من الواضح إن الاستعدادات لانتخابات مجالس المحافظات والتنافس على الفوز بمقاعدها بعد أن تم تمديد دورتها الحالية بشكل استثنائي وغير دستوري أكثر من مقبول ستبدأ مبكرة في انتخاباتها المقبلة وذلك لان الكتل والأحزاب المشتركة في العملية السياسية قد نضجت في تفكيرها وطرق إدارتها لنفسها بعد ستة عشر عام منذ أن بدأت تقود البلاد بعد احتلال العراق عام 2003 وإذ تعتز كل كتلة بتجربتها الخاصة وتطمح الى تطويرها إلا إنها تنظر بعين جانبية خفية الى الكتل الأخرى وتراقبها في ما تمكنت من أن تحصل عليه من انجازات ومكتسبات خاصة بها وبأعضائها لانهم جميعا في حالة سباق للاستحواذ على المناصب التنفيذية بدلالة الإقالات المتكررة وإذ يطبل الكل لما يسمى في العراق اليوم بالديمقراطية فهي شي غير حقيقي ولا أساس لوجوده فالديمقراطية لا أن تذهب الى صندوق الانتخاب وتؤشر ما يملى عليك من أسماء اتفقت عليها كتلة معينة تجد لها لسبب ما احتراما في داخلك فتوضع في زاوية محددة باتجاه واحد وبالنتيجة يذهب صوتك الى الكتلة ويعاد تقسيم مجموع الأصوات بين الأعضاء الذين اختارتهم كتلتهم وهذا ما يسمونه نظام سانت ليغو بعد أن تصرفوا في آليات عمله وهذا تكريس لوجود ذات الكتل التي يتهم بعضها البعض بالفساد ودن محاسبة وعدم السماح للغير بالوصول الى مناصب قيادية أو مؤثرة وذات سطوة في المجتمع وإنما الديمقراطية أن يمنح الشعب أصواته لمن يشاء وأكثر من يحصل على أصوات هو الفائز مع مراعاة الكوتة النسائية أو كوتة الأقليات ويراعى وضع عتبة للحد الأدنى ومن الممكن إجراء انتخابات تكميلية في حالة إذا لم يكتمل النصاب المطلوب فيفوز من ينتخبه الشعب لا من تريده الكتلة أو الحزب.
في الانتخابات البرلمانية للدورة الحالية حصلت أمور مخجلة للدولة العراقية وللشعب العراقي ذا التاريخ العريق كتعالي الأصوات المنددة بعمليات التزوير التي فاحت رائحتها موثقة بالفديوات والصور والتسجيلات الصوتية وقرارات البرلمان السابق بتعطيل عمل المفوضية العليا للانتخابات وتشكيل فريق من القضاة انيطت به مهمة الفرز وإعلان أصوات الفائزين وعلى الرغم من ذلك فربما لازالت بعض الأمور معلقة في داخل البرلمان من أساسيات عمله الى ساعتنا هذه كانتخاب رؤساء اللجان البرلمانية أو غيرها وبعد مضي أكثر من سنة لم نلحظ قرار مهم يخدم الشعب العراقي ويدلل على إن السادة أعضاء البرلمان الذين خلص إليهم الحال هم ممثلين حقيقيين للشعب العراقي والاهم من كل هذا إن دستورنا المبجل والذي لا يمكن إصلاح أي خلل فيه لأي سبب وتحت أي ضغط بعد تجربة السنوات الماضية لم يحدد نسبة السقف الأدنى المبطل للمشاركة الشعبية في الانتخابات في نفس الوقت الذي منح الحق للمواطن بالمشاركة من عدمها أي بمعنى إن عشرة أشخاص يذهبون الى كل مراكز انتخابي في كل مدينة من أصل آلاف يحق لهم الاشتراك في الانتحاب يمكن أن تعتمد نتائج اختياراتهم وعلى أساسها يتم تحديد أسماء أعضاء البرلمان وتشكيل حكومة وتسمى هذه الإجراءات بعملية انتخابية ويقال أنها ديمقراطية ويجب على الكل احترامها وبلا شك تلك إحدى المطبات والحفر القاتلة التي يجب معالجتها كخلل دستوري.
إن عدم المشاركة الشعبية وبهذه الكثافة العالية من المقاطعة في الانتخابات لا تعني إلا شيء واحد هو عدم اعتراف الشارع العراقي بنتائجها مسبقا جملة وتفصيلا وكان من المفترض بالأمم المتحدة كجهة محايدة وأمينة ولها سلطتها المسبقة حسب قرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص العراق إن تتدخل وتدير البلد حيث توجد عدة طرق لذلك لكي لا يحصل أي فراغ امني أو دستوري ولكنها تخلت عن هذا الواجب لأسباب ليست مجهولة وتركت الأمور تسير بالطريقة المعروفة وها هي نتائجها غير مكتملة بدلالة إن أهم الوزارات السيادية في البلد لا زالت شاغرة ولا توجد علامات لإشغالها في المستقبل المنظور عدا التصريحات النارية بينما تتعالى أصوات عن عدم تنفيذ أي خطوة من البرنامج الذي طرحته الحكومة حين تم التصويت عليها ولا زالت كثير من العقد توضع في طريقها بسبب خلافات ذات الكتل التي صوتت عليها ووافقت على برنامجها وأصوات لاستجوابها وهذا بحد ذاته أزمة حقيقية لم يمر فيها أي بلد في العالم بل انفرد العراق بتميز بها وله السبق كما له السبق في تدني الكثير من الخدمات الأساسية المهمة كالبلدية والكهرباء والصحة والتعليم وغيرها كما هو معروف.
لكي لا نبتعد كثيرا عن مجالس المحافظات بعد هذه التجربة التي لا يمكن اعتبارها قصيرة من عمر تغير نظام الحكم بعد عام 2003 ينبغي للبرلمان أن يطرح للشارع العراقي تصويتا حول استمرار وجود مجالس المحافظات من عدمه وبالتأكيد لو تركوا حرية الاختيار للمواطن لرفض وجودها لأنها حلقة بيروقراطية زائدة وبؤرة للفساد لا أهمية لوجودها سوى تعميق المناكفات بين الكتل السياسية وتقاطعات واختلافات لا مبرر لها وهدر وإنفاق للمال العام كرواتب أو مخصصات أو حمايات وما شاكلها أضف عليها المساومات التي تجري على اختار المحافظين والدرجات الخاصة في المحافظات ولا زالت تجربة مجلس محافظة نينوى وموضوع إقالة محافظها السابق قائمة أمام أعين الجميع غير ما يحصل بشكل يومي تقريبا في كل المحافظات العراقية من إقالات وإعفاءات من مناصب إبتداءا من المحافظ نزولا الى كل الدرجات الإدارية لذلك فان إلغاءها هو الأصلح للدولة العراقية وللشعب لكن قادة وأعضاء جميع الكتل حتى وان طالب كل الشعب العراقي بإلغائها سيخالفونه ويصرون على وجودها لسبب بسيط هو الحفاظ على مكتسبات أعضائها ومراكز قوتها في المحافظات وتدوير وجوههم لتتسع دائرة المستفيدين فمن يترك مكانه إذا سمح لأي سبب سيبقى محتفظا بكثير من الحقوق والامتيازات التي سيحصل عليها غيره أيضا إضافة الى راتب تقاعدي يوفر له حياة مترفة تميزه عن غيره من أفراد الشعب العراقي.
في ضوء تجربة السنوات الماضية وتراكم الخبرات وتقصير واضح في أداء مجالس المحافظات وطرق قيادتها لعملها التي حددها قانونها خاصة والكتل السياسية المساهمة فيها لواجباتها تجاه الوطن والمواطن وما سيحصل من حملات تسقيط بينهم تتصاعد حدتها كلما اقتربنا من الموعد الذي لم يحدد الى الآن فان انتخابات مجالس المحافظات إن حصلت ستشهد مقاطعة واسعة ينبغي على الجهات المعنية بعدها إلغاء هذه المؤسسة وإيجاد بدائل أكثر نفعا منها وان غدا لناظره قريب.