18 ديسمبر، 2024 8:48 م

هل سياخذ المالكي العراق الى المجهول؟!

هل سياخذ المالكي العراق الى المجهول؟!

في ظل تراكم الاحداث المتسارعة التي تشهدها الساحة العراقية، يعيش العراق حالة من حالات الركود السياسي الناضج قل نظيرها في فترات ولادته الجديدة، اي ما بعد الاحتلال.
بل يمكن القول ان هذا الركود السياسي الناضج، اثر بشكل او باخر سلبا على المجتمع، كما هي عادة كل الاشياء السيئة، فاغلب السياسيين القابعين تحت مظلة استمرار الكهرباء دون انقطاع، وشرب المياه المعدنية، والمكوث بين جدران المنطقة الخضراء، حفاظا على سلامتهم وسلامة عوائلهم، اصيبوا بهلوسة التراشق والتلاحم الاعلامي الفوضوي، بل اصبحت اللغة السائدة للاعم الاغلب منهم، حتى ان البعض منهم وصل به الامر الى الشتم والسب والتشهير واستخدام كل الوسائل المباحة وغير المباحة من اجل ثني الطرف الاخر وسحبه الى منصة الرضوخ والقول والرضا باراء وافعال خصمه او شريكه، وهذه قمة السياسة الدنيوية المبتذلة، التي لا تصلح حتى ان تكون بضاعة رخيصة مسجاة تباع في سوق النخّاسين.
ومن هذا المنطلق، نرى ان البلد، وبسبب السياسات التفردية الغير مدروسة، والقائمة على اساس فرض سلطة الشخص الواحد والحزب الواحد، انجرّ الى واقع لا يمكن التكهن بنتائجه، وهذا لم يكن غائبا على احد، فمثلا لو نظرنا الى اعلى سلطة تشريعية دينية عند المذهب الامامي الجعفري، وهي الحوزة العلمية المتمثلة بالمرجعية الدينية، لم يعهد ابناؤها في يوم ما انها اغلقت الابواب بوجه الحكومات، منذ ان تشكلت الحكومات في العراق القديم والحديث، بل هي لم تكتفِ باللقاء بهم وحسب، بل تستمع لهم وتبدي النصح والمشورة من منطلق مكانتها وموقعها الابوي الارشادي الاصلاحي، الا ان هذا الامر ولاول مرة في تاريخ نشاتها قد تغير، فالمرجعية وبسبب ما آلت اليه افعال وتصرفات رجل السلطة الاول، دولة الرئيس المالكي، عمدت وبحسب ما تراه مناسبا الى اغلاق ابوابها بوجهه وبوجه كل كابينته الحكومية دون استثناء، لانها ترى ان من واجبها الشرعي والاخلاقي والتاريخي، الامتناع عن اللقاء بشخصيات لم تقدم للبلد الا المشاكل والفوضى والفساد وعدم توفير الخدمات، فاللقاء بهم، يعني الامضاء على اخطائهم والرضا بافعالهم، والراضي بفعل قوم كفاعله.
والمرجعية هذه المرة، اظنها التفتت الى امر خطير جدا، كانت الحكومة قد روجت له واثارته بين اوساط مؤيديها وخصمائها، وهو ان ما تقوم به السلطة، يمثل الموقف الشيعي باكمله في العراق، بل وان السلطة هي بمثابة قمة هرم التشيع، وهذا هو عين الغبن والاجحاف بحق المؤسسة الدينية باكملها، والقفز على عنوانها.
واظن ان هذا الشيء ليس بجديد، لمن يعرف شخوص الدعوة الجدد، ومتبنياتهم، القائمة على ايجاد مرجعيات ضعيفة، واللوذ تحت عبائتها، وجعل القرار الاول والاخير بيد السلطة السياسية، مؤطرينه باطار التاييد الديني المتماشي مع افكارهم، بغية تمريره على الناس بهذا العنوان المقدس.
هذا من جهة، اما من الجهة الاخرى، فان سياسات تخبط ومتاهات رجل السلطة الاول، وحزبه الحاكم، لم يتوقف تشخيصها عند جدران الحوزة والمرجعية، بل انها تعدت الى اكثر من ذلك، فدولة الرئيس، الذي اوقع نفسه في عزلة تامة عن الجميع، سواء مع من هم في داخل حزبه او ضمن كتلته او مع اخوته في التحالف او مع شركائه في الحكم، يبحث اليوم عن حل للخروج من عزلته باي طريقة كانت، بل ان الواقع تعدى الى خارج الحدود، من خلال استعدائه لاغلب دول المنطقة دون تمييز، حتى ان هذه التصرفات اوقعت اقرب الدول اليه صداقة في حرج كبير، بسبب ظن الاخرين من ان هذا الشخص مدعوم شخصيا من تلك الجارة الصديقة المسلمة، بل ان الامر وصل الى حد اكبر، اذ يرى البعض من ان تلك الدولة تريد من خلال شخص دولة الرئيس المالكي، خلق وصنع ما اسموه بالدكتاتور الشيعي الذي يضرب الجميع دون استثناء، ليكون مستقبلا السد الامين لحماية مكتسبات تلك الدولة وحدودها وامنها واقتصادها.
