23 ديسمبر، 2024 10:18 ص

هل ستنسحب الولايات المتحدة من العراق !

هل ستنسحب الولايات المتحدة من العراق !

خلال مقابلة بثتها قناة سي بي اس الامريكية في الثالث من هذا الشهرفي برنامجها الشهير Face the Nation ( واجه الأمة ) قال الرئيس الامريكي دونالد ترامب ” انه يريد البقاء في العراق لمراقبة ايران . وبدلا من الانسحاب فانّ لديه قاعدة مثالية الموقع أنفق عليها الكثير ، من خلالها يستطيع مشاهدة اجزاء كثيرة في الشرق الاوسط المضطرب .وانّه سيستمر في المراقبة ليرى فيما اذا كانت هناك مشكلة ، أو فيما اذا كان احد يتطلع الى صناعة اسلحة نووية ، فسوف يعرف ذلك قبل أن يفعلها ذلك الشخص “.
لقد عوّدنا السيد ترامب على التصريحات المربكة والغامضة والمتناقضة ، مما يجعلها في كثير من الاحيان ، حمّالة أوجه ، أو يقود تحليلها الى مخرجات غير متّسقة . ما الذي اراد ان يشير اليه الرئيس ! هل تغيّر مسار الوجود الأمريكي في العراق من الحرب على الارهاب الى مراقبة الأحداث في الشرق الاوسط وبشكل خاص ايران . وهل سيكتفي ترامب بهذه القاعدة المثالية ويسحب قوّاته من العراق ! هل هي رسالة لأيران بانه سيتراجع عن موقفه من الاتفاق النووي الايراني وستكتفي الولايات المتحدة بمراقبة نشاطها النووي ، بدلا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ! وهل ستقبل ايران بانسحاب القوات الامريكية من العراق مقابل احتفاظها بالقاعدة المذكورة لقاء عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي الايراني! واذا كان الأمر كذلك فهل ستغلق ايران أفواه حلفائها ووكلائها في العراق ، الداعية الى اخراج القوات الامريكية من العراق! أم انها رسالة الى حكومة العراق للتفاوض على احتفاظها بالقاعدة لقاء سحب قوّاتها !
يمكن ان يصح كل ذلك أو بعض منه أو لايصحّ أي من هذه الافتراضات . بيد ان هناك مؤشرات تدلّ على ان الرئيس ترامب ربما يفكر ، أو فكّر بسحب قوّاته من العراق ، خلال السنة الحالية أو على ابعد تقدير في النصف الاول من السنة القادمة .
من هذه المؤشرات ، أنه رغم تأكيده على بقاء قوّاته في سوريا أعلن بشكل مفاجىء انسحابه منها وبشكل لا رجعة فيه . ومؤخرا توصل الى اتفاق مع حركة طالبان تمكّنه من خروج آمن لقوّاته من افغانستان . واذا فعل مثل هذا في افغانستان وسوريا ، فلماذا لايفعل مثل هذا الشيء في العراق ! ويزداد هذا الامر احتمالا ، وربما يصبح مؤكّدا ، اذا نفّذ الرئيس ترامب تهديده وانسحب نهائيا من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى خلال الستة أشهر القادمة، ودخل في سباق تسلح مع روسيا والصين . عند ذلك سيحتاج الى أموال كبيرة لأنفاقها على تطوير قدراته العسكرية بمختلف صنوفها وبشكل خاص في مجال تطوير برامجه الصاروخية .
ان وزارة الدفاع الامريكية قد خصصت 69 مليار دولار لنفقاتها العسكرية في افغانستان والعراق وسوريا من ميزانيتها لعام 2019 والتي بلغت 716 مليار دولار بزيادة 16 مليار عن ميزانية 2018 .وفي حالة انسحابها من العراق بعد خروجها من سوريا وافغانسان، فانها ستوفر هذا المبلغ ، الذي هو اكبر من ميزانية وزارة الدفاع الروسية لعام 2019 بما يقارب 19 مليار دولار. وممّا لاشكّ فيه ان توفير مثل هذا المبلغ الكبير سيمكّن الولايات المتحدة من خوض سباق تسلح مريح ، في حين سيكون مكلفا بدرجة كبيرة لروسيا .
الاّمر الآ خر الذي يرجح انسحاب الولايات المتحدة من العراق ، هو ان منطقة الشرق الاوسط لم تعد من أهتمامات الرئيس ترامب الاّ بقدر الحفاظ على أمن اسرائيل والتدفق الحر الآمن للنفط ، وهو متأكد تماما انه ما من دولة في الشرق الاوسط تجرأ بالمساس بهما . أن اولويات الرئيس ترامب الان تتجه نحو الصين التي يخوض معها الآن حربا تجارية واسعة ، والتي تشكل تحديا كبيرا للولايات المتحدة في شرق اسيا وجنوب شرقيها وفي المحيط الهادي ايضا . انّ كلّ التوقعات تشير الى انّه في حالة استمرار الصين على هذا المستوى من التقدم في الصناعات الحربية المتطورة ، وبهذا المستوى من الانفاق العسكري ( ما يقارب 228 مليار دولار سنويا ) ، فانها ستنافس قوّة الولايات المتحدة العسكرية أذا ما لم تتفوق عليها .
يضاف الى ما تقدم سياسة ترامب الانعزالية التي تركّز على أمريكا أولا تجعل كل أهتماته مكرسة لجعل امريكا اقوى دولة ومن دون أي منافس في العالم ، وفي ضوء ذلك لاينبغي للولايات المتحدة من تبديد قوتها في مناطق لا تشكّل تحدّيا حقيقيا لأمنها ووجودها كما هو الوضع على ضفتي المحيط الاطلسي والمحيط الهاديء.
وأخيرا فان الرئيس ترامب مهووس بعودة ابنائه وبناته في القوات المسلحة خارج الولايات المتحدة الى الوطن . وهو حريص على أن يتمّ ذلك قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني من العام القادم ، لتكون دعما له في تلك الانتخابات .
يبقى السؤال الأكبر ، هل يريد العراق فعلا خروج القوّات الأمريكية ، أم ان من يريد ذلك هو ايران !