعموا انه لا يتدخل في الشأن العراقي!!!
بعد هذه التغييرات وتفاقم الأزمة مع الميليشيات الولائية وعدم استقرار بوصلة الكاظمي، والتصريحات الخطرة التي أدلى بها الهاشمي وكشفه الستار عن خلايا الكاتيوشا، والتي اثارت حفيظة حزب الله وعصائب أهل الحق والنجباء، قامت فضائيات وصحف هذه الميليشيات بحملة تسقيط للهاشمي، واعتبرته مرتدا، وهذه حالة غريبة لأن الإنتقال من مذهب لآخر لا يعني الإرتداد عن الإسلام، وإنما من دين لآخر، وهذا الامر شخصي ويتعلق برؤية الفرد ولا علاقة لأحد به، هناك الآلاف من أهل السنة غيروا مذهبهم الى الشيعة بعد الحرب الأهلية في زمن المهووس رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري خوفا من جيش المهدي وفيلق بدر، فهل هؤلاء مرتدون ايضا؟
بعد عملية التسقيط، توالت التهديدات للهاشمي من قبل حزب الله وعصائب أهل الحق، وحاول الإستعانة بصديقه ليث التميمي لعدم معرفته كيفية التعامل مع هذه التهديدات على الرغم من خبرته في الأمن، وكشف التميمي عن إتصالات جرت بينهما تتعلق بالتهديدات، لكن الأمر الذي يثير الإستغراب انه ولا قناة فضائية محلية او عربية أو اجنبية إستضافت ليث التميمي ( باستثناء محطة هنا الكويت مع الاعلامية فجر السعيد) ليتحدث عن هذه الإتصالات، ولا ايضا الحكومة العراقية تحققت من هذه الإتصالات أو استعانت بالتميمي، لأن بيده الخيط المؤدي الى كشف الجهة التي تقف وراء إغتيال الشهيد هاشم الهاشمي، بل الأغرب منه، ان هذه الميليشيات كشفت عن نفسها عندما تغنت بإغتيال الهاشمي وكحلت عيونها الوقحة بدمائه البريئة، وما أن خرج بيان تافه من هيئة الحشد الشعبي حول شجب عملية الإغتيال حتى قامت هذه الميليشيات بإيقاف وسائل الإعلام والغاء التغريدات التي أشادت بالعملية الإرهابية لإغتيال الهاشمي.علما ان بيان الحشد الشعبي كان امرا طبيعيا على اعتبار انه مؤسسة تابعة للدولة وليس من المعقول ان تبارك عملية الإغتيال، لذا جاء البيان إضطرارا، ولا يعبر عن حقيقة موقفها غير الرسمي.
في الحقيقة لا يحتاج الكاظمي الى لجنة تحقيقية، فالقاتل معروف، ومن دبر العملية وأصدر الأمر هو من قتل وليس من نفذ العملية فحسب، بإمكان اي عراقي أن يستأجر قاتل بأقل من خمسمائة دولار ليصفي أحدا ما، الأذرع الإجرامية متوفرة وبكثرة في العراق سيما عند مدمني المخدرات، لكن المجرم الحقيقي والجهة التي تقف ورائه معرفة وليست نكرة، حزب الله من قتل الهاشمي، والإرهابي (حسين مونس جبار الحجامي) عضو مجلس شورى كتائب حزب الله هو من اصدر الأمر، وهو مسؤول قاطع زيونة مسرح الجريمة، وهو الذي هدد الهاشمي، ويمكن عبر هاتف الشهيد وأسرته واصدقائه تأكيد هذه المعلومة، فهل سيجرأ ولي دم الشعب العراقي مصطفى الكاظمي على القاء القبض على الجاني (حسين الحجامي) كما وعد أسرة الهاشمي؟ لا أظن ولا معظم العراقيين ان الكاظمي سيثأر لدم الشهيد، فدماء الأبرياء من المتظاهرين والأحرار تذهب مع الريح دون أن تترك اثرا ورائها، ويبقى القاتل في مسرح الجريمة حرا طليقا، طالما انه فوق القانون، ولا يقدر أحد على محاسبته.
كلمة أخيرة ومحيرة وسبق ان تحدثنا بها: هل من الصعب على رئيس الوزراء أن يمنع سير العجلات بكل انواعها ومن ضمنها الماطاورسيكلات التي لا تحمل لوحة أرقام؟ هل القصد التمويه على المجرمين والميليشات الارهابية لكي تمارس الارهاب بكل راحة؟ اعطونا سبب آخر نقتنع به! وكيف تحركت الجماعات المسلحة بهذه الحرية في حظر التجوال؟ وما فائدة كاميرات الشوارع التي صرف عليها الملايين من الدولارات؟ هل هي مؤسسة سينمائية تنقل لنا مشاهد القتل فقط! اجزم ان من عجز عن القاء القبض على المجرمين الذين قتلوا اكثر من ألف متظاهر لا يمكنه ان يلقي القبض على من قتل شهيد الكلمة الصادقة هاشم الهاشمي، علما ان الجهة المدبرة واحدة. ذهب الشهيد الهاشمي الى جنات الخلد وسيبقى رمزا وطنيا، والعار كل العار لذيول ولاية الفقيه، عليكم لعنة الله والعراقيين والتأريخ يا سفلة.