ولا اظن ان الامر بهذه الدرجة من التشخيص الدقيق، فالسادة المسؤولين في تلك الدولة، اخبروا البعض من اصدقائهم من انهم ينأون بانفسهم عن تلك التصرفات، ولا يمكن القبول بها باي شكل من الاشكال، لان تلك السياسات الخاطئة، قد عادت بنتائجها السلبية ليس على العراق فحسب، بل على تلك الدولة ايضا، وهذا ما لمسناه فعلا من خلال تمزيق صور رئيس تلك الدولة وحرق علمها في التظاهرات الاخيرة، واطلاق الشعارات المعادية لها.
وحسب فهمي، وكل انسان لا يتعدى فهمه، من ان تلك الدولة الجارة الصديقة، لن تقع في خطا فادح كبير جدا مرة اخرى، بدعم شخص دولة الرئيس المالكي من جديد لولاية اخرى في الحكم، او انها ستقوم بارشاد البعض ممن يؤمن بمرجعيتها الدينية والسياسية الى تمكينه من الوصول لولاية ثالثة كما فعلت سابقا، وهذا لا اظنه رايهم فقط، بل هو راي كل القوى الفاعلة في العراق، بمختلف تسمياتها وعناوينها، بما فيها المرجعية الدينية.
وهنا ومن باب النصح من اخ خادم صغير، اقول للاخوة في التحالف الوطني، ان الاخطاء المتكررة التي يرمي ركامها دولة الرئيس على شمّاعتكم، جعلت منكم صورة مشوّهة المعالم والابعاد في نظر الاخرين، وافقدتكم الموضوعية والحيادية والمصداقية في نظر شركائكم وخصمائكم على حد سواء، ولا اظن صحيحا ما يروج له البعض من المنتفعين بقولهم ان التصدي للدفاع عن اخطاء دولة الرئيس هدفه الحفاظ على الحكومة الشيعية وعدم التفريط بها، وهو كاف لتمرير اخطاء سياساته وتصرفاته التفردية، فهذا هو عين مجافاة الحقيقة، فالشارع يدرك جيدا ان هذا الشي لا يمت الى الحقيقة والواقع بصلة، كون دولة الرئيس المالكي كان اول المتنصلين عن هذا المفهوم بالامس القريب، حين دخل الانتخابات النيابية بقائمة منعزلة عن القائمة الشيعية لو جاز التعبير، وشهّر بتلك القائمة وعنوانها الطائفي، حتى وصل به الامر الى سعيه للاتفاق مع اي جهة كانت، في سبيل اعتلائه سدة الحكم من جديد، دون الاخذ بنظر الاعتبار وضع الشيعة من عدمه.
لذا وكموقف منهم شجاع لتصحيح المسار السياسي في العراق، على الاخوة في التحالف الوطني ان يسارعوا الى ايجاد البديل المناسب لدولة رئيس الوزراء، ولتكن زمام المبادرة بايديهم هذه المرة، افضل من ان تفرضها عليهم الاحداث القائمة، فيكون الراي راي غيرهم لا رايهم، ولا اظن ان الامر بهذا التعقيد كما يعتقده البعض، او انه سيلقي بظلاله على التشيع كما يدعي البعض الاخر، لان الامر محلول وبسهولة، حين نعلم ان رئيس الوزراء البديل سيكون من التحالف الوطني حصرا، وكما ما جرى مع الدكتور الجعفري، اذ بعد ان اتفقت الكتل السياسية على رفضه، تنازل مشكورا، وجيء بشخص اخر من التحالف الوطني، وجرت بعدها الامور بشكل سلس وطبيعي دون المساس بالشيعة وحكمهم، فليكن الامر اليوم ايضا بالسهولة هذه، ولا تنظروا لشخصية البديل، ما دامت من التحالف الوطني، لان الفترة المتبقية قصيرة، وهي تمثل فترة انتقالية مؤقتة، يمكن العمل والمضي بها، لحين حصول الانتخابات النيايبة القادمة، وعند ذلك سنجنب البلد واهله صراعات ومشاكل كثيرة نراها تلوح في الافق القريب، لا اظنها ستحل او سيسيطر على نتائجها بسهولة، ان بقي الوضع على ما هو عليه دون تغيير